
نعيمة لحروري
بينما تتابع دول شمال إفريقيا بقلق بالغ موجة اجتياح الجراد الصحراوي القادمة من الشرق، يجد المغرب نفسه أمام اختبار جديد لمواجهة هذه الآفة التي لطالما تسببت في كوارث بيئية وزراعية.
التقارير الواردة من الجزائر وتونس وليبيا تؤكد أن أسراب الجراد غزت مناطق واسعة، ما يثير المخاوف من تكرار سيناريوهات 1987 و2004، حين شهدت المملكة خسائر فادحة في الغطاء النباتي والموارد الزراعية بسبب الاستخدام العشوائي للمبيدات الكيميائية.
المناطق الحدودية للمغرب ليست مجرد خط جغرافي، بل هي شريط زراعي وسكاني يعاني من التهميش ونقص الإمكانات، ويجد نفسه اليوم في الخطوط الأمامية لمواجهة الجراد.
المخاوف هنا لا تتعلق فقط بالأسراب الزاحفة، بل بالطريقة التي ستتعامل بها السلطات مع الأزمة، خاصة أن الحل التقليدي المتبع لعقود كان رش المبيدات الكيميائية بكميات ضخمة، مما خلف كوارث بيئية وصحية لا تزال آثارها قائمة حتى اليوم.
لطالما كان الحل الأول والأسرع لمواجهة الجراد هو رش المبيدات الكيميائية، لكن التاريخ علمنا أن هذا الخيار ليس بلا ثمن.
في عام 1987، تعامل المغرب مع الموجة الجرادية عبر رش ملايين الهكتارات بالمبيدات، مما أدى إلى تلوث المياه الجوفية، وتضرر أعداد كبيرة من المواشي وانقراض عشرات الأنواع من الحشرات، وتسجيل حالات تسمم بين السكان وظهور أمراض. المشهد نفسه تكرر في 2004، حين استُخدمت كميات هائلة من المواد الكيميائية، مما تسبب في فقدان مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية لخصوبتها، ودمار كبير للغطاء النباتي في المناطق الرعوية، وأدى إلى أضرار صحية خطيرة بين السكان الذين تعرضوا لهذه المواد السامة بشكل مباشر.
اليوم، وبينما تقترب الأسراب من الحدود الشرقية، يتساءل سكان هذه المناطق: هل ستكرر الحكومة الأخطاء نفسها؟ أم أن الوقت حان لتبني نهج جديد أكثر استدامة؟
في السنوات الأخيرة، بدأت العديد من الدول تدرك خطورة الاعتماد على المبيدات الكيميائية، ولجأت إلى حلول بيولوجية أكثر أمانا. الصومال، على سبيل المثال، اعتمدت على مبيدات بيولوجية تعتمد على الفطريات، مثل Metarhizium acridum، التي تستهدف الجراد دون الإضرار بالكائنات الأخرى. كما استخدمت تكنولوجيا الاستشعار عن بعد عبر الأقمار الصناعية لرصد حركة الأسراب والتدخل قبل أن تتحول إلى كارثة.
هذا النموذج أثبت نجاحه، والمغرب يمتلك الإمكانات العلمية لاعتماد مثل هذه الحلول، لكن الإرادة السياسية هي العامل الحاسم في تبني نهج جديد أكثر أمانا.
سكان المناطق الحدودية، الذين عانوا لعقود من العشوائية في اتخاذ القرارات، يتساءلون اليوم عن التدابير الوقائية التي تم اتخاذها، وعن إمكانية تبني المبيدات البيولوجية بدلا من المواد الكيميائية القاتلة، وعن الضمانات التي ستمنع تكرار الكوارث البيئية والصحية.
السكوت عن الموضوع ليس خيارا، خصوصا أن سكان المناطق الحدودية هم الأكثر تضررا من أي قرار خاطئ. التجارب السابقة أثبتت أن هذه الفئات تُترك لمصيرها بعد الكارثة، دون تعويضات أو حتى اعتراف بالأخطاء.
المبيدات الكيميائية لم تقتل الجراد فقط، بل قتلت التربة، وأفسدت المياه وأثرت على حياة البشر والحيوانات.
اليوم، من حق هؤلاء السكان أن يسمعوا إجابات واضحة من الجهات المسؤولة: هل هناك خطة استباقية حقيقية؟ أم أننا سننتظر اجتياح الجراد ثم نرشه بالسموم كما جرت العادة؟
المعركة ضد الجراد ليست مجرد قضية زراعية، بل هي امتحان حقيقي لمدى استعداد بلدنا لاعتماد استراتيجيات تحمي بيئته وسكانه. فهل سيكون الرد بحلول علمية مسؤولة، أم أننا على موعد مع كارثة جديدة بالأساليب القديمة؟