إنها الحرب يا عزيزي 1/2
مؤخرا أصبحنا نسمع دعاوى غريبة.. في أنزا بأكادير رفع سكان عريضة مطلبية لمنع بناء مسجد، وفِي الرباط سمعنا عن أشخاص غيروا دينهم نحو المسيحية رفعوا رسالة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان لتوفير مقابر خاصة بهم وإنشاء مدارس علمانية.
ومؤخرا أيضا، وبالتزامن مع ذلك، طفا على سطح الأحداث بالمغرب نقاش حول ضرورة حماية الأقليات الدينية، كما لو أن الدولة المغربية تضطهد كل من لا يدين بالإسلام وتمنعه من ممارسة شعائره.
وسمعنا عن حركة اسمها “تنوير” تطالب بالحماية للأقليات الدينية، كما لو أننا في بورما أو غيرها من المناطق التي تهجر وتعذب وتضطهد فيها الأقليات الدينية.
إنهم يتهمون الدولة التي حمت وهي تحت قبضة الاستعمار اليهود المغاربة من تهديدات النازي هتلر، وعاش على أرضها لقرون اليهود إلى جانب المسلمين، وهرب إليها المسلمون واليهود معا بعيدا عن جنون الكنيسة المسيحية في إسبانيا.
والحقيقة أن للمغرب تاريخا عريقا في حماية الأقليات الدينية، فحين كان اليهود يضطهدون في العالم، وفي العالم الغربي بشكل خاص، الذي يريد اليوم أن يلقننا دروسا في حماية الأقليات الدينية، كان المغرب يحميهم، ويسمح لهم بإقامة شعائرهم الدينية، ويعاملهم بنفس قدر المواطنة الذي يعامل به المغربي المسلم، بل إن سلاطين المغرب جعلوا من اليهود جيرانهم في القصور حيث كانوا يبنون ملاحاتهم، ومنهم من دخل القصور واشتغل مستشارا.
ولكي نفهم سبب هذه الموجة الدعوية لإغراق المغرب بالأقليات الدينية وبالمدافعين عنها، علينا أن نربط بين عدد من الأمور، وأن نركب عددا من المشاهد حتى تظهر لنا الصورة بشكل أوضح.
وأول شيء يجب علينا القيام به هو أن نتساءل بعفوية، من أين أتت هذه النداءات لحماية الأقليات الدينية في المغرب؟ ولماذا اشتدت في هذا التوقيت بالضبط؟
ما يحدث الآن يجب أن نفهمه من خلال قراءة الأحداث السياسية الدولية الحالية، وقراءة الآليات التي يتم تحريكها تحت غطاء اسمه «الأقليات الدينية».
هناك صفحة على «فيسبوك» تابعة لمؤسسة قناة الحرة وراديو سوا تسمى «أصوات مغاربية»، تقوم بنشر مقاطع فيديو عن دول المغرب العربي، موجهة لشعوب هذه الدول، حصلت الصفحة باسم مؤسستها، والتي هي بالمناسبة تابعة لوزارة الخارجية الأمريكية وتدخل في الإعلام الممول من وزارة الدفاع والكونغرس، على الملايين من الدولارات لتوجه سهامها إلى دول المغرب العربي ولتركز على نقطتين أساسيتين هما الأقليات العرقية والدينية وحقوق المثليين، ومن يعود إلى القصص التي تنشرها هذه الصفحة وموقعها سيجد أن هناك تركيزا كبيرا على قصص الشواذ ومعاناتهم مع مجتمعاتهم، خصوصا في المغرب وتونس.
وهناك قصص لمثليين مغاربة اتضح في ما بعد أنها غير صحيحة وأن أبطالها كانوا فقط يختلقون القصص للحصول على المال.
والهدف المعلن هو الإخبار فيما الهدف المضمر هو إثارة مواضيع لها علاقة بالعرق والدين، لما لهتين النقطتين من حساسية في المجتمعات المغاربية.
إنها نفس الاستراتيجية التي طبقتها أمريكا على عراق صدام فأغرت الشيعة والأكراد بأنها ستدخل العراق لحماية الأقليات الدينية والاثنية، فكانت النتيجة أن قسم العراق وتحول من بلد آمن إلى بلد دينه الأول الفوضى، والدماء، وحاكمه الأكبر أمريكا وإيران.
ولكي تجمل أمريكا من بشاعة ما ارتكبته في العراق أطلقت قناة الحرة وراديو سوا لتكمل في نفس الطريق الذي بدأته منذ سنوات.
ففي 1942، وخلال الحرب العالمية الثانية، أنشأت واشنطن إذاعة صوت أمريكا، وكانت الإذاعة الرسمية للحكومة الأمريكية، تبث من خلالها أنباء الحرب وبرامج موجهة بشكل خاص لأوروبا وشمال إفريقيا وألمانيا النازية.
وحين انتهت الحرب العالمية الثانية في 1947، لم تقفل المحطة، بل غيرت اتجاهها نحو عدو جديد هو الاتحاد السوفياتي، وفي 1950، أنشأت المحطة قسما ناطقا بالعربية، يخاطب أعداء السوفيات، ويحاول جعلهم أصدقاء لأمريكا.
يقول نيكولا كيل، أستاذ الإعلام والدبلوماسية العمومية بجامعة جنوب كاليفورنيا، «كانت صوت أمريكا العربية تفتتح ساعتها الإخبارية بتلاوة لبعض الآيات القرآنية لتظهر للمسلمين أن أمريكا متسامحة دينيا أكثر من أولئك الشيوعيين الملحدين من السوفيات».
في 1948، بت في قانون سميث بعد أن وضع للنظر فيه سنة 1945، وبموجبه تمنع كل مؤسسة إعلامية دعائية ممولة من الخارجية الأمريكية من البث داخل أمريكا، باعتبارها تدخل في إطار الخدمات الدبلوماسية غير العسكرية، وتعني كلا من راديو سوا، قناة الحرة، الموجهين للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، راديو فريدا الموجه لإيران، راديو آسيا حرة الموجه للصين ودول أخرى، راديو أوربا حرة، راديو وتلفزيون مارتي والموجهين لكوبا.
في 2001، وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ستتعرض صوت أمريكا لانتقادات شديدة، بسبب عجز المحطة عن استقطاب فئة الشباب في العالم العربي، وسيتم إقفال قسمها العربي، وخلق محطة إذاعية عربية جديدة حملت اسم «سوا»، اهتمت بالأخبار الخفيفة، والموسيقى العربية والإنجليزية، أملا في الوصول إلى عقول شباب العرب، في حين أن بوش أنشأها استباقا لدخول العراق.
وفي تقرير للواشنطن بوست نشر سنة 2008 بعنوان «الاستثمار المكلف للسيطرة على القلوب والعقول»، جاء أن «الدعاية أصبحت الجبهة الأولى للحرب ضد الإرهاب في شخص تنظيم القاعدة»، وأضاف أن هدف أمريكا هو «السيطرة على القلوب والعقول من خلال موجات الأثير».