شوف تشوف

الرأي

صفارة في إجازة

حسن البصري

مقالات ذات صلة

 

أطلقت جمعية حكام عصبة الدار البيضاء الكبرى لكرة القدم، النسخة الثانية لحملة «من أجل شتاء دافئ»، في إطار سلسلة من البرامج الاجتماعية التي دأبت على تنظيمها خلال السنوات الأخيرة. وضع الحكام صفاراتهم وراياتهم جانبا وشرعوا في جمع الملابس الشتوية بغاية تدفئة أطراف ساكنة العديد من دواوير المغرب العميق.

تغيرت نظرتنا للحكم وأصبحنا أمام فاعل خير يتبرع من تلقاء نفسه بما ملكت يداه، دون أن ينتظر تعليمات مديرية التحكيم، في زمن يرفض المحسن ذكر اسمه الكامل ويكتفي بصورته وتصريح تتناقله مواقع تملك حقوق النقل الحصري للقاء الخير والإحسان.

بعض الحكام أشبه بمحمود المليجي الشرير في الفن وكنز الخير في الحياة، لذا تستنفر الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ومؤسسة محمد السادس للأبطال الرياضيين أجهزتهما لمساعدة حكم في وضعية صعبة، كما فعلت مشكورة مع أكثر من حكم اعتزل الصفير بعد أن استبد به الزفير.

بالأمس كان أغلب حكام مباريات الدوري المغربي من سلك القضاء والأمن، واليوم يقف حكامنا بعد كل مباراة في قفص الاتهام لتبرير الصفير دون الحاجة لأداء القسم.

ليس الحكم هو ذاك الكائن الذي يفصل بين فريقين بتقاسيم صارمة، وحين يطلق صافرة النهاية يحفه رجال الأمن ويحرسونه من غارة محتملة للفريق المهزوم.

الحكم فاعل خير أيضا حين تتوقف مباريات البطولة وتفرج الجامعة عن تعويضاته، ويسمح له بإجازة قصيرة، فحكامنا، على قلتهم وضآلة ذات اليد، يميلون لفعل الخير، في ملاعبنا نبيل وكريم وحكيم وعادل ومنصف وسمير ورضوان وكشاف وحدقة عين تراقب الرايات والصفارات.

للحكام دستورهم الصارم وعالمهم المليء بالمفارقات العجيبة. لا يملك الحكم جمهورا يسانده فالجمهور الحاضر يساند الفريقين المتباريين فقط، لا ممرض يسعفه إذا داهمته وعكة، وإذا أخطأ الحكم يعاقب سرا بالإعفاء من الصفير، في ما يشبه الحصانة، بينما توقيف اللاعب والمدرب علني تتناقله مواقع التواصل الاجتماعي «أبا عن خد».

الحكام في بلدي يقودون مباريات احترافية ويفصلون بين لاعبين بمخصصات مالية خيالية وعقود تعاني من السمنة المالية، لكن قضاة الملاعب بلا عقود ولا مستشهرين ولا رعاة إلا دعوات الوالدين.

لا يقترب منهم الصحافيون، ومن شدة تكتمهم يعتقد الناس أن حاسة النطق عندهم صفير وإشارات، ليسوا ملزمين بالإدلاء بآرائهم حتى ولو ضربوا الأخماس بالأسداس، أو صنعوا قرارا قابلا للتفجير وجربوه في اللاعبين.

ولأنهم الأوصياء على فرجة بدون هرج، فقد تقرر إسقاط مهنة «محلل تحكيمي» من جدول مهن القطاع السمعي البصري، وتسريح ما تبقى من محللين والاكتفاء بعين «تقنية الفار» التي تنام.

لا شك أن المباريات ستبدو أكثر فوضى، وأقرب ما تكون إلى مصارعة حرة، لولا البطاقات الصفراء والحمراء التي تعاقب اللاعبين والمدربين على قدر أخطائهم، وتتدرج بين الإنذار والطرد، لتصل إلى الحرمان من اللعب.

لقد استلهم الحكم الإنكليزي كين أستون فكرة البطاقات الملونة خلال قيادته لسيارته حين توقف أمام الإشارات الضوئية، قال في قرارة نفسه «سوف يتوقف التاريخ طويلا بسبب زحمة المرور»، وتبين له أن اللون الأصفر للتنبيه والأحمر للوقوف فقرر عرض الفكرة على أولي أمره ونال براءة الاختراع.

وباسم السلطة التقديرية يختار الألوان ويدون المخالفات في محضر صغير يسع بالكاد جيب سترته، وتمنح له صلاحية معاقبة اللاعب أو يطلب من يافع إحضار ولي أمره.

حين كنت طفلا أتسلل إلى الملعب الشرفي وملعب الأب جيكو وملعب الحفرة ابتغاء فرجة مجانية، كانت لازمة «ألاربيط أمسخوط الوالدين» تملأ الفضاء، اعتقدت حينها أن الحكم، الذي كان يرتدي بذلة سوداء قبل أن يتغير لونها، شخص متابع بذنب اقترفه، وظننت أن حامل الصفارة رجل عاق، وتساءلت لماذا لا يبر هذا الكائن بوالديه؟

مع مرور الوقت تبين أن المسافة بين الحكم والشارة الدولية بضعة أمتار سيرا على «الأقلام».

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى