شوف تشوف

الدوليةالرئيسيةتقارير

دمار هائل يضرب البنية الصناعية بالسودان وخسائر بالمليارات

القطاع الصحي ينذر بأزمة إنسانية غير مسبوقة والاقتصاد مهدد بانهيار شامل

منذ عام 2022 والسودان تعاني من اقتصاد متدهور، فقد اتجهت إلى الرفع من الواردات مما تسبب من عجز في الميزان الاقتصادي، والزيادة في الضرائب وبذلك تدهورت القدرة الشرائية للمواطنين. ومع اندلاع الحرب في 15 من شهر أبريل الماضي تدهورت الأوضاع أكثر من السابق ومس الضرر القطاع الصناعي والطبي ودخلت البلاد أزمة إنسانية غير مسبوقة مع تصاعد النداءات العاجلة لوقف الحرب.

سهيلة التاور

أدت الاشتباكات الدائرة حاليا بين الجيش وقوات الدعم السريع في السودان والتي سرعان ما تحولت إلى ساحة حرب سقطت فيها أرواح عديدةـ إلى خروج أكثر من 400 منشأة تعمل في مجال الصناعات الغذائية والدوائية ومختلف المجالات الأخرى في العاصمة السودانية الخرطوم عن الخدمة تماما بعد التخريب الكبير الذي تعرضت له.
وينتشر المئات من اللصوص بالمناطق الصناعية في مدن العاصمة الثلاث، ويقومون بعمليات سرقة بكل شيء، بما في ذلك أجزاء الماكينات بالمصانع، والمواد الخام، والمخزون الإنتاجي، وحتى أسقف المباني وأجهزة التكييف والإضاءة، في مشهد لم تراه الخرطوم طوال تاريخها الممتد لأكثر من 200 عام.
وتتعرض المصانع والمصارف والقطاعات المرتبطة بسلاسل الإمداد في العاصمة السودانية لعمليات نهب وتدمير واسعة في ظل غياب تام للأجهزة الشرطية عن الشوارع.
وقدر مختصون حجم الخسائر المباشرة والغير مباشرة التي لحقت بقطاعي الصناعة والمصارف بنحو 4 مليارات دولار؛ وسط توقعات بأن ترتفع الخسائر بشكل كبير إذا لم تتوقف الحرب الحالية.
ووفقا لعبد الرحمن عباس، الأمين العام السابق لاتحاد الغرف الصناعية، فإن حجم الدمار الذي تتعرض له المصانع لم يكن يخطر على بال أحد؛ ويقول: «إن العديد من رجال الأعمال قد فقدوا مصانع عملاقة لهم، استغرق تأسيسها عشرات السنين وصرفت عليها أموال ضخمة للغاية».
وأضاف: «الأزمة كبيرة وستعيق الإنتاج الصناعي تماما، مما سيشكل خطرا على إمدادات الغذاء والدواء على المدى القصير، وسيؤدي إلى تراجع كبير في الناتج الاقتصادي».
وأشار عباس إلى أن الدمار الحالي الذي تتعرض له المصانع ستكون له عواقب وخيمة وستفقد بسببه آلاف الأسر مصادر رزقها، حيث يستوعب القطاع الصناعي في الخرطوم وسلاسل الإمداد المرتبطة به أكثر من 100 ألف وظيفة.
وقال حسن بشير، أستاذ الاقتصاد في الجامعات السودانية إن الحرب الحالية عقدت من أزمة الاقتصاد في السودان الذي كان يعاني أصلا من مشكلات هيكلية خطيرة.
وأوضح أن إصلاح التخريب الذي تعرضت له منشآت القطاع الصناعي في الخرطوم يحتاج إلى سنوات طويلة، خاصة في ظل التوقعات بعدم قدرة القطاع المصرفي على القيام بدوره المطلوب في إعادة التأهيل، نظرا للضعف الذي يعاني منه في الأساس، وتأثره أيضا بعمليات النهب والتخريب الحالية.
وشملت القطاعات المتأثرة بعمليات التخريب الصناعات الغذائية والدوائية والصناعات المرتبطة بقطع وتجميع السيارات وسلاسل الإمداد الأخرى.
وبدأت بالفعل تظهر بوادر أزمات عديدة بسبب نقص الإنتاج، حيث يصطف الناس لساعات طويلة أمام المخابز ومحطات الوقود.

المجال الصحي
يواجه القطاع الصحي في العاصمة السودانية الخرطوم حالة غير مسبوقة من التردي وتحذيرات من انهياره بسبب الصراع المسلح المتواصل بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ 15 أبريل الماضي، من دون أي بارقة أمل لوقفه رغم الإعلان 5 مرات عن هدنات إنسانية تسمح بفتح ممرات إنسانية، وتمكن الفرق الصحية من مواراة مئات الجثث الملقاة على الطرقات، لكن أيا من ذلك لم يحدث.
وتقع أغلب المستشفيات الحكومية والخاصة في قلب العاصمة السودانية حيث تدور المواجهات العنيفة في محيط القيادة العامة والقصر الرئاسي، مما جعل المنشآت الصحية هدفا لا يمكن تجاوزه في سياق الحصول على الأفضلية الميدانية في القتال المستخدم فيه مختلف أساليب القتال، بما فيها القصف بالطائرات والمدافع والأسلحة الثقيلة.
كما أن الوضع الحالي نتج عنه انهيار فعلي للمؤسسات العلاجية بعد شح المواد الطبية وتزايد الطلب على الخدمات الصحية بسبب العدد الكبير من الجرحى الوافدين على المستشفيات، في وقت تنقطع فيه خدمات الكهرباء والمياه، كما يعجز متعهدو الوجبات الغذائية المخصصة للمرضى عن إيصالها بسبب التهديدات الأمنية في الشوارع.

قصف المستشفيات
كشفت نقابة الأطباء عن مقتل على الأقل 10 من الأطباء وطلاب بكليات الطب خلال الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع، كما أكدت خروج 70 في المئة من المستشفيات المتاخمة لمناطق الاشتباكات عن الخدمة.
ومن أصل 85 مستشفى أساسيا في العاصمة والولايات، يوجد 61 مستشفى متوقفا عن الخدمة، و25 تعمل بشكل كامل أو جزئي، بعضها يقدم إسعافات أولية فقط، وهي مهددة بالإغلاق أيضا بسبب نقص الكوادر والإمدادات الطبية والتيار الكهربائي والماء.
وتعرض مستشفى البراحة بالخرطوم للقصف و 16 من المؤسسات العلاجية للقصف، في حين أخلي 19 منها قسريا، كما أشارت إلى الاعتداء على 16 سيارة إسعاف، ولم يسمح لبعضها بالمرور لنقل المرضى وإيصال المعينات.
وقال المتحدث باسم الجيش إن ما وصفهم بمتمردي الدعم السريع حولوا مستشفى شرق النيل إلى ثكنة عسكرية مدججة بالسلاح ومركز قيادة للعمليات بعد إخلائه من المرضى، بما فيها الحالات الحرجة بالعناية المكثفة.
والعاصمة لم تكن استثناء، فالحرب الضارية امتدت لعدة ولايات، وهو ما انعكس على المرضى والمستشفيات في تلك المناطق، حيث طال القصف والإغلاق 4 من مستشفيات الأبيض (عاصمة ولاية شمال كردفان)، كما توقفت الخدمة في مستشفى الجنينة التعليمي (غرب دارفور) بعد الاعتداء عليه، وتوقفت الخدمة كذلك بمستشفى الضمان في مدينة مروي بالولاية الشمالية، وفي الفاشر بولاية شمال دارفور توقفت الخدمة بمشفاها التعليمي والخاص بالأطفال والنساء والتوليد.
في ظل عدم قدرة الجهات ذات الصلة على التعامل مع مئات الجثث الملقاة في طرق الخرطوم وضواحيها بسبب استمرار المواجهات المسلحة، عمدت وزارة الصحة لإصدار نصائح للمواطنين للتعامل مع الجثث منعا لكارثة بيئية محتملة؛ تضمنت ضرورة ارتداء أزياء واقية، ورش الجثة بالمبيد في حال كانت متعفنة، كما طلبت ترقيم الجثث باستعمال ورق مقوى ووضعها بالقرب من الجثة، ثم التقاط صور من عدة اتجاهات مشمولة بالرقم التعريفي بجانب نصائح أخرى للتمكين من التعرف على هوية القتيل لاحقا.

خطر بيولوجي كبير
ومن جهتها، حذرت منظمة الصحة العالمية من خطر بيولوجي كبير، قد يهدد صحة المواطنين في السودان، بعد اقتحام مقاتلين واحتلالهم المعمل القومي للصحة العامة في العاصمة الخرطوم.
ومن دون الكشف عن هوية الطرف الذي سيطر على المعمل، أبدت المنظمة قلقا إزاء احتمالية إساءة تعامل الأفراد غير المدربين مع هذه العينات المُعدية، ما يعني إصابة أنفسهم ثم انتقال الإصابة إلى غيرهم.
ويحتوي المختبر على مسببات أمراض مثل الحصبة والكوليرا والسل المقاوم لأدوية متعددة، وفيروس شلل الأطفال المشتق من اللقاحات، ومواد خطرة أخرى.
وقال مصدر سوداني مسؤول من المعمل: «المعمل يُعد أكبر معمل طبي يخدم جميع المرافق الصحية بالسودان، لكونه يقع في منطقة حيوية داخل الخرطوم وبجوار مستشفيات تعليمية، كما يحتوي على المختبرات المتخصصة في عدة فحوص، ذات الطابع المرجعي والأمراض الوبائية». وأضاف: «تم اقتحام المعمل من قِبل أشخاص يرتدون زي «قوات الدعم السريع»، وتحديدًا خلال فترة عيد الفطر الماضي، وكان هدفهم الرئيس هو الحصول على الأموال والطعام، ولكن يظل المبنى تحت سيطرتهم حتى وقتنا الحالي».
والمعمل يقع في منطقة مركزية بالخرطوم بالقرب من مقر قيادة الجيش، (منطقة اشتباكات بين أطراف النزاع)، وحين تم اقتحامه تعرض العاملون بالمختبر للتحقيق من قِبل الجهة المحتلة، ثم قاموا بطردهم من المكان، ليصبح مقرا آمنا لهم.
واقتحام المعمل لم يمثل أي خطر بيولوجي حتى وقتنا الحالي، لأن عينات الفيروسات والبكتيريا ما زالت آمنةً داخل الثلاجات، ولم تتعرض لها القوات المحتلة، لكن الخطر يكمن في انقطاع التيار الكهربائي عن المبنى من وقتٍ إلى آخر، وبالتالي سيحدث تلف في العينات المسببة للأمراض، ومنها (كوفيد-19). إلا أن احتلال المعمل تسبب في حدوث قصور في خدمات توفير الدم ومشتقاته للمصابين والمرضى في الخرطوم، وتعطُّل أجهزة وثلاجات حفظ الميكروبات، كما حذرت منظمة الصحة العالمية من ذلك قبل أيامٍ قليلة.
وفي صباح 27 أبريل الماضي، وجهت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان نداء عاجلا لطرفي الصراع في السودان، بضرورة إيقاف هذه الحرب العبثية فورا وعدم التعرض للمرافق الطبية والصحية أو اتخاذها منطلقًا لعملياتهم العسكرية.
وكانت المنظمة قد وجهت أيضًا نداءً عاجلًا على لسان المدير الإقليمي لشرق المتوسط، أحمد المنظري، إلى كل أطراف الصراع في السودان للانسحاب من جميع المرافق الصحية فورًا، وأكدت حتمية ضمان توفير الرعاية الصحية، وعدم إعاقة عمل مرافق الصحة العامة الحيوية، ويشمل ذلك عمل المختبرات شديد الأهمية.

شبح الانهيار الشامل.. مجددا
اندلاع الحرب جدد المخاوف بانزلاق الاقتصاد السوداني نحو الانهيار الشامل، وتدخل الحرب الآن يومها التاسع وبدأت الدول الأجنبية بإجلاء رعاياها مخافة اتساع رقعة الحرب.
فاستمرار الحرب سيصيب النشاط الاقتصادي بالشلل، وسيجر البلاد نحو مصير مظلم ، بسبب ضياع فرصة إعادة تصحيح مسار الاقتصاد وإزالة التشوهات التي صاحبت فترة العزلة والعقوبات.
هذه الحرب سترفع من أخطار التعامل التجاري مع السودان، وستتسبب في هجرة رؤوس الأموال، كما سيعاني المواطنون من ظروف بالغة التعقيد بعد أن أوقف برنامج الغذاء العالمي برامجه بسببها، ومن المرجح أن تشهد البلاد موجة من الانفلات الأمني تجعل من تدفق السلع للأسواق أمراً بالغ الصعوبة، مما يزيد من مخاوف حدوث مجاعات في بلد كان في دائرة خطر المجاعة قبل اندلاع الحرب.
كل هذه المؤشرات تدل على أن الاقتصاد السوداني مقبل على فترات عصيبة في ظل استمرار هذه الحرب، وقد يبتعد الكثير من البنوك من التعامل معه وهذا هو الخطر الأكبر الآن على النظام المصرفي. خصوصا وأنها ستؤثر على صادراته من الذهب بشكل مباشر، التي تشكل حوالي 50 بالمئة منها.
و أفقد خروج مطار الخرطوم من الخدمة، والذي عطل نسبة 5 في المئة من إجمالي الصادرات والواردات السودانية البالغة في مجملها 15 مليار دولار، الخزينة صادرات الذهب التي تعادل 50 في المئة من الصادرات بقيمة ملياري دولار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى