حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأي

مشروع تقسيمي للعراق

عبد الباري عطوان
لا نعرف ما هي القاعدة التي استند إليها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مؤتمره الصحافي الذي عقده في منتدى «دافوس»، بعد لقائه مع نظيره العراقي برهم صالح، عندما وصف العلاقات الأمريكية العراقية بأنها «في أفضل حال»، فالرئيس ترامب علاوة على كونه كاذبا محترفا، يهين الشعب العراقي باستخدام هذا «التوصيف» وهو الذي أصدر الأوامر باغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس وزُملائهما على أرض عراقية في استفزاز غير مسبوق، وما أثارته من غضب في صفوف أكثر من 25 مليون عراقي.
لقاء الرئيس برهم صالح مع الرئيس الأمريكي كان خطأ، خاصة في ظل حالة التوتر المتصاعدة بين البلدين على أرضية هذه الجريمة، مضافًا إلى ذلك أن منصب الرئيس في العراق، وبمقتضى الدستور الذي هو صياغة أمريكية، شرفي، بروتوكولي، لا يمنح صاحبه التعدي على صلاحيات رئيس الوزراء، وبحث قضايا سياسية مع أي مسؤول خارجي، حتى لو كان رئيس الولايات المتحدة، ومن عارضوا عقد هذا اللقاء يملكون حجة دستورية وأخلاقية قوية جدا في هذا المضمار.
ربما يفيد التذكير بأن الرئيس ترامب تعمد إهانة الدولة العراقية أكثر من مرة، ووجه إلى قيادتها صفعات مؤلمة، عندما زار قاعدة «عين الأسد» غرب العراق سرا العام الماضي للاحتفال مع الجنود الأمريكيين فيها بعيد الشكر، ودون أن يأخذ إذنا، أو حتى يخطر هؤلاء بِمن فيهم السيد صالح بموعد زيارته، وأكثر من ذلك أنه رش المزيد من الملح على جرح الإهانة عندما استدعاه، وزميله عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء للقائه على عجل في القاعدة نفسها، وكأنها تقام على أراض أمريكية وليست عراقية.
الرئيس ترامب تعمد لقاء السيد صالح على هامش اجتماعات منتدى دافوس، وعقد مؤتمر صحافي معه، للتأكيد على أن اللقاء ليس «بروتوكوليا»، وإنما بين حليفين لصيقين، يرتبطان بمشروع تعاون استراتيجي في العراق، ولا نستبعد أن يكون عنوانه الأبرز هو «التقسيم» على أسس عرقية وطائفية، فاللقاءات البروتوكولية لا تبحث قضايا جوهرية مع رئيس بلا صلاحيات دستورية مثل استمرار التعاون العسكري الأمريكي العِراقي، وكان الأحرى بالرئيس صالح، وفي ظل ظروف العراق الحالية، ودماء الشهداء، العراقيين التي لم تجف، أن يعتذر عن عدم حضور هذا اللقاء من الأساس حرصا على الوحدة الوطنية العراقية، اللهم إلا إذا كان السيد صالح يمثل دولة أخرى غير العراق.
هناك قرار واضح وصريح صدر عن البرلمان العراقي «يُجرمُ» أي تعاون عسكري مع الولايات المتحدة، وينص صراحة على طرد جميع القوات الأمريكية (5200 جندي) وإغلاق القواعد العسكرية التي يقيمون فيها (18 قاعدة)، وأي اتفاق بين الرئيسين صالح وترامب على مواصلة التعاون العسكري هو انتهاك لهذا القرار البرلماني، وتحد للدولة العراقية.
الأشقّاء الأكراد يصرون، أو قيادتهم، في ما يبدو على عدم الاستفادة من تجارب الخذلان الأمريكية السابقة، وما أكثرها، والوقوع في الخطأ، بل الخطيئة نفسها، والتجاوب بسرعة مع أي مشروع أمريكي لتقسيم العراق أو سوريا وتفتيتهما.
الغالبية العظمى من الشعب العراقي تعارض الوجود العسكري الأمريكي في العراق، وتقف خلف طلب رئيس وزرائها بإنهاء هذا الوجود فَورا، وإذا لم يتم الالتزام بهذا الطلب، وهو المرجح، فإن المقاومة العراقية ستبدأ، إن لم تكن قد بدأت بالفعل، ولعل إطلاق ثلاثة صواريخ على محيط السفارة الأمريكية في بغداد قبل يومين هو إنذار مهم يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار.
المقاومة العراقية هزمت أمريكا وقائد قواتها ديفيد بترايوس وصحواته، وأجبرت القوات الأمريكية على الانسحاب مهزومة من أرض العراق مع نهاية عام 2011 تقليصا للخسائر، ونحن على ثقة بأن هذه السابقة ستتكرر، وسنرى الرئيس ترامب مهزوما على أرضِ العراق.
نتمنى من الرئيس برهم صالح أن يقرأ فصول تاريخ المقاومة العراقية جيدا وبتمعن، وكذلك ما تيسر من تجارب الشعب الكردي المريرة مع الخذلانين الأمريكي والإسرائيلي، ولعله يدرك حجم الخطيئة التي ارتكبها عندما التقى الرئيس الأمريكي في دافوس تحديا لمشاعر أشقائه العراقيين، شركائه في الحكم والدولة.
العراق الجديد الحقيقي سينهض على أنقاض القواعد الأمريكية، وسيجب كل ما قبله، ومن يقول غير ذلك لا يعرف الأشقاء العراقيين، ولا يعرف الأمريكيين وهزائمهم أيضا.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى