شوف تشوف

الافتتاحية

ضربني وبكا

مضت أكثر من سبع سنوات عجاف على تسلم حزب العدالة والتنمية لمفاتيح الحكومة والبرلمان، ومع ذلك لا يزال الحزب غير قادر على استيعاب مشروعية الانتقادات الحادة التي توجه له بسبب ازدواجية خطابه وتحوله إلى حرباء تتلون بلون المكان الذي توجد به لحماية نفسها تجاه حالات الضبط التي تسجلها الصحافة المستقلة والرأي العام بسبب انزياحات قادة حزب العدالة والتنمية.
لكن الحزب الحاكم يحاول دائما إنكار الواقع، ويرتمي في أحضان خطاب المظلومية الذي يجعل منه ضحية المؤامرات والدسائس والتشويش، ويسمح له بتأجيل المشاكل الداخلية ومطالبة أعضائه بالتماسك وضرورة الصمود تجاه المشوشين والمبخسين والخصوم. لكن أي صمود في مواجهة مطالب عادلة وانتقادات معقولة لتجربة حكومية وحزب حاكم فشل حتى في إنجاز الفشل؟
والحقيقة أن خطاب المظلومية للحزب الحاكم لا يصمد أمام الحقائق التي تقول إن حملات الانتقاد والمساءلة تسببت فيها بعض السلوكات المراهقة لأعضائه. فليس الخصوم من فرضوا على ماء العينين التبرؤ من حجابها في باريس وارتداءه في قبة البرلمان، وليس الأعداء من أجبروا يتيم على زواج الفاتحة والتجول مع خطيبته دون عقد قانوني على جادة الشانزيليزي، وليس الماكرون من دفعوا شوباني إلى الطمع في امرأة متزوجة والتسبب في طلاقها، وليس المتربصون من دفعوا باعمر لممارسة الجنس في سيارة مع داعية الحركة فاطمة النجار، فكل تلك الفضائح وغيرها هي بما صنعت أيديهم وليست قدرا لا راد له دبره الخصوم بليل.
ما يدعيه حزب العدالة والتنمية، خلال كل تجمع وطني، وآخره اجتماع مجلسه الوطني نهاية الأسبوع، من مظلومية وحتمية الصمود والتعايش مع المحنة والمقاومة ضد الخصوم، هو عملية دعائية ساذجة. فعن أي خصوم يتحدث بنكيران والعثماني، والجميع يعلم أن المأساة الحقيقية التي يعاني منها المشهد السياسي تحديدا هي الفراغ وغياب المنافسين. والمتفرج على اللعبة السياسية يدرك أن حزب العدالة والتنمية لا يواجهه أي خصوم سياسيين حقيقيين، وأن قوته تكمن في ضعف خصومه. فحزب الأصالة والمعاصرة منشغل بحروبه الداخلية التي لا تنتهي، وحزب الاستقلال يمارس معارضة الصالونات والأرقام كأنه مؤسسة دستورية همها نشر المعلومة وتقديم الاستشارة، ورفاق بقايا يسار الكافيار تائهون مازالوا يبحثون عن خطاب مغرٍ يقنعون به الناخبين.
لذلك، لم يتبق لحزب العدالة والتنمية من خصم حقيقي ومقلق سوى الصحافة المستقلة التي لم يستطع الحزب إرشاءها كما فعل مع عدد كبير من المنابر والمواقع الإعلامية التي تتملق له خوفا وطمعا في الحصول على صفحات إعلانات الوزارات والجماعات التي يدبرها قادة «المصباح».
والغريب في خطاب «ضربني وبكى وسبقني وشكى»، الذي يروجه العثماني ومن معه، أن إسلاميي المؤسسات يدركون أن المجال السياسي في جوهره مجال صراع ليس مجاملات، وأن من حق الخصوم التربص بأخطاء الحزب الحاكم وإحراجه، واستغلال كل فرصة للإطاحة به وإظهار تناقضاته وازدواجيته. لذلك، فإن خطاب المظلومية وأدب المحنة الذي يسوقه الإسلاميون لن يؤثر في أي عاقل ولن يجلب لهم التعاطف المطلوب، ولن يحميهم من المساءلة ولن ينقذ تجربتهم من الفشل. فلا سبيل أمامهم سوى القبول بمحاسبة الرأي العام والخضوع لرقابة الصحافة المستقلة، ولن يستفيدوا من محاولاتهم المكشوفة لكسب الوقت والتعاطف ببكاء التماسيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى