شوف تشوف

الرأيالرئيسية

المنسيون

يونس جنوحي

 

هناك قصص منسية لرجال ونساء، كُتب لهم ألا يعرفهم أحد رغم أنهم قدموا الكثير للمغرب، وللمغاربة.

وبعض هؤلاء ليسوا مغاربة مثلنا، لكنهم عاشوا بيننا وعرفوا عنا أكثر مما نعرف عن أنفسنا وتاريخنا المشترك.

أول هؤلاء، سيدة تنحدر من مدينة تطوان اسمها “رحيمو الحوزي”. والقليلون من أبناء المدينة والمهتمين بشمال المغرب يعرفون من تكون هذه السيدة المنسية تماما، والتي لا تعرف وزارة الثقافة بوجودها ولم نسمع أبدا عن تكريم لذكراها رغم أن “زميلاتها” في دول أخرى، تُعتبرن إرثا وطنيا.

رحيمو الحوزي أول سيدة مارست التصوير في المغرب. بدأت هواية التصوير الفوتوغرافي قبل استقلال المغرب، وتعلمت على يد زوجها أصول التقاط الصور وعملية التحميض والتعامل مع آلات التصوير القديمة.

وبعد الاستقلال حصلت على الاعتماد الرسمي وهو ما جعلها تتلقى دعوات رسمية لتصوير بعض الأحداث والاحتفالات في مؤسسات رسمية على رأسها القصر الملكي في الرباط.

لكن أهم الأعمال التوثيقية التي تركتها هذه السيدة خلفها، تصوير زيارات الملكين الراحلين محمد الخامس ثم الحسن الثاني لمدن الشمال بعد الاستقلال.

وعندما حل زلزال أكادير، انتقلت إلى هناك وقطعت المسافة من تطوان على متن الحافلات ووصلت رغم إغلاق السلطات للمسالك المؤدية إلى المدينة.

وفي الوقت الذي لم يكن فيه أقسى الرجال قادرين على رؤية مشاهد الخراب والجثث العالقة أسفل البنايات، كانت “رحيمو” تتنقل بآلة التصوير ووثقت للزلزال.

أهمية مسار السيدة رحيمو، يتمثل في أنها أول سيدة مغربية مارست التصوير الفوتوغرافي، وهو ما جعل الأعيان والعلماء والأثرياء المغاربة المحافظين وكبار مسؤولي الدولة، يختارونها لكي تُرتب جلسات تصوير لزوجاتهم وبناتهم، وهكذا فإنها وثقت لمئات العائلات التي أثرت في تاريخ المغرب أو شاركت في صناعته، وسلطت بآلة تصويرها، الضوء على الجانب الحميمي للشخصيات المغربية التي لم يكن المغاربة يعرفون عنها أي شيء سوى الصور التي تنقل جانب السلطة والحضور الرسمي.

شخصيات أخرى قدمت الكثير للمغاربة، هم صحافيون ورحالة مروا من المغرب، أمثال الصحافي “فنسنت شيين” الذي التقط صور أحداث الريف في بداية عشرينيات القرن الماضي، وأرسل للصحافة الأمريكية مقالات أحرجت إسبانيا عما كان يجري في المنطقة.

ولولا اللقاء الذي كان بين هذا الصحافي والخطابي، لما عرف الرأي العام الدولي حقيقة ما كان يجري في المنطقة، بل إن هذا الصحافي اعتُبر مرجعا مهما جدا لتوثيق بداية الحرب الإسبانية ضد المغرب. ورغم ذلك لا يوجد أي اهتمام رسمي في المغرب بمقالات هذا الصحافي الذي غامر بحياته ووقع في الأسر وعانى الجوع لكي يُنجز مهمته الصحافية.

هناك أيضا محامون فرنسيون اشتغلوا في المغرب وحملوا هموم الفقراء المغاربة ورافعوا لصالحهم في المحاكم وناضلوا لكي لا يُحرم المغاربة من حقوقهم التي سلبها منهم الاستعمار. ورغم ذلك لم نسمع أبدا عن أي التفاتة محلية لتكريم ذكرى هؤلاء المحامين الذين مارسوا مهنتهم بنُبل، وتعرض بعضهم لمحاولات اغتيال في قلب الدار البيضاء والرباط على يد جماعة “اليد الحمراء الفرنسية”، وهي منظمة إرهابية فرنسية بعض أعضائها في الجيش الفرنسي كانت تنفذ عمليات اغتيال وتستهدف كل من يعارض الوجود الفرنسي في المغرب. ولولا هؤلاء المحامين الفرنسيين، لما تمكن المظلومون المغاربة، خصوصا في ملف سلب الأراضي وتفويتها للمُعمرين الفرنسيين، من إيصال صوتهم أو جمع وثائق الملفات التي أعادت إليهم ممتلكاتهم بعد الاستقلال.

الحكماء القدامى خلصوا إلى أنه لا يوجد بلد حقق نهضة دون أن يعتني بتاريخه ويوثق له.

كل الدول التي قامت بعد الحرب العالمية الثانية، وانتقلت من جمع الركام والرماد إلى قيادة اقتصاد العالم، لا تزال تحتفظ بأجزاء من الخراب لكي تذكر الأجيال الجديدة بما قاساه الأولون لكي تصل بلدانهم إلى ما هي عليه من ازدهار. بينما نحن لا نلتفت لا للبشر ولا للحجر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى