شوف تشوف

الرأي

في حضن الصين

مروان قبلان
صادقت الحكومة الإيرانية، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، على اتفاقية «شراكة استراتيجية» مدتها 25 عاما مع الصين. وبذلك تكون إيران قد خطت خطوتها الأخيرة نحو قطيعة كاملة مع الغرب، واختارت لنفسها موقعا بين أصدقائها في المعسكر الذي تتأهب الصين لقيادته، إلى جانب كوريا الشمالية وميانمار وفنزويلا، مع عودة التنافس بين القوى الكبرى في النظام الدولي. إيران تتفاوض مع الصين، منذ مدة حول هذه الاتفاقية التي اقترحها الرئيس الصيني، شي جين بينغ، خلال زيارته طهران عام 2016. وكان مفترضا أن يتم الإعلان عنها، قبل أن يضرب وباء كورونا أواخر العام الماضي، لكن اعتراضات من داخل النظام الإيراني حالت دون ذلك. وكانت تسريبات ظهرت بوسائل الإعلام أشارت إلى بعض بنود الاتفاقية، وينص أحدها على أن تضخ الصين استثمارات بقيمة 400 مليار دولار في الاقتصاد الإيراني على مدار ربع قرن، تستهدف قطاع النفط والغاز خصوصا، ولكن الصين اشترطت أن تحمي هي بنفسها استثماراتها من خلال إرسال قوة عسكرية قوامها خمسة آلاف رجل يتركزون حول منشآت النفط والغاز الإيرانية، لكن تحفظات داخل النظام الإيراني على هذا البند حالت دون توقيع الاتفاقية.
قررت إيران، على ما يبدو، الآن أن تمضي في توقيع الاتفاقية وتعني، في حال صادق عليها البرلمان الإيراني، ارتهان إيران بالكامل للصين، لا بل اعتبر الرئيس السابق، أحمدي نجاد، الاتفاقية التي تتضمن بنودا سرية برأيه، بمثابة بيع إيران إلى الصين في لحظة ضعف، إذ لن يبقى قطاع اقتصادي خارج متناول الشركات الصينية، من الاتصالات إلى الموانئ والطاقة والبنوك والسكك الحديدية. وفي مقابل هذه الاستثمارات، سوف تحصل الصين على النفط والغاز الإيراني، بحيث تغدو إيران حرفيا «محطة وقود صينية». ولتنفيذ الجزء المتعلق بها في الاتفاق، سوف تضاعف إيران طاقتها الإنتاجية من النفط من 4 ملايين إلى 8 ملايين برميل يوميا، تم بموجب الاتفاق بيعها بالكامل إلى الصين لمدة ربع قرن. وسوف تقوم الصين أيضا بتطوير حقل غاز بارس الجنوبي، الذي تتشاركه إيران مع قطر، وكذلك حقول نفط عبادان بالقرب من شط العرب، فضلا عن استثمار الجزر الإيرانية في قشم ورستم وتطويرها.
هذا يعني أن الصين دخلت منطقة الخليج من أوسع أبوابها، وهي خطوة ستكون لها تداعيات كبيرة على الأمن الإقليمي والعالمي والنظام الدولي، علما أن الولايات المتحدة جعلت دخول المنطقة حراما على أي قوة دولية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. أحد أكثر المشروعات التي تثير الأمريكيين في الاتفاقية، هو تعهد إيران استثمار ميناء جاسك على بحر عُمان للصينيين. وهذا يعني أن الصين سوف تتحكم، بموجب ذلك، بمدخل الخليج الذي يقع فيه مقر الأسطول الخامس الأمريكي، وحيث يعبر 20 في المائة من نفط العالم إلى الأسواق. وسوف ينضم جاسك بذلك إلى سلسلة الموانئ التي أنشأتها الصين، بموجب استراتيجية أطلقت عليها اسم «عقد اللؤلؤ»، وجعلتها بمثابة محطات تجارية (وعسكرية ربما) تمتد من بحر الصين الجنوبي وصولا إلى البحر الأحمر، وصولا إلى جيبوتي التي أنشأت فيها الصين قاعدة عسكرية عام 2015.
بالنسبة إلى إيران، يتوقع أن تؤجج الاتفاقية التنافس الدولي عليها، وقد تعيدها، كما كانت خلال القرن التاسع عشر وحتى الحرب العالمية الثانية، مسرحا للصراع بين القوى الكبرى (بريطانيا وروسيا في ذلك الوقت). قد تكون إيران، بمحاولتها الهروب من العزلة والعقوبات الأمريكية، أوجدت لنفسها مشكلة أكبر، فاتفاقية الشراكة مع الصين ليست حدثا عاديا، ولا قضية ثنائية بين بلدين، بل تؤشر إلى تغير كبير في خريطة التحالفات الدولية، وموازين القوى في مثلث أمريكا – الصين – روسيا، وهذا أمر لن تسكت عنه واشنطن، وموسكو، ولا نيودلهي أيضا، لتغدو حينها إيران كالمستجير من الرمضاء بالحضن الصيني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى