شوف تشوف

الرئيسيةثقافة وفن

إضاءات على الأدب السوداني الحديث

إعداد وتقديم: سعيد الباز

كان للحضور القوي لأسماء أدبية كبيرة، مثل الطيب صالح روائيا ومحمد الفيتوري شعريا وغيرهما، أثر في هيمنة صورة سائدة عن الأدب السوداني الحديث مكتفية بهاذين الاسمين، أو تكاد تحصرهما في أعمال إبداعية محددة، دون النظر إلى منجزهما بأكمله. إنّ انعدام الصلات الثقافية بين الأطراف المتباعدة من العالم العربي شكّل، دون شك، حاجزا في متابعة هذا الإنتاج الأدبي والتواصل معه، لكن ظهرت أسماء أدبية جديدة بفضل جملة من التحولات الطارئة التي ساهمت في انتشارها والتعريف بها… نذكر من بين هذه الأسماء عبد العزيز بركة ساكن، الذي حظيت أعماله الروائية بإقبال كبير، وحمّور زيادة، الحائز على جائزة نجيب محفوظ 2014 بفضل روايته «شوق الدرويش»، ورانيا مأمون من الأصوات النسائية المهمة، وأحمد الملك، الذي تصور روايته «الحب في مملكة الجنجويد» الأوضاع السياسية التي شهدتها السودان، وجمال محجوب، الذي يمثل الرواية السودانية المكتوبة باللغة الإنجليزية، وأخيرا منصور الصويم، الذي يعدّ من أبرز الكتاب والروائيين السودانيين، خاصة في روايته «ذاكرة شرير».
إنّ البعد الإفريقي والعربي للأدب السوداني شكّلا معا رافدين مهمّين وأساسين منحاه الميزة والمكانة الخاصة.

أمير تاج السرّ.. إيبولا 76
أمير تاج السرّ، طبيب وروائي سوداني، أصدر العديد من الروايات التي حازت على الكثير من التقدير وحظيت أكثر من مرة برتب مهمة في القوائم القصيرة في العديد من الجوائز العربية. كان أسبق عربيا إلى التطرق إلى موضوع وباء إيبولا حيث صور لنا كيف نقل لويس نوا، عامل النسيج من جنوب السودان، الفيروس من كينشاسا في الكونغو إلى بلدته أنزارا في جنوب السودان، ملقيا الضوء على الحياة الإفريقية وهمومها الإنسانية والوجودية. من أجواء الرواية:
«… كانت الحمى في أعلى درجاتها، رغم القيء لم تكن رغبة، لكنها قيء حقيقي، فيه مرارة ودم، النزف على أماكن متعددة في يديه وقدميه، لا يحتاج إلى تدقيق لرؤيته، ألم الركبتين شلّ القدرة على المشي، وبين حين وآخر، تأتي رعدة كبيرة، أو يغيب العقل عن الحضور. اللوحة التي تركض في الشوارع لم تكن غريبة ولا لفتت أعين المارة كثيرا، وقد اعتاد الناس في أنزارا، وكثير من مدن الجنوب، مثل تلك اللوحات التي يرسمها المرض وتلوّنها ريشات الحياة الخشنة…
الآن اللوحة التي تركض في الشوارع حاملة لويس نوا، لوحة مأساوية بلا شك، ليس لأنّها لوحة محتضر ربما يصل وربما لا يصل، ولكن لأنّ إيبولا الرهيب كان يلونها بنزق وشهوة، كل من كان في داخل اللوحة ميت لا محالة.
كان الكيني أوقيانو، الذي أصيب البارحة فقط، مازال متوهجا، يتناسل الفيروس في دمه العجوز بضجة كبيرة، ولا يحسّ بتلك الضجة، وبصوته العصبي الذي حرمه من منصب رئيس عمال يستحقه، كان يصيح، يأمر حاملي المريض أن يسرعوا: أسرعوا… أسرعوا…»
رواية إيبولا 76 ص26

عبد العزيز بركة ساكن.. مسيح دارفور
… القوة العسكرية المنوط بها حسم الأمر لا تتجاوز الـ 66 جنديا، وفريق كبير من النجارين المهرة وشبه المهرة، تمّ جلبهم بالقوة من «نيالا» و«كاس» و«زالنجي». في الحقيقة كان العدد كافيا جدا للقضاء على ثورة نبيّ كاذب، كما تمّ وصفه من قبل القادة الميدانيين وبعض الساسة الضالعين في إطلاق الألقاب الجيّدة، كلّ قوته التي لا تحمل أيّا من الأسلحة هي 15 رجلا وامرأة واحدة، وما يسمّونه بالنبي الكاذب هذا قد أحيا في الجمعة الماضية أربعين شخصا من الموت، وشكّل من ريشة واحدة غرابا حقيقيا جميلا، وقال له طرْ، فطار.
الشخص الذي صمّم طريقة القضاء على الرجل كان يمتلك خيالا خصبا يُحْسد عليه، كما أنّه يتّسم ببرود أعصاب وإصرار على القتل بصورة مدهشة، وكان عليه أن ينجز الأمر بأسرع ما يمكن، خاصّة بعد أن تناوله الناس المروّجون من المتربّصين بالحكومة الوطنية في الفيسبوك والتويتر والمواقع الإلكترونية العميلة مثل: الراكوبة، وسودان فوراول وغيرهما. كما أنّ الأمم المتحدة التي تدخل أنفها في كلّ شيء في ما يخصّها وما لا يخصّها، تتداول النقاش مع بعض الدول على إرسال مبعوث خاص لمعاينة موضوع النبي الدارفوري الغريب، كما أسمته الصحافة الغربية، من قربٍ كافٍ ورفع تقرير بذلك. كما أنّ الجماعات التي أعلنت إيمانها المطلق به حتّى قبل أن تعرف تفاصيل دعوته، تتجمع الآن من كلّ أنحاء العالم وتسير في قافلة عملاقة نحو دارفور. عليه أن يقطع الطرق أمام هذا وذاك ويقوم بالتخلص منه بقتله، ولكنّه يريد أن يقتله بطريقته الخاصة، بأسلوبه الذي يحبّ، يريد أن يختار له نهاية تليق بأسلوب ادّعائه.
يقول إنّه المسيح، ليس متشبّها به، وليس داعيا بدعوته، وليس أحد تلامذته ولا مريديه، وليس المسيح الدجال ولا المهدي المنتظر… يقول إنّه السيّد المسيح بلحمه ودمه، وبهذا يستحقّ صلبا حزينا بائسا يجعل كلّ من يحاول أن يدّعي النبوة، وهم كُثر في هذه الأيّام، أن يفكّر ألف مرّة قبل أن يُعلن ذلك.
كان النجّارون وأشباه النجّارين مشغولين في صُنع خمسة عشر صليبا من أفرع أشجار السّنْط المقطوعة حديثا الصلبة وعليها بقايا الشوك. كانت صلبانا ثقيلة، يحاولون أن يجعلوها أثقل ما يمكن، يختارون الأكثر رطوبة، المروية جيّدا بماء الأنهر البعيدة في عمق الأرض، يضعون حولها دعامات ثقيلة من سوق أخرى أكثر ثقلا، يدقّون في أعماقها مسامير غليظة من الحديد الصلب ذات نهايات حادة، ويتمّ تذكيرهم بين وقت وآخر أنّهم قد يُصلبون على ذات الصلبان التي يصنعونها الآن إذا لم تكن جيّدة الصنع. كان النجارون وأشباه النجارين مجتهدين، يصلون الليل بالنهار، أمامهم ثلاثون ساعة لا غير. العساكر لم يكونوا على أهبة، ولم يُصبحوا كذلك، لا يمكن أن يؤذي من لا سلاح له، بل من يقول إنّه سوف يبارك قاتليه؟ فكانوا لا يكفّون عن لعب الورق والشجار حول من الذي صنع البندقية الكلاشنكوف.
الجنود الـ66 شرسون، حاربوا في كلّ بقاع السودان. كانت لهم صولات وجولات في الجنوب والشرق والغرب، وقد يقاتلون في ميادين أخرى من أرض الوطن الحبيب، وهنا تكمن خطورتهم، إنّهم متخصصون في القضاء على ثورات مواطنيهم بالذات، أي مثل القطط التي تأكل أبناءها، وتهرب من نُباح كلب الجيران. الجنود الـ66 مدججون بأسلحة ثقيلة وخفيفة: دبابتين، ناقلتين للجنود وعربتين لاندكروزر…

حمّور زيادة.. شوق الدرويش
… السجناء الباقون من حوله يهنئون بعضهم بعضا. أحدهم يضرب على كتفه ويصرخ «أخيرا… الحرية يا بخيت»
أتتهم الحرية على بوارج الغزاة وخيولهم في سبتمبر 1898 مع دخول الجيش المصري للبلاد. انكسرت دولة مهدي الله.
لم يشعر أنّه حر. بينه وبين حريته دماء. بينه وبين حريته ثأر.
دفع نفسه وسط الزحام خارجا من السجن. يشعر بالضعف. ما أكل منذ ثمانية أيام، وما شرب منذ ثلاثة. لكنه لا يقدر أن يبقى هنا لحظة أخرى.
من يومين سقطت المدينة. بلغهم، في سجنهم، إنّ خليفة مهدي الله وقادته فرّوا. دخل المصريون أم درمان. وجاء إلى السجن جماعة من النصارى والمصريين، أطلقوا سراح بعض من يعرفون من أكابر الناس، وتركوهم.
يومان بلا حارس، دون أن يسأل عنهم أحد. بدا كما لو أنّ الذين في الخارج نسوهم تماما. يسمعون دوي قنابل متفرقة. هم في قيودهم على الأرض حيث تركهم الحرّاس قبل الهرب. بعضهم في الغرف الضيقة. وبعضهم في فناء السجن تحت الشمس. بخيت داخل إحدى الغرف. كانوا حوالي سبعين شخصا في غرفة لا تسع خمسة. الهواء ثقيل كثيف. يتنفسون ما يخرج من صدور بعضهم. بعض يبكي فرحا، بعض يبكي خوفا من الموت هنا في النسيان إذ فرّ حرسهم، وتجاهلهم القادمون. لكنّ بخيت كان يعرف أنّه لن يموت الآن. تحمّل السجن سبع سنوات في انتظار هذه اللحظة. لن يموت قبل أن يسوق أمامه خصومه قربانا. سيقدم على «حواء» وهم بين يديه.
خرج إلى الشارع متعثرا.
النار والدخان في كل مكان.
يسمع صراخ النسوة، وبعض الشاويشية يمشي مناديا أن وقت استباحة المدينة قد انتهى.
تسلّل بعناء وسط العنف والجنون يطلب بيت مريسيلة. استوقفه أكثر من عسكري. فتشوه عدة مرات. اعتدى عليه بعض عساكر لينهبوه، ثم أدركوا أنّه أفقر من كلب أجرب. ضربوه وتركوه يذهب. يمشي في شوارع مدينة لا يعرفها يسأل المارة. أم درمان تغيرت جدا. كان رآها قبل أسبوعين حين آخر خروج له للخدمة. اليوم كأنّما مرت أعوام بين تلك اللحظة وهذا المشهد الجنوني الذي يتعثر في جوفه. الجثث في الشوارع. منتفخة يحيط بها الذباب الأسود. رائحتها عفنة تدوّخ المدينة الذاهلة. البيوت محطمة الأبواب. الطرقات قذرة مليئة بالحفر. رائحة البارود في كلّ مكان. وقبة المهدي مهشمة كأنّما انكسر كبرياؤها.
يتسوّل عابرا يعرف البيت الذي يقصد. يتلقّى نظرات دهشة، وتوصيفا أبتر. مرّ جوار بيت الأمانة، سار محاذيا السوق، عبر تحت المشنقة الخالية، ثم اتّجه غربا. يمشي طفلا جاوز الحبو لتوه. رجلاه تستشعران قيود المكيّة. يترنّح، لكنّ بجوفه جَلد يُقيمه. لو ركن لضعفه لمات قبل سنوات. لكن مَدين الهوى لا يموت. يتبع وصف المارة وإرشادهم. إذ وقف بباب مريسيلة لم يكن واثقا أنّه سيجدها. لكنّه كان موقنا إن ظل سقفها هو آمن ما يأوي إليه الآن. دفع جسده داخلا. وعيناه تختلجان لمح أجسادا مكوّمة ما ميّزها. سمع اسمه. وهو يسقط رأى مريسيلة تهرع نحوه. انكفأ على الأرض يلهث. يسيل عرقه ودمه، ويقطر عزما.
احتضنت مريسيلة رأسه وصرخت. ظنّته جاء ليموت على بابها. لكنّه رفع عينيه إليها. قال موجوعا: إنّها ساعة الثأر يا مريسيلة. الموت لمن قتلوها. الموت يا مريسيلة. أنا الموت.
صكّت مريسيلة وجهها. ناحت وهي تضرب براحتيها صدره كأمّ غضبى…

عبد المنعم عجب الفيّا.. رمزية الغابة والصحراء
سألت إيزابيلا سيمور مصطفى سعيد بطل رواية (موسم الهجرة إلى الشمال) ما جنسك؟ هل أنت إفريقي أم آسيوي؟ فأجابها أنا مثل عطيل، عربي إفريقي. فنظرت إلى وجهه وقالت: نعم أنفك مثل أنوف العرب في الصور، ولكن شعرك ليس فاحمًا مثل شعر العرب.
والسؤال ذاته الذي واجهه مصطفى سعيد روائيًا في لندن واجهه واقعيًا الشاعران المبدعان محمد المكي إبراهيم والنور عثمان أبكر في ألمانيا في رحلتهما إليها في الستينيات، حيث عبر النور عن حيرة الأوربي في تصنيفه بقوله (إنه يرفض هويتي الإفريقية حين أفكر، ويرفض هويتي العربية حين أكون). عبارة مشرقة ولاشك تلخص في أسلوب فلسفي رشيق ازدواجية الهوية الثقافية والإثنية للإنسان السوداني…
وهكذا فقد تنبهت الطلائع المثقفة من السودانيين باكرًا إلى الخصوصية الثقافية والإثنية للذات السودانية. وقد برز الوعي بهذه الخصوصية أكثر حدّة في الخمسينيات والستينيات مع المد الثوري لحركات التحرر الوطني ودعوات القومية العربية والاتجاهات الزنجية في إفريقيا وأمريكا اللاتينية. ففطن نفر من هؤلاء المثقفين إلى أن السودان يمتاز بخصوصية فريدة لا تتوافر في غيره من دول المنطقة، فهو يجمع بين الانتماء العربي والإفريقي في آن معًا. فتفتق وعيهم عن صبغة يصفون بها هذه الحال الفريدة. وحيث إن معظمهم كانوا شعراء، فقد هداهم حسّهم الشعري إلى صيغة شعرية ذات دلالة رمزية عميقة وهي صيغة (الغابة والصحراء). الغابة إشارة إلى العنصر الإفريقي، والصحراء إشارة إلى العنصر العربي. وذلك للدلالة على ذلك التمازج الثقافي والإثني.
ولعل من دلائل التوفيق على حسن اختيار هذه الصيغة الرمزية أن تعبير (الغابة والصحراء) لا يتطابق فقط مع توزيع المناخ الجغرافي في السودان، بل يكاد يتطابق مع التوزيع الديمغرافي للسكان. فالمعروف أن مناخ السودان يبدأ في التدرج من مناخ صحراء في الشمال ثم يتحول إلى شبه صحراء ثم سافانا فقيرة وأخرى غنية في الأواسط إلى أن ينتهي عند الغابات المدارية في الجنوب. وبالقدر ذاته نجد السكان يتوزعون على هذا النحو إذ نجد العنصر العربي غالبا في الشمال مع بعض الاستثناءات ثم يبدأ في التقلص كلما اتجهنا جنوبًا مع بعض الاستثناءات أيضًا إلى أن ينتهي إلى غلبة العنصر الإفريقي الزنجي في الجنوب.
ومثلما اهتدت تلك المجموعة إلى رمز (الغابة والصحراء) اهتدت أيضًا إلى نموذج تاريخي يجسّد هذا التمازج العربي الإفريقي على أرض الواقع فكانت سنار…وسنار هي عاصمة مملكة سنار أو سلطنة الفونج والتي عرفت أيضًا بالمملكة الزرقاء أي السوداء. فالسودانيون يستعملون الأزرق كمرادف للأسود. ومنه جاء اسم النيل الأزرق أي الأسود. وذلك لشدة اعتكار مياهه من كثرة الطمي. ويقولون رجل أزرق أسود، وكانت العرب تستعمل الأخضر في ذات المعنى، فتقول رجل أخضر أي أسمر أو أسود. وكذلك يفعل السودانيون، وهذا مثال على الخصوصية اللغوية لأهل السودان.
ويرجع اختيار مملكة سنار أو السلطنة الزرقاء (1504-1821م) كنموذج معادلة الهوية السودانية إلى أنها أول مملكة سودانية تكونت بتحالف القبائل العربية والقبائل الإفريقية. وقد أسقط هذا التحالف الممالك المسيحية التي كانت تحكم سودان وادي النيل، وأقام مكانها أول مملكة إسلامية عربية – إفريقية كانت النواة الحقيقية للسودان المعروف الآن.
رانيا مأمون.. ابن الشمس
إنّ الموت يليقُ به.
هناك أناس مزاجُهم مزاج الموت، وآخرون مزاجهم مزاج الحياة.
وكان مزاج «كرم» عدميا باحتراف.
سحب الغطاء من وجهه وبقي راقدا على قفاه، صباح جديد ويوم إضافي متكرر وسخيف. وأنا معلّق على حواف الوقت والأمل الشارد للبعيد. أفففف!
انقلب على جنبه الأيمن محاولا العودة للنوم.
الغطاء عند كرم من أساسيات النوم، مثله مثل إغماض العين أو مثل اتّكاءته القلقة على صدر أحلام متصدّعة، لا يتخلّى عن غطائه هذا لا شتاء ولا صيفا، يغطي جسده في أشدّ أيام الصيف رغم الحرّ الخانق والعرق المتصبّب، كان يغيّر الغطاء فقط بثوب أبيض، الأبيض من أيقونات الموت كذلك.
الثوب كان خفيفا، من ثياب أمّه البيضاء التي كانت تلبسه أيّام حدادها على وفاة أبيه، أي قبل اثنين وعشرين عاما. ربّما غيّره مرتين أو ثلاث مرّات أو أربع، خلال هذه السنوات بثوب شبيه له، بذات اللون، ومن ذات القماش رخيص الثمن.
يتغطى من رأسه حتّى قدميه، وينام دائما على ظهره، وبعد استيقاظه مباشرة كلّ يوم، ينقلب على جنبه الأيمن ويحاول النوم مجددا لدقائق، ثم ينقلب على جنبه الأيسر ويحاول العودة للنوم مرة ثانية مدّة عشر دقائق إضافية، وعندما يفشل يكوّر شفتيه ويقول: أفففف! ثم ينزع عنه الغطاء بضيق ويُنزل قدميه باحثا بهما عن حذائه دون أن ينظر إلى الأسفل، أثناء ذلك تبحث يده اليسرى تحت المخدة عن كيس السّعوط.
يفعل هذا كل يوم بالتعاقب ذاته مثلما يتعاقب النهار والليل دون خطأ منذ الأزل، لم يخطئ أبدا فينقلب على جنبه الأيسر أولا مثلا، أو ينام خارج غرفته ذات السريرين الحديديين، والكرسيين، والدولاب والطاولة الحديدية التي على الركن تئن من الكتب والورق، وطاولة أخرى تتوسط السريرين عليها دائما أكواب وصحون بحاجة للغسيل. في غرفته أيضا شمّاعة حديدية تتراكم عليها الملابس حتّى تفيض، وتقع الملابس على الأرض الترابية حيث يتركها زمنا، بعد أن تتشبع تماما بالتراب. ولم يخطئ كرم إطلاقا وينام على بطنه، أو تبحث يده اليمنى، بدلا عن اليسرى، عن كيس السعوط تحت المخدة، كما لا يحدث وأن يضع الكيس على الطاولة، إنّما يلبّده أبدا تحت رأسه وكان وجود الكيس هناك يرمم أحلامه المتصدّعة.
كرم يظل يلعن عمله على الدوام، ويحمّله مسؤولية عُري أيامه ويباسها، لكنه لا يتركه، كثيرة هي الأشياء التي نلعنها ولكننا نداوم على فعلها بتكرار عبيط، ربّما بفعل الخوف من فقدانها، أو لعدم الثقة في المدسوس في كفّ الأيّام القادمات، أو بفعل العادة، أو ربما بفعل اليأس.
كان عمله يسحبه من الحياة رويدا رويدا ويسحب منه الحياة. أن تعمل وأنت محاط بالصمت والغموض والأجساد المسجاة منتظرة دورها في ذهابها لدارها الأبدية، أمر يقربك من الموت حدّ الدخول فيه. لكن، ألم يكن هذا يماشي مزاجه؟
الأقدار تستجيب لرغبات أصحابها وتوقعاتهم، تأتي مشابهة لهم، لدواخلهم وعقولهم وأمنياتهم الغائرة في نفوسهم. قدره هو ما ساقه ليجد نفسه طافيا في هذا الفراغ العريض، في هذا الصمت الضّاج، في هذا الحزن اللاينتهي.

أحمد الملك.. الحب في مملكة الجنجويد
الوقت ليس مناسبا للموت في هذه البلدة الغارقة في الرذاذ ورائحة نوّار شجر السنط: الساعة الخامسة صباحا، صوت أذان الفجر يتهادى في ندى الضوء الوليد فوق كثبان الرمال، وأشجار الطلح المتناثرة في المدى الغارق في ضوء الفضة.
استيقظ الملازم معاوية إبراهيم عثمان على صوت أقدام الجنود، بدا له صوت أذان الفجر، القادم عبر الرمال، مختلطا بصوت خطوات الموت، كأنّه قادم من عوالم أخرى، تحوّل صوت المؤذن في ذاكرته إلى صوت ذلك الرجل الذي كان يطوف القرى على حماره ليعلن أسماء الموتى الجدد.
كان يشعر أنّ هذا هو يومه الأخير في هذا العالم، لم يشعر بالخوف، كلّ فجر حين يتعالى صوت أقدام الجنود في الممر أمام الزنازين، ثم صوت المفاتيح في أقفال الأبواب، يتم سحب عدد من المعتقلين إلى الخارج، لا يعودون مرة أخرى. يظل الموت الزائر الأكثر حضورا في المكان، لكن ضوضاء الحياة لا تنقطع في المكان أبدا، في نفس اليوم يحضر معتقلون جدد، متمردون ضد الدولة صدرت عليهم أحكام بالإعدام في محاكم عسكرية لم تستغرق سوى دقائق، متهمون في محاولات انقلابية، تجار وطلاب متهمون بالتعاون مع حركات التمرد.
انفتح باب الزنزانة وطلب منه أحد الجنود أن يخرج بسرعة، طلب من الجندي أن ينتظر قليلا حتى حذائه، لكن الجندي ردّ بصفاقة: لن تحتاج إليه بعد الآن!
تتكوّن مجموعتهم من ستة أفراد وقعوا جميعا قبل أسابيع في الأسر، وهم يقومون بتغطية انسحاب قواتهم، بعد أن استطاعت قوات الجنجويد استعادة الحامية العسكرية التي استولت عليها قواتهم المتمردة قبل أشهر. في الخارج كان الجو لطيفا، العصافير تحتفل بالنهار الجديد دون أن تكترث لرياح الموت القادم مع أوّل خيوط ضوء الشمس، في ضوء الفجر لاحت في السماء سحب كثيفة تبشّر بأمطار غزيرة.
ما أن خطا أوّل خطوة خارج مبنى السجن حتّى لامست وجهه قطرات المطر، كأنّه يستعرض المطر مثل حرس شرف في الطريق القصير الذي ينتهي في الموت.
كان عاشقا للمطر، في طفولته الأولى كان المطر جزءا من حياته، رائحة الأرض ورائحة الحقول، في طفولته الثانية في مدينة صغيرة بعيدة في عمق الصحراء، كان يشعر دائما بحنين غامض للمطر، لرائحة الأرض ورائحة نوّار أشجار النيم الغارقة في المطر، حين يسقط المطر في أحيان نادرة في تلك المدينة النائية، كان يحتفل به بقضاء يومه كلّه خارج البيت، كأنّه يبحث عن أصداء طفولة سعيدة غابت في ما وراء الصحراء.
كان الجندي محقّا، لم يستغرق الوصول لساحة الإعدام سوى دقيقة واحدة مشيا. قام الجنود بربطهم إلى الأعمدة وعصبوا أعينهم، أشرعت فرقة الإعدام بنادقها وصوّبت نحو صدور المحكومين في انتظار أمر إطلاق النار.
حاول الملازم معاوية إبراهيم عثمان أن يقوم بتثبيت صورة واحدة في واجهة ذاكرته، لتصبح جسرا بين موته وحياته التي لم يبق فيها سوى ثوان قليلة… في سيل الصور التي تدفقت في ذاكرته كأنّها تهرب من تقدم الموت، كأنّها فئران تقفز من السفينة المشرفة على الغرق، رأى نفسه صبيا صغيرا يتجول في أزقة المدينة الصغيرة النائمة بين النهر والجبل والصحراء، بملابس رثة وشعر طويل معجون في الغبار والعرق، تبدو تلك المدينة الغارقة في ضجيج القطارات القادمة والمغادرة عبر الصحراء، في صور ذاكرته مثل كائن خرافي ملقى على حافة الصحراء.

جمال محجوب.. في ساعة العلامات
… كانت القرية تكتسي بثياب الحداد حتّى الغربان ذات الصدور الرمادية كانت تنكّس رؤوسها في خجل. لقد توفي الشيخ العظيم، وأُخذ من محن هذا العالم إلى معجزات العالم الآخر. وقد دعت هذه الوفاة مسافرنا إلى رحلته، فقد وصلت إلى مسامعه أخبار بأنّه تمّ اكتشاف خليفة، رجل متميّز بكل المقاييس، كان الناس يتهامسون بأخبار أسفاره وخطبه في احترام، في كل مكان: في الأسواق بأسماء منسية، حول جذوات الأفران، وفي بطن الوديان الجافة. سمع عن هذا الرجل من الأغراب الذين يتسلون بالحديث عن المعجزات. سمع أنّ هذا الرجل، الذي يعمل والده في بناء المراكب والذي كانت تشعّ من عينيه التقوى والورع، كان يسير وبجانبه الملائكة. تتدفق منه الكلمات مثلما يتدفق اللبن من أطراف أصابعه.
قيل: إنّ هالة من الضوء تسبقه، وإنّه في العالم أجمع شوهدت نجمة جديدة تحترق في السماء منذرة باقتراب النهاية. قالوا: إنّ الرسول بنفسه قد تحدث في حلم إلى هذا الرجل المتواضع، وعندما سمع عبد الله بذلك شعر بضربات قلبه تتسارع مثلما يشعر المرء عندما يتعرّف على أخ بعد غياب سنوات طويلة. بدا رحلته باحثا عن هذا الرجل، يتلمس طريقه غير المنتظم سالكا أحيانا منعطفات خاطئة، وفي كل مكان يسأل عنه يحدّق فيه الناس في صمت. ولكن ربما يجد هنا ما كان يبحث عنه لسنوات طويلة.
كانت القرية تبدو وكأنّها مستغرقة في حلم، طبقات من الحرارة تستقر على الأرض منتصف اليوم وتجعل من الصعب على المرء أن يفكّر بوضوح.
المرة الأولى التي رأى فيها الرجل كانت حقا مدهشة، كان جالسا على الأرض في مدخل الضريح غير المكتمل. كان يجلس هناك دون حراك لساعات طويلة. أمضى عبد الله يوما ونصف يشاهده فقط ساجدا هناك تحت الشمس الحارقة، وجهه إلى أسفل يتمتم صلواته. أيّ شخص يودّ أن يدخل المبنى عليه أن يسير فوق ظهره.
في اليوم الثاني اقترب عبد الله أكثر. كان الرجل ساجدا في الطين. يداه متسختان، ورائحة الأرض الرطبة مثل عبير الوحي. كان الرجل ضئيلا وضعيفا، رقبته لم تكن ممتلئة وبارزة العضلات كرقبة المصارع، ولكن طرية وطويلة، أشبه برقبة امرأة. شاهد عبد الله ابن باني المراكب يعمل، يأخذ قوالب الطوب من حيث جفّت تحت الشمس ويضعها بعناية، ينظمها بيديه، بانيا بمثابرة ضريحا من الحب والإخلاص لمعلمه الذي رحل. يا له من منظر يعكس مدى التواضع! التفاني الصادق مثل الماء البارد يسيل على جلد عبد الله بعد هذا الطريق الشاق الطويل المترب.
كان الرجل يتحرّك بسهولة، دون خوف. لم يلتفت إلا مرّة واحدة، ليبتسم. نعم لقد ابتسم بعينيه، بروحه، وظهرت العلامات: الشامة على الوجنة اليمنى والفلق بين الأسنان الأمامية. عبد الله صامت. اقترب أكثر، بأنين مكتوم لحيوان جريح. استدار الرجل ليواجهه، سقط عبد الله على ركبتيه والدموع تسيل على وجنتيه. مدّ الرجل يديه وأمسك بيدي عبد الله، وبقيا هكذا لبرهة، يمسك كل منهما معصم الآخر وكأنّهما زوجان.
وجد نفسه يقول: «سيدي مكتوب في أحلامي أنّك المنتظر». ابتسم الرجل الآخر الابتسامة التي عرفه بها الجميع ووثقوا به وأومأ برأسه قائلا في بساطة: «نعم». ثم رفع الرجل يديه وأسقط من يعملون في الضريح أدواتهم في الرمال واقتربوا: رجال ويتامى، والفقراء والمتفانون، والنساء اللاتي يرتدين ملابس كملابس المتسولين. أتوا من كلّ الاتجاهات، ليتجمعوا حول الرجل ذي الشامة على الوجنة. في هذه اللحظة شعر عبد الله أنّه لم يكن مخطئا، أنّه أخيرا وجد مكانه الصحيح هنا وجد الدواء لعذابه.
تحركت الشمس عابرة السماء بهدوء ودون جلبة، وغطّ العالم في نوم عميق، غير مدرك ما حدث.

منصور الصويم.. حزين مثل دولاب خشبي قديم
هذا الرجل حزين فعلا، حزين جدا، حزن مسكين، متوارٍ، لا يلاحظ، متلاش، في الظلّ، مثل دولاب خشبي قديم. منسي في الظلمة، داخل مخزن قديم. ممتلئ بالأشياء والأدوات الخربة، مستنفدة الفائدة، ضائعة الزمن. يقف على قوائم ثلاث فقط، كأنّه سينكفئ على وجهه لولا انفتاح بابيه وتساندهما على الأرض اتّقاء للسقوط. أرففه الداخلية متساقطة، مائلة، مثقوبة ونخرة. ضوء من غبار يتسلل عبر ثقب في الجدار يضربه في القلب المنبعج ثم يرتدّ منكسرا إلى الخارج في شريط طويل يقرأ الأشياء القديمة المتراكمة فوق بعضها حتّى السقف. مثل الرجل الحزين جدا يحدّق الدولاب بالأرض، أرضه بالذات، وكأنّ رأسه مشدودة إليها بسلاسل من حديد.
الرجل الحزين، مثل الدولاب الخشبي القديم، كان ممسكا بفنجان قهوة، في الحقيقة كوب قهوة، كوب من تلك الأكواب الزجاجية الرخيصة المستخدمة بكثافة لدى بائعات الشاي المنتشرات هناك وهنا، وهو كان يجلس هناك، تحت ظل شجرة لبخ ضخمة، على تكوين أسمنتي شائه، كان أثرا على بناية ما، بين أصابعه كوب القهوة السوداء. ارتشف منه رشفات صغيرة وتركه جامدا هكذا بينما أسلم عينيه لسلاسل الأرض تجذبه إلى التحديق نحو نقطة ما. المكان حوله ضاجا بالحركة والكلام وصدى ارتطام الأكواب بالملاعق ورشفات الشاي والقهوة وضحكات بائعة الشاي المجاملة ودوي نفير سيارات بعيدة، لكنه مثل الدولاب الخشبي القديم كان غارقا في غربته، منكفئا على وجهه يكاد يسقط لولا يده الغائصة في التراب المبتل بالماء.
لم يتذكر أحد قطّ الدولاب القديم بعد رميه في مخزن الأشياء البالية. لم ينتبه أحد قطّ للرجل الحزين الجالس ممسكا بكوب القهوة السوداء ويده مغروسة في التراب. ربما كان الدولاب هدية عروس، ماتت منذ وقت طويل، في يوم زفافها، ولاشك أنّ رفوفه المتشققة تضمخت في أزمانه القديمة بعبق العطور والصندل، وضمّت في حنان ثيابا حريرية ونقودا وذكريات ثمينة. وربّما كانت للرجل الحزين جدا، حياة تسبق هذه اللحظة الضائعة المتقشرة كطلاء فورمايكا الدولاب القديم. ربما كان حزينا ولكن ليس إلى هذه الدرجة، أو لم يكن حزينا حتّى، لا توجد أمام عينيه سلاسل غبارية من ضوء تشدّه إلى الأرض ليحدّق في حفرة حزنه الآخذة في الاتساع مع كلّ رشفة من قهوته السوداء الباردة.
ربّما ما كان هناك قطّ رجل حزين إلى هذه الدرجة من الحزن القديم اللئيم الذي لا ينتهي، مثل دولاب خشبيّ قديم يكاد ينتهي بين ركام الأدوات الصدئة المنسية في مخزن متداعي الحوائط.

كتاب حوارات مع عالم الأديان عزالدين عناية

الأخبار
منذ أكثر من ثلاثة عقود عوّل عالم الأديان التونسي عزالدين عناية على انتهاج نهج مغاير في تفهّم قضايا الدين والأديان، مستلهما منهج علم الأديان بتفرعاته التاريخية والسوسيولوجية والمقارنة التي تنأى عن المنهج اللاهوتي. يرى عناية أن جانبا كبيرا من ورطة العرب الدينية تعود إلى غياب الوعي العلمي بالدين وانحصارهم داخل منظور لاهوتي مغلَق. يدفعه في ذلك حافز قوي ألا وهو تطوير الدراسات العلمية للدين والأديان في الأوساط الثقافية العربية. وفي هذا العمل الجديد نجد مجموعة من الحوارات معه بشأن هوية الدراسة العلمية للأديان وخصائصها.
يقول عناية في مطلع كتابه شغلتني في هذه الحوارات، على العموم، قضايا الذات والآخر، وعلى وجه الخصوص، قضايا الدين والأديان. وفي سائر الإجابات التي أدليت بها، ربما كنت منساقا إلى انتقاء العبارة الأنسب والفكرة الأوضح، ولربما كنت أيضا جامحا في التطلّع إلى أفق بعيد في فهم الدين والإحاطة بأوضاعه، تقديرا مني أنّ الأمر لدينا قد أضحى عنوان أزمة اجتماعية وأزمة معرفية على حدّ سواء؛ ولكني كنت حريصا دائما على محاولة تشخيص الأوضاع، وعرض الإشكاليات، واستنباط الحلول بروية وتبصّر، وبشكل ينأى عن الإفراط في الجزم والحسم.
وقد آثرت جمعَ هذه الحوارات ونشرها، على أساس كونها مصارَحة ومصافَحة، لمن تستهويهم كتاباتي أو تروق لهم ترجماتي، ويجدون فيها ما يثير أشجانهم ويدفعهم إلى المضي قدما في سبيل ترسيخ منهج علمي في قراءة الظواهر الدينية، ذات الصلة بالواقع العربي أو الفضاء العالمي.
أتت مختلف الحوارات في أوضاع متباينة، وربما في أزمنة متباعدة نوعا ما، حيث تراوحَ الإدلاء بها بين سنتي 2008 و 2022، ولكنها كانت دائما بوحًا عفويًّا بما يختلج في صدر المحاوَر. وجاءت معنونة بـ «حوارات في الدين والأديان» من باب تسمية الكل بالجزء، أي بالغالب والمتكرّر، وإن كانت في واقع الأمر حوارات في قضايا الإنسان والاجتماع، وفي جدل الشرق مع الغرب بوجه عام. ولم يخضع ترتيب الحوارات في الكتاب إلى تسلسل زمني، بل توزّعت بحسب القضايا المعالجة. هذا وقد سبق أن نُشر جميعها في صحف ومجلات ومواقع على الشبكة، غير أن فكرة تجميعها راودتني على أمل أن يجد فيها القارئ رؤية أوضح عما أتطلّع إليه من خلال كتاباتي وترجماتي.
فقد تبيّن لي وأنا أدلي بتلك الإجابات أن لا مجال في الحوار للإسهاب. فما نريد أن ندرجه موسّعا في مؤلف أو دراسة، ونبحث له عن دعائم وسندات، نورده في الحوار خاطفا وموجزا، بحسب المساحة المتاحة في منبر الحوار. ونخاطب به أناسا تختلف مشاربهم ومقاصدهم، هكذا وُلدت جميع الحوارات بدون سابق تخطيط أو إعداد من جانبي.
كما أشير إلى أنّ هذه الحوارات ليست مجرّد شروحات أو تعليقات على ما كتبتُ، ولكنها بوح ومصارَحة. فمع كل حوار أَدليت به لم أزعم امتلاك القول الفصل عن السؤال المطروح، بل حاولت صياغة إجابة من عمق التجربة، واستنادا إلى ما ترسّخ لدي من قناعة ومعرفة بالوقائع والظواهر. ولذلك قد تتماثل بعض الأسئلة ولكن الإجابات عنها تتغاير من موضوع إلى آخر جراء كون الجواب لديّ هو محاولة ومقارَبة وليس مجرد استحضار لما هو جاهز.

نبذة عن المحاوَر
عالم أديان تونسي إيطالي، خرّيج الجامعة الزيتونية بتونس، يدرّس بجامعة روما إيطاليا. نشر ما يربو عن عشرين مؤلفا بين بحث وترجمة، تناولت الدراسات العلمية للأديان والمناهج العلمية في دراسة الظواهر الدينية، فضلا عن نشره ما يزيد عن ألفي مقالة، علمية وصحفية، في مجلات وصحف عربية وإيطالية لتطوير علم الأديان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى