بيار عقيقي
يوحي كلّ شيء لدى الإسرائيليين بأن جبهتهم الداخلية باتت أضعف بكثير مما كانوا يتوقّعون. لا يعني هذا أنهم على مشارف الخروج من الشرق الأوسط، ولكنه يعني متغيّرات ناشئة من نمو أجيال جديدة بفلسطين المحتلة، غير متصلة بجيل الأجداد الذين ساهموا في احتلال فلسطين قبل أكثر من سبعة عقود. انتقادات بعض جنود الاحتلال لرئيس وزرائهم بنيامين نتنياهو، لم تعد سرية، بل تُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي بشكلٍ مباشر، ومن دون إخفاءٍ لوجوهٍ. التقارير عن سرقة الجنود منازل بمستوطنات غلاف غزّة، في ظلّ اعتبارها “منطقة عسكرية”، مُتاحة للجمهور.
لم يعد الخوف من الحديث عن لوبيات إسرائيلية في أروقة صناعة القرار في العالم سائداً، بل تجاوز بعضُهم ذلك بالتطرق المباشر لعدم جواز ربط إدانة إسرائيل بـ”معاداة السامية”، ومنهم مدير مكتب نيويورك للمفوضية السامية لحقوق الإنسان، كريغ مخيبر، الذي ذكر، في بيان استقالته قبل أيام إن “انتهاك إسرائيل حقوق الإنسان ليس معاداة للسامية”.
لم يعد الإسرائيليون، مع كل فجر يبزغ على غزّة المدمّرة، في قوقعة من المثالية والكمال، بل حتى أحاديثهم المتكرّرة عن النازية والبربرية، في نعتهم حركة حماس، لم تعد تلقَى صدى لدى ناسٍ كثيرين، خصوصاً بالغرب.
ما يجب أن يخشاه الإسرائيليون أن العالم، في اليوم التالي، لن يكون قريباً منهم. لن يكونوا كالأوكرانيين، ولو أرادوا ذلك. في اليوم التالي، لن يعود هناك من ينظر للإسرائيليين، بعد تخطّيه “صدمة” مشاهدة وقراءة انتهاكاتهم كل المواثيق الدولية والأعراف الحقوقية والإنسانية، كما كان ينظر سابقاً، بل إن موجة من الغضب والانتقاد الدفين ستُلاحق هذا الجيل من الإسرائيليين.
لن ينتبهوا الآن إلى ذلك، بل يعتبرون أن دولاً بعيدة عنهم، مثل كولومبيا وبوليفيا وتشيلي وغيرها، لم تكن قريبة منهم قط، غير أن لعنةً ما ستطاردهم، سيكون وصم كل إيطالي بأنه منتمٍ إلى المافيا بمثابة نكتة مقارنة بما سيتعرّضون له من اتهاماتٍ وأوصاف.
يعلم الإسرائيليون، خصوصاً الذين يحتكّون بشكل دائم مع العالم الغربي، أن المستقبل سيكون قاتماً بالنسبة إليهم هناك. سيجدون أن واقعاً جديداً أُفرز، لن يتمكّنوا خلاله من إقناع أنفسهم بأن من يخاصمونهم هم عرب. لكن الإسرائيليين هناك سيتحوّلون إلى مجتمع مغضوب عليه، خصوصاً أن مجموعات كبيرة من اليهود في العالم يدينون العدوان الإسرائيلي على غزّة. لن تكون ورقة الدين رابحة بالنسبة لإسرائيل. لن يستطيع الإسرائيليون حجب الحقائق مهما سعوا، ومن ثم أداء دور “الضحية”، لأن التاريخ الأوروبي تجاه اليهود كان ظالماً، وهو كذلك، لكن الإسرائيليين يمارسون ما مورس بحقّ اليهود، ضدّ الفلسطينيين.
لم تعد إسرائيل، مهما تحدّثت عن “خطر الوجود”، قادرة على إقناع العالم بالشكل نفسه كما كان في السابق. حتى أنها تدرك أنه في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، هناك كثر “اكتشفوا” فلسطين وقضيّتها، لأنه كان هناك ما يمنعهم من رؤية الصورة برمّتها. ربما، وتحت هذه الكلمة ألف خط، سيخرُج الإسرائيليون ويقولون “انتصرنا”، إلا أنه ما معنى الانتصار المبني على دماء شهداء مدنيين، وجدوا أنفسهم بين أسوأ الحلول: الموت أو التهجير من أرضٍ هم الأحقّ بها؟ أي انتصارٍ سيحقّقه الإسرائيليون، فيما المستقبل الدامس يحيط بهم من جباليا والكرامة وخانيونس إلى باريس وواشنطن وموسكو؟
