شوف تشوف

الرأيالرئيسيةثقافة وفن

لماذا العالم بشعٌ إلى هذا الحد؟

 

مقالات ذات صلة

 

سعيد الباز

 

نعم، لماذا هو بشعٌ إلى حد لا يطاق؟

هل في ذلك حكمة ما، قد لا ندرك معناها وفحواها؟ من يستطيع أن يشرح كل المآسي الإنسانية التي صحبت الإنسان على مدار التاريخ، أكثر الكائنات تشدقا بقيم العدل والإنصاف، وأكثر الكائنات التي ملأت رفوف مكتباتها بملايين المصنفات في القوانين والدساتير والشرائع… وفي الوقت ذاته، الكائن الذي لا يمر عليه عقد من الزمن إلا وهفت نفسه إلى دماء الحروب ودمار الشعوب وخراب النفوس والأمكنة. لقد اخترع الإنسان علما سبق غيره من العلوم، وهو علم التاريخ، ليس فقط لتسجيل مآثره وحفظها، بل ليحتفي بحروبه الدموية والمميتة، ومدى ما ألحقه من دمار بغيره ممن يشاركه صفته الإنسانية. قد تكثر الأسباب وتتعدد، منها ما يدخل في دائرة المعقول والمنطقي أو الموضوعي، لكن في أكثرها تعود إلى بواعث هي أقرب إلى الصدف، أو ما يعبر عنه الفيلسوف هيغل في مثاليته المطلقة بمكر التاريخ. ألا يكون ذلك، فعلا مجرد مكر وصدف عبثية سببها الحقيقي أن هناك منسوبا معينا من العنف لدى الإنسان لا يجد له تنفيسا سوى في الحروب المدمرة. من يذكر اليوم هولاكو وتيمورلنك الأعرج أو جنكيز خان، وأين المغول وجحافل التتار الزاحفة عبر المعمور، وقبائل الفايكنغ التي ملأت أصقاع أوروبا بمذابحها المروعة، والقوط وأبناء عمهم الوندال الذين أشاعوا النهب والسلب وارتكاب المجازر من أوروبا إلى شمال إفريقيا… كلهم ذابوا في الشعوب التي نكلوا بها وأوسعوا فيها القتل والتنكيل، وبعد أن أفرغوا ما في منسوبهم من العنف والتعطش إلى الدماء استكانوا ورضخوا إلى طبيعة أخرى في الإنسان غابت عن وعيه، لفرط ما استشاطت في أعماقه غرائزه الدفينة الميالة إلى العنف والدمار. كلنا تعلمنا في المدارس حرب البسوس وحرب داحس والغبراء، وكم ضحكنا لتفاهة هاتين الحربين وأسبابهما، الأولى بسبب ناقة والثانية بسبب سباق مغشوش بين الفرسين داحس والغبراء، انتهت إلى حروب دامت أربعين سنة. كم أعجبنا كثيرا الشاعر عنترة بن شداد بطل حرب داحس والغبراء، وعمرو بن كلثوم في مبالغاته الصارخة في الأيام الأخيرة لحرب البسوس. لكن في المقابل، لم نلق بالا إلى الشاعر زهير بن أبي سُلمى إلى دعوته إلى السلام وذمّ الحروب، رغم حكمة الرجل وخبرته في الحياة والطبيعة الإنسانية.

رغم أن دعاة السلام في مختلف الحقب التاريخية لم يكفوا يوما عن المناداة بوقف الحروب العبثية والنزاعات المفتعلة التي تجعل العالم يزداد بشاعة وتضعه في كل مرة أمام محك وجودي عصيب، ورغم أن الإنسان قد خاض حربين كونيتين، دمر فيهما كل مكتسباته، وقبل ذلك قام بحروب استعمارية في كل القارات تقريبا، ما زالت ذيولها حاضرة خاصة في البلدان المُسْتعمرة، ورغم إنشائه لمنظمات دولية وإقليمية غايتها حفظ السلام وإحلال الأمن في كل ربوع العالم. فإن عدد الحروب والنزاعات الإقليمية والدولية ما زال يتكاثر ويستفحل بسبب التواطؤ أحيانا، وأحيانا أخرى تغييب الضمير الإنساني والنزاهة الأخلاقية، واستخدام المعايير العادلة في مواجهة الصراعات والأزمات التي لا يمكن بتاتا تجاهلها.

وحتى لا يصبح عالمنا أكثر بشاعة، وحتى أن يستحضر الإنسان دوما ضميره الأخلاقي خلال الحروب والأزمات المرتبطة بها، لا ننسى ما توصلت إليه التجارب الإنسانية مثل الاستراتيجي العسكري القديم الصيني «صن تزو»، في كتابه الشهير «فن الحرب»، الذي يؤكد على أولوية السلم على الحرب في قوله: «أن تكسب مائة معركة ليس ذروة المهارة، أن تُخضع العدو دون قتال هو ذروة المهارة». وفي جانب آخر الحرب ليست مسألة عسكرية فقط، بل تقتضي حكمة وضوابط كما قال رجل الدولة الفرنسي جورج كليمنصو: «الحرب عملية جادة لدرجة لا تسمح بتركها للعسكريين فقط». ذلك لأن في السلم الأبناء يدفنون الآباء، وفي الحرب الآباء يدفنون الأبناء.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى