قم بتنزيل تطبيق الأخبار بريس: App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

أخيرا، بادرة أمل للصحراويين

خوسيه بونو

وزير الدفاع الإسباني السابق

 

في هذا السياق، يجدر التوقف عند المبادرة التي قام بها الملك محمد السادس في خطابه الأخير، حيث مد يده إلى الرئيس الجزائري في نداءٍ أخوي يدعو إلى فتح صفحة جديدة من التفاهم بين البلدين، برؤية رجل دولة وبأسلوب دبلوماسي رفيع المستوى. إن هذا التصرف، الذي يحمل رمزية عميقة، يُجسد رُقي ونضج الدبلوماسية الملكية المغربية؛ دبلوماسية تقوم لا على المواجهة، بل على الحوار والتعاون وبناء مستقبل مشترك.

لأول مرة منذ عقود، صدر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرار يقدم مخرجًا واقعيًا للنزاع الطويل حول الصحراء “الغربية” . فقد اعترف المجلس بأن المبادرة المغربية للحكم الذاتي – التي قُدمت عام 2007 – تمثل الأساس الأكثر جدية ومصداقية واستدامة لحل سياسي. وبذلك، تكون الأمم المتحدة قد خطت خطوة حاسمة. وكما أكد الملك محمد السادس، فإن هذا القرار يشكل نقطة تحول مفصلية، ليس فقط في الخطاب الدبلوماسي، بل أيضًا في بعث الأمل في نفوس شعب منقسم ومنسي منذ نصف قرن.

على مدى خمسين عامًا، عاش الصحراويون بين أرضهم والمنفى: بعضهم اندمج في مسار التنمية داخل المملكة المغربية، والبعض الآخر ظل عالقًا في مخيمات تندوف بالجزائر، يعاني قسوة الصحراء والاعتماد الكامل على المساعدات والصمت الدولي. وغالبًا ما تحول ملف الصحراء إلى شعار سياسي، لكنه نادرًا ما كان قضية تُستمع إليها بصدق. تعددت القرارات الأممية، غير أن حياة الصحراويين لم تتغير كثيرًا. فبعيدًا عن الجدل حول السيادة، تظل الأولوية إنهاء معاناة الإنسان الصحراوي. إذ يعتمد معظم اللاجئين الصحراويين على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة. ووفقًا لتقارير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في أبريل 2020، وتقرير مكتب مكافحة الغش الأوروبي (OLAF) الصادر عام 2007، فإن 7.6 في المائة من اللاجئين يعانون من سوء تغذية حاد، و28 في المائة يعانون من تأخر في النمو، ونصف الأطفال مصابون بفقر الدم، بينما تبلغ نسبة فقر الدم لدى النساء في سن الإنجاب 52 في المائة، ولا يتجاوز عدد من يصلون إلى الجامعة 1 في المائة فقط.

تتناوب الأجيال داخل دوامة الفقر وغياب الفرص والانفصال الأسري. ولا يوجد انتصار أنبل من ذاك الذي يُعيد الأمل إلى من فقده.

أما الاستفتاء الذي وُعد به قبل ثلاثين عامًا فقد ثبت أنه غير قابل للتحقيق. فواقع اليوم والمنطق الزمني فرضا نهجًا آخر: نهج الحوار والتسوية والحكمة. وقد أقر مجلس الأمن بذلك صراحة: لا سلام بدون تفاوض، ولا عدالة بدون حلول واقعية. وفي هذا الإطار، يبرز خيار الحكم الذاتي باعتباره السبيل الوحيد القادر على تحقيق الاستقرار والكرامة والمستقبل. مزيد من الحلول وأقل من القرارات، هذا ما ينبغي أن يكون شعار المرحلة.

إن الجهود التي يبذلها المغرب لتطوير الأقاليم الصحراوية واضحة للعيان، ومن العدل الاعتراف بها. وخلال زياراتي إلى المنطقة، شاهدت بنفسي كيف أصبحت مدن مثل العيون والداخلة اليوم مزودة ببنية تحتية حديثة، وجامعات، وموانئ، وحياة اقتصادية نشطة. إنها مراكز للتنمية تُعطي مضمونًا واقعيًا لمشروع الحكم الذاتي، وتبرهن على أنه ليس وعدًا نظريًا، بل مشروعًا فعليًا يتجسد على الأرض.

يقترح المخطط المغربي للحكم الذاتي تمكين الصحراويين من انتخاب برلمانهم ورئيسهم، وتولي إدارة مواردهم الطبيعية، ومجالات التعليم والصحة والسكن والتشغيل والثقافة. ونحن في إسبانيا نعرف جيدًا معنى الحكم الذاتي: إنه شكل من أشكال الحكم الذاتي داخل سيادة واحدة، يجمع بين الحرية والخصوصية. وقد أثبت نموذجنا اللامركزي، على مدى سنوات، أنه ساهم في تحسين حياة المواطنين الإسبان. وما يقترحه المغرب اليوم للصحراء ينسجم مع هذا المنطق نفسه القائم على التكامل والتعايش.

إن القرار الأممي الذي صُودق عليه بالأمس يضع إسبانيا أمام مسؤولية أخلاقية وسياسية. فباعتبارها صاحبة ارتباط تاريخي وجغرافي وإنساني بالقضية، لا يمكنها أن تبقى على الهامش. يمكن لتجربة الحكم الذاتي الإسبانية أن تلهم نموذجًا مشابهًا للحكم الذاتي الصحراوي ضمن السيادة المغربية. فالقضية لم تعد بين الاستقلال أو الخضوع، بل بين استمرار الجمود أو بداية حياة كريمة لآلاف البشر؛ بين الانقسام أو المصالحة.

صحيح أنه لا يوجد بلد مثالي بنسبة مئة في المئة، لكن المغرب أثبت أنه دولة مستقرة، بحكومات منتخبة ديمقراطيًا، وهو من أكثر الدول العربية تقدمًا واعتدالًا، بعيدًا عن التطرفات الجهادية. ومن بين الدول الـ22 الأعضاء في جامعة الدول العربية، فإن إسبانيا تملك أفضل جيرانها في المغرب. ومن ينكر هذه الحقيقة عليه أن يقدم بديلاً أفضل.

عندما اندلع ما سُمي “الربيع العربي”، لجأت دول كثيرة – لا تزال ذكراها حية – إلى العنف والجيش لقمع الاحتجاجات، بينما اختار المغرب طريق صناديق الاقتراع واعتماد دستور جديد. وهو اليوم شريك أساسي لأوروبا، ولإسبانيا خصوصًا، في مجالات الأمن والتجارة والهجرة. فبلدانا بحاجة إلى بعضهما البعض، إذ يجمعهما التاريخ والمصير والمصالح المشتركة. ازدهارنا واستقرارنا مترابطان.

إن قرار الأمم المتحدة الأخير يفتح بابًا ظل مغلقًا طويلًا. ويبقى على الأطراف – المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر – أن تعبره بحسن نية. وعلى إسبانيا وأوروبا أن ترافق هذا المسار بمسؤولية والتزام، إدراكًا بأن استقرار المنطقة وتقدم المغرب العربي يعتمدان إلى حد كبير على التوصل إلى حل نهائي لهذا النزاع الممتد.

وفي هذا السياق، لا بد من التأكيد مرة أخرى على مبادرة الملك محمد السادس، الذي مد يده للرئيس الجزائري في خطوة شجاعة تدعو إلى بناء مرحلة جديدة من التفاهم بين البلدين، بروح من الأخوة والاحترام المتبادل. إنه موقف يجسد نضج الدبلوماسية المغربية التي تؤمن بالحوار والتعاون بدل الصدام.

لقد أثبت المغرب بالفعل – لا بالوعود فقط – التزامه بالسلام والتنمية، ليس في الصحراء فحسب، بل في المنطقة كلها. وقد آن الأوان أن تبادر الأطراف الأخرى بالروح ذاتها وبنفس الوعي التاريخي.

إن مقترح الحكم الذاتي الذي تقدمه المملكة، والمدعوم اليوم بقوة من الأمم المتحدة، ليس مجرد مبادرة دبلوماسية، بل فرصة تاريخية للمصالحة بين أبناء الشعب الواحد، ولتحقيق الاستقرار في منطقة حيوية لأمن المغرب العربي وجنوب أوروبا.

فالصحراويون لا يحتاجون إلى مزيد من الخطابات أو الوعود، بل إلى حياة يسودها السلام والحقوق والأمل.

 

قم بتنزيل تطبيق الأخبار بريس: App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى