شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

أكبر من إنجاز ديبلوماسي

بعد مرور أحد عشر شهرا من الأزمة الديبلوماسية والاقتصادية بين المغرب وإسبانيا، وما ترتب عنها من تبادل الضربات والمواقف والقرارات المتشنجة، بسبب فضيحة دخول ابراهيم غالي متنكرا إلى إسبانيا في أبريل 2021، نجحت الديبلوماسية المغربية في كسب صيد ديبلوماسي ثمين، لم يكن يتوقع حدوثه، في هذا السياق الدولي المتوتر، أكثر المتفائلين بأدائنا الديبلوماسي المتميز. فأن يصدر موقف دولة من الحكومة الإسبانية يؤكد أن مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب في 2007 هي الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية لحل هذا النزاع، فهذا إنجاز ديبلوماسي غير مسبوق، لكن أن يصدر الموقف عن الدولة الإسبانية بثقلها الديبلوماسي وحمولتها التاريخية ودورها كآخر دولة كانت مستعمرة لأقاليمنا الصحراوية، ورمزيتها السياسية بالنظر إلى أن قضية الصحراء المغربية ظلت دائما موضوعا للاستثمار السياسي والانتخابي لدى جميع الأحزاب السياسية من اليمين إلى أقصى اليسار، فهذا أكبر من إنجاز إنه اختراق خارق للعادة.
من كان يعتقد أنه في ذروة حاجة إسبانيا للغاز الجزائري لتدفئة اقتصادها ومواطنيها، وفي ظل حكومة ائتلافية يشارك فيها حزب معاد للمصالح الوطنية، يمكن أن يخرج قرار ديبلوماسي بهذه القوة لصالح الدولة المغربية؟ لا تفسير لهذا الأمر سوى غلبة توافقات وضمانات ملكيتين عريقتين، ورجحان كفة المصالح الاستراتيجية المغربية- الإسبانية على غيرها من المصالح مع دولة كالجزائر، وهذا بالضبط ما أكده وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس حينما قال إن استقرار وازدهار بلدينا مرتبطان ارتباطا وثيقا، والبلدان مرتبطان بأزيد من 16 مليار أورو من المبادلات التجارية، والمغرب هو ثالث أكبر شريك اقتصادي لإسبانيا.
طبعا الزلزال الديبلوماسي الذي أحدثه الموقف الإسباني الذي طبخ على نار هادئة، أخرج حكام الجزائر عن طوعهم، ودخلوا في هيستيريا ديبلوماسية دفعت نظام «الكابرانات» إلى استدعاء سفيرهم في مدريد للتشاور دون مراعاة القرارات السيادية للدول، ودون احترام حتى سمفونية الحياد الديبلوماسي التي ظلت ترددها أكثر من أربعة عقود، فلطالما اعتبر النظام الجزائري أنه طرف غير معني بتاتا بملف الصحراء المغربية، بل إنه يرفض في كل مرة المشاركة في جلسات التفاوض السياسي بحضور المغرب وجبهة الانفصال والجارة موريتانيا، لكن الموقف الإسباني أثبت لمن كان يتعلق بذرة من الشك أن الجزائر هي الطرف الوحيد في نزاع اختلقته ورعت أداته الانفصالية والإرهابية ماليا وعسكريا للمس بوحدة أراضينا أما الباقي فمجرد تفاصيل غير مهمة.
لكن ما لم يستوعبه النظام الجزائري البائد، أن الخريطة الجيواستراتيجية تغيرت جذريا على المستوى العالمي، وأن العالم أصبح في حاجة لدول مدنية موثوقة ومستقرة وذات مصداقية، وليس إلى دول هشة تبني شرعيتها على اختلاق توترات إقليمية ودفع رشاو دولية للمس بسيادة جيرانها، والخلاصة أن الجزائر فاتها القطار ومن صرف ماله على تقسيم الدول مات غما وحسرة بقرارات صادمة وهذا حال «الجارة» الشرقية، وطبعا لن تستطيع فعل أي شيء لتغيير ما يجري بكل بساطة لأنها دولة هامشية وهشة، وحتى استدعاء سفيرها بمدريد أو ربما اختلاق أزمة مع إسبانيا، لا يعدو أن يكون فصلا آخر من فصول مسرحية كوميدية، ويكفي أن نتذكر إهانة فرنسا للدولة والتاريخ الجزائري، حيث استدعى الكابرانات سفيرهم بباريس، وبعدها بأسابيع أعادوه بدون ماء وجه وأنّى لهم أن يملكوا ماء الوجه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى