شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

الإدارة العصية

لا شيء يوحي أن إدارتنا تعيش زمن الانتقال الرقمي رغم تخمة الخطابات والتقارير ووجود وزارة لتحقيق هذا الغرض، فيكفي أن يقوم المواطن بأول خطوة داخل أي إدارة مغربية، ليتأكد له أن الطبع يغلب على التطبع، وأن تغيير جيوب المقاومة التي جعلت الإدارة المغربية رهينة لثقافتها ومصالحها لن يكون بمرسوم أو قانون أو هيكلة وزارية أو تقرير لمؤسسة الوسيط أو ملاحظات لقضاة المجلس الأعلى للحسابات.

ومنذ سنوات ونحن نمني النفس ببلوغ إدارة رقمية وإلكترونية تحقق لنا خدماتنا عن بعد، وتوفر لنا المعلومة والمعطيات المطلوبة دون الحاجة لقطع الكيلومترات للحصول عليها، لكن لا شيء تحقق، باستثناء الإنجازات التي يسوقها المسؤولون والتي لا ترى على أرض الواقع بالعين المجردة.

والحقيقة أن المواطن سئم إعلانات النوايا بإصلاح إدارته ولم تعُد له القابلية لسياسة المساحيق والحلول “الترقيعية” أو سياسة “الحرث في الماء”، ولم تعد له كذلك قابلية لمنطق الإدارة العصية على الرقمنة، العصية على اللامركزية واللاتمركز، العصية على المحاسبة والمساءلة، العصية على المأسسة والشفافية.

للأسف كل المشاريع الطموحة التي تم الإعلان عنها ظلت معطلة إلى حين، فقد انتهت الاستراتيجية الوطنية لإصلاح الإدارة في 2021 ولم يتحقق منها شيء كبير يعلق بالأذهان، أما قانون الحق في الوصول للمعلومة دخل حيز التنفيذ منذ سنوات ومازالت المعلومة مطلبا بعيد المنال، ومرسوم اللاتمركز الذي وعد بتفتيت السلطة المركزية وإحداث تصاميم جهوية تحول إلى شاهد زور، والاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد والرشوة بقيت حبرا على ورق وبقي المجال مفتوحا للرشوة والزبونية، واستراتيجية الإدارة الرقمية ظلت منتوجا للماركوتينغ السياسي دون أن يكون له أثر، أما مراسيم تقديم الشكايات ضد الإدارات وتبسيط المساطر الإدارية فلا توجد سوى في القنوات العمومية ولا أثر لها في الواقع، فحينما يشتكي وسيط المملكة من عدم تفاعل الإدارة مع تقاريره، فماذا سيقول المواطن..

أما المطلوب عاجلا فهو القيام بالإصلاح الجذري والجريء الذي يستأصل كل الأورام الخبيثة ويفكك جيوب المقاومة التي ليس في مصلحتها تطور الإدارة نحو الشفافية والمساءلة، وعمليا هذا الانتقال للإدارة ممكن تحقيقه في ظل هذا السياق السياسي الذي نعيشه، لكن ليس بالنخبة الحالية أو على الأقل معظمها، فإصلاح الإدارة يحتاج إلى قيادات تمتلك الكفاءة والخبرة وصفات القيادة الإدارية بعيدا عن الزبونية الحزبية التي أغرقت الإدارة بمسؤولين فاشلين، وأيضا إلى بناء استراتيجية عامة للدولة عابرة للحكومات، فما لم يرتق إصلاح الإدارة إلى مجال سيادي فسنبقى ندور في الدوامة  نفسها ولن نخرج منها أبدا.

++++++++

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى