حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسية

تقشف إعلامي

 

أحمد مصطفى

 

مع نهاية العام، يقوم الكل بما يشبه «الجردة» لأداء السنة كلها ووضع الاستراتيجيات للعام الجديد. وإذا كان العالم يركز على الحرب بأوكرانيا وما حولها من اضطراب أسواق الطاقة والصدمة التي حدثت في أسعار الغذاء حول العالم وغير ذلك، فإن جوانب أخرى كثيرة من نشاط البشر شهدت تطورات هذا العام لا تقل أهمية.

من بين القطاعات التي أثرت وتأثرت بما جرى في العالم بشكل كبير قطاع الإعلام وذلك بمعناه الواسع، خاصة لدى المستثمرين. فلا يقتصر وصف «الإعلام» على الصحافة ومنافذ الأخبار، بل يشمل أيضا منافذ الترفيه والإنتاج الفني من أفلام وغيرها، والبث بوسائطه المختلفة عبر الإنترنت أو بواسطة الكيبل، وأيضا شركات إنتاج الإعلانات.

في تحليل لأرقام السوق على مدار العام، ذكرت صحيفة «الفاينانشال تايمز» أن مجموعات الإعلام الكبرى في الولايات المتحدة خسرت ما يصل إلى نصف تريليون دولار من قيمتها السوقية هذا العام. على سبيل المثال، هوت أسهم «والت ديزني» بما يقارب نصف قيمتها في أسوأ هبوط سنوي، منذ نصف قرن. أما «وارنر براذرز ديسكفري» فهبطت أسهمها بأكثر من ستين في المائة، بينما فقدت أسهم «نتفلكس» أكثر من نصف قيمتها، وهبطت أسهم «باراماونت غلوبال» بما يزيد على أربعين في المائة.

يرجع ذلك إلى الأوضاع الاقتصادية العالمية المتدهورة هذا العام. وزادت من الخسارة شدة المنافسة، في وقت تراجع فيه الإنفاق الجماهيري على استهلاك خدمات الإعلام، نتيجة زيادة كلفة المعيشة وضبابية المستقبل الاقتصادي بشكل عام. بالإضافة إلى تراجع الإنفاق على الإعلانات في ظل تقشف عام لدى الجميع.

استفادت شركات القطاع من فترة الإغلاقات، خلال أزمة وباء كورونا، لكن خسائر هذا العام ربما بددت ذلك الأداء الجيد، قبل عامين تماما. ويتوقع أن يستمر التقشف في قطاع الإعلام في العام القادم وربما ما بعده، في ظل تراجع الاشتراكات وزيادة كلفة الإنتاج.

لم تقتصر الخسائر على مجموعات الإعلام الكبرى التي تنتج الأفلام وغيرها من المحتوى عالي الكلفة، بل إن الشبكات الإخبارية عانت أيضا بشدة هذا العام بعدما كانت في الأغلب مصدر دخل رئيسي من عائدات الإعلانات. وخسرت أسهم أغلب شبكات الكيبل الأمريكية بشكل كبير في 2022. وليس في أمريكا فقط، بل في غيرها أيضا، فعلى سبيل المثال هوت أسهم «آي تي في» البريطانية بأكثر من خمسة وثلاثين في المائة هذا العام.

صحيح أن العوامل الاقتصادية وتأثر السوق بها كان لها الدور الرئيسي في تلك الخسائر، لكن هناك أيضا عوامل ذاتية تتعلق بالقطاع وأيضا في ما يخص جانب الصحافة والشبكات فيه. فرغم أن الحروب والأحداث الكبرى غالبا ما تكون فرصة للشبكات ووسائل الإعلام لتحقيق نسب مشاهدة عالية، وبالتالي زيادة العائدات من الإعلانات، إلا أن الحرب في أوكرانيا وتغطيتها لم تحقق ذلك.

حتى الحظر الذي فرضه الغرب على وسائل الإعلام الروسية، والذي كان من المفترض أن يزيد نسب المشاهدة للمنافذ الغربية لم يفلح في تحسين وضع القطاع. وإذا كانت مجموعات الإعلام في السابق ألقت باللوم على انتشار مواقع التواصل، باعتباره سببا في تآكل جماهيريتها وبالتالي تراجع عائدتها، فإن شركات مواقع التواصل لم تسلم أيضا من هبوط قيمتها السوقية هذا العام، بسبب انهيار عائدات الإعلانات والهبوط الشديد في نمو أعداد متابعيها.

بدأت شركات الإعلام الكبرى بالفعل في إجراءات تقشف في محاولة لضبط دفاترها، إلى حين تعديل استراتيجياتها في ضوء الأوضاع الاقتصادية الجديدة، بهدف الحفاظ على استمرارها على الأقل. لكن إلى أي حد قد يصل هذا التقشف الإعلامي؟

كل ما سبق يتعلق بشركات الإعلام التي تعتمد نموذج أعمال «كما الكتاب» إلى حد كبير. وإذا كان ذلك النموذج مبني على قواعد تجارية تقليدية في حدها الأدنى، مع تباينات تخص كل مجموعة وشركة استنادا إلى طريقة إدارتها وكفاءات مديريها، فالتقدير أن بعض المنافذ الإعلامية التي تستهدف التأثير أكثر من الربح والخسارة ربما تكون أقل تأثرا.

لكن هذا العام شهد أيضا تراجعا عاما في تلك المنافذ، أيضا للأسباب الاقتصادية العامة وإنما الأهم لأن مقياس أدائها، أي التأثير، تراجع أيضا. يعود جزء من هذا التراجع إلى الاعتماد أكثر على التطور التكنولوجي، وكأنه هدف في حد ذاته دون اهتمام بالمحتوى بالقدر الكافي. ولأن قطاع التكنولوجيا ككل يشهد منذ العام الماضي تراجعا واضحا، على الأقل كما يؤكد الهبوط في مؤشرات الأسهم التي تضم تلك الشركات، فقد امتد التراجع إلى كل جوانب الإعلام. وبالتالي بدأت تلك المنافذ غير التجارية أيضا تقشفا واضحا، لأن العائد على الاستثمار فيها لا يتحقق، سواء كان ذلك ماليا في كشوف حساباتها أو تأثيرا في الجمهور المستهدف.

رغم ما يبدو من صورة قاتمة لمستقبل قطاع الإعلام في ظل الضغط الاقتصادي والتقشف، فإن الحكمة التقليدية للاستثمار بشكل عام هي أن تبدأ في وقت الركود كي تعظم مكاسبك ما إن تبدأ دورة النمو. وهكذا قد تكون تلك بداية موجة جديدة للنمو الإعلامي، وإن بأشكال مختلفة.

نافذة:

بدأت شركات الإعلام الكبرى بالفعل في إجراءات تقشف في محاولة لضبط دفاترها إلى حين تعديل استراتيجياتها في ضوء الأوضاع الاقتصادية الجديدة

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى