
رضوان السيد
تلقى الاستقرار اللبناني، السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ضربات متتالية منذ نحو عام. في البداية اندلع ثوران الشبان في شهر أكتوبر الماضي بسبب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية السيئة، ثم حصل الانهيار الاقتصادي والمالي، وأقفلت البنوك لفترات وانهار سعر صرف الليرة أمام الدولار، واحتجزت البنوك ودائع المواطنين، إما لمنع التهريب إلى الخارج أو لأن المصارف مفلسة بسبب الديون الكبيرة للبنوك لدى المصرف المركزي، الذي لا يستطيع إعادتها الآن!
ولأن المصائب لا تأتي فُرادى، كما قال شكسبير، فقد شهد مرفأ بيروت في 4 غشت انفجارا هائلا، لم يُبق ولم يذرْ في أقسام واسعة منه، كما أن ثلث مدينة بيروت المقابل للمرفأ على مدى عشرة كيلومترات، لحق به دمار كبير. وهب العرب والعالم لنجدة بيروت، في حين نشب نزاع سياسي هائل أدى إلى استقالة الحكومة التي تشكلت قبل سبعة أشهر، وما استطاعت إنجاز شيء يستحق الذكر، لا في الأزمة الاقتصادية، ولا في أزمة المصارف، ولا في العلاقة بصندوق النقد الدولي الذي طلبت منه الحكومة 12 مليار دولار قروضا ومساعدات دونما قدرة على خطة اقتصادية مقنعة، ولا إجراء الإصلاحات التي طلبها الصندوق والأمريكيون والأوربيون!
وإلى هذا كله، وبعد انتظار ما يقارب السنوات العشر، صدر في 18 غشت 2020 عن المحكمة الدولية الخاصة التي تشكلت لكشف قَتَلة الرئيس رفيق الحريري ومعاقبتهم، الحكْم الذي يُدينُ كادرا في «حزب الله» اسمه سليم عياش بجريمة القتل، لأسباب سياسية.
وهكذا صارت هناك ثلاث قضايا أو مشكلات كبرى تتطلب من العهد و«حزب الله» وحلفائهما بالذات، الإجابة عنها: المسؤولية عن الانهيار الاقتصادي والمصرفي والفشل في إيجاد الحلول، والمسؤولية عن انفجار أو تفجير مرفأ بيروت وثلث المدينة المنكوبة، ومسؤولية الدولة والحزب عن تسليم الكادر الحزبي المتهم بقتل الحريري إلى المحكمة الدولية.
وبالنسبة إلى الأمر الأول (الاقتصادي والمصرفي) جرى تقاذفُ التهم بين أطراف المنظومة، وما أمكن التفاهم على مَنْ كان السبب وعلى ماذا ينبغي فعله، مع شيوع الاتهام في ما بينهم بالفساد!
وأما حَدَث دمار المرفأ فإن الخبراء المُحايدين يعتبرون أن الكل مذنب، وهو رأي الشباب الثائرين، في حين يتهم آخرون إدارتي المرفأ والجمارك، فيما يذهب فريق ثالث إلى اتهام الحزب بتخزين تلك المواد التي أدى الإهمال أو التخريب إلى انفجارها!
ويبقى حدث المحكمة يحمل وضعا خاصا، ليس لكثرة المتضررين فقط، بل لأن المتهم الوحيد من الحزب، والحزب الذي لا يعترف بالمحكمة لن يسلم المدان، وتزايد اتهامه بالإرهاب، وتتعذر الشراكة معه في الحكومة والحياة السياسية!
قبل شهر دعا البطريرك الماروني إلى تحرير الشرعية، وتحييد لبنان عن النزاعات والحروب، وتطبيق القرارات الدولية. وقد تطورت فكرة الحياد في خطاباته إلى أن صارت مشروعا، أصدر عنه وثيقة أو ورقة عنوانها: الحياد النشِط، وأضاف لذلك أخيرا الدعوة إلى انتخابات مبكرة.
أما المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان، فقد طالب في خطابه بمناسبة ذكرى الهجرة بأربعة أمور: التحقيق الدولي في تفجير المرفأ، وتشكيل حكومة حيادية للإنقاذ، وإجراء انتخابات مبكرة لتغيير السلطة، وتسليم قاتل الرئيس رفيق الحريري إلى العدالة الدولية.
الانهيار الاقتصادي مستمر بالطبع، والعمل الإجرامي بالمرفأ يتطلب المحاسبة. وحكم المحكمة يتطلب النفاذ للخلاص من السلاح المنفلت ومن الجريمة السياسية. وهذا فضلا عن الحاجة إلى عشرات المليارات للخروج من الأزمة الاقتصادية، والأخرى اللازمة لإعادة الإعمار. ويزيد الطين بلة الآن ارتفاع عدد الإصابات بكورونا إلى المئات يوميا، ما أدى إلى إعادة فرض الحظر الشامل.
لبنان بلد منكوب بالفعل. وفي تقرير «آسكوا» الأخير أن 55 في المائة من اللبنانيين صاروا تحت خط الفقر. وهذه المسائل مجتمعة تهدد الاستقرار، وتفاقم من موجات الهجرة في أوساط الشباب.




