شوف تشوف

الدوليةالرئيسيةسياسية

السينغال تختار رئيسا جديدا

ديوماي فاي.. من السجن إلى كرسي الحكم

بعد ضغط من الشعب والفوضى، التي اجتاحت جمهورية السينغال، إثر تأجيل الرئيس ماكي سال المنتهية ولايته الانتخابات الرئاسية، أقيمت هذه الانتخابات أخيرا والتي تنافس خلالها 19 مرشحا، فاز منهم مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي، الذي أعلن رئيسا للبلاد.

 

إعداد: سهيلة التاور

 

بعدما قرر الرئيس ماكي سال إقامة الانتخابات لكبح الغضب الشعبي، أقر الائتلاف الحاكم في السينغال، أول أمس الاثنين، رسميا بفوز مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي في انتخابات الرئاسة، بعدما أظهرت نتائج رسمية أولية أن مرشح حزب «باستيف» المحظور يتجه إلى حسم المعركة من الجولة الأولى.

وقد هنأ الرئيس المنتهية ولايته، ماكي سال، ديوماي فاي على فوزه بالانتخابات من الجولة الأولى، واعتبر ذلك فوزا للديمقراطية السينغالية، كما أشاد بالأجواء التي جرى فيها الاقتراع.

وقبيل إعلان النتائج الرسمية الأولية، أقر مرشح الائتلاف الحاكم «أمادو فا» بالخسارة، في صورة تعكس تقليدا سياسيا ظل سائدا خلال ربع قرن.

فمنذ خسارة الرئيس عبدو ضيوف أمام منافسه عبد الله واد خلال العام 2000، وخسارة واد أمام منافسه ماكي سال، اتسم انتقال السلطة بالإقرار بالخسارة وتسليم السلطة إلى الفائز بشكل سلمي.

ويعد باسيرو ديوماي فاي (44 عاما)، الذي يوصف بأنه مرشح من خارج المؤسسات، الرئيس الخامس للسينغال، وكانت عمليات فرز الأصوات أظهرت تصدره بنسبة تتخطى العتبة المطلوبة للحسم من الجولة الأولى، وبهذا يكون حزب «باستيف» (أبرز أحزاب المعارضة رغم حظره) قد نجح في إيصال مرشحه إلى المنصب الأعلى في الدولة.

وخاضت المعارضة السباق الرئاسي بداية من وراء القضبان، في ظل وجود عثمان سونوكو، زعيم الحزب، في السجن وإقصائه من الترشح.

 

من هو باسيرو ديوماي فاي

ولد باسيرو ديوماي دياخار فاي عام 1980 في ندياجانياو في مقاطعة مبور (غرب السينغال)، وهو ينحدر من عائلة متواضعة. وبعد حصوله على البكالوريا عام 2000 في ثانوية ديمبا ديوب في مبور، التحق باسيرو ديوماي فاي بكلية الحقوق بجامعة الشيخ أنتا ديوب في داكار، حيث حصل على درجة الماجستير في القانون.

وبعد ثلاثة أشهر من حصوله على درجة الماجستير عام 2004، تم قبول باسيرو ديوماي فاي في المدرسة الوطنية للإدارة (ENA) وتخرج بعد ثلاث سنوات في عام 2007، والتحق بالمديرية العامة للضرائب وأملاك الدولة.

وتم دفع فاي إلى قلب السياسة السينغالية، بعد أكثر من أسبوع من إطلاق سراحه من السجن مع معلمه المثير للجدل عثمان سونوكو، الذي تم استبعاده من الترشح للانتخابات، بسبب إدانته بالتشهير.

وخاض الزعيم الانتخابات كمستقل، بسبب حل حزبه «وطنيو السينغال» (باستيف)، في يوليوز الماضي، لتسببه في اضطرابات. وأيد حزب «PASTEF»، الذي أسسه سونوكو في عام 2014، فاي.

ونظم الشعبوي اليساري احتجاجات ضد الرئيس ماكي سال، متهما حكومته بالفساد والفشل في معالجة الفقر المزمن. وأدى قرار سال بتأجيل الانتخابات، التي كان من المقرر إجراؤها في فبراير الماضي، إلى إثارة الجولة الأخيرة من الأزمة السياسية، وأجريت الانتخابات بعد تدخل المحكمة الدستورية.

وتولى باسيرو الأمانة العامة للحزب، الذي تم حله في يوليوز 2023، مع ملف السينغاليين في الخارج، ومكنت جولاته المتعددة في أوروبا بشكل خاص من حشد التأييد والدعم السياسي والمالي للحزب، الذي استطاع في فترة وجيزة أن يستحوذ على نصيب الأسد من دعم الجماهير الشبابية في بلاده.

ويمكن القول إن تحالف سونوكو وباسيرو والوجوه الشابة المحيطة بهما استطاع بقوة أن يعيد تنظيم غضب المجتمع السينغالي جراء ارتفاع الأسعار، وتدني فرص التشغيل، واختلال سياسات التوازن الاقتصادي، وفق ما يرى خصوم الرئيس المنتهية مأموريته في السلطة.

وفي أبريل 2023، ألقي القبض على فاي بتهم تشمل نشر أخبار كاذبة وازدراء المحكمة والتشهير بهيئة مشكلة، بسبب منشور على وسائل التواصل الاجتماعي.

وتم إطلاق سراح فاي، إلى جانب سونوكو، في وقت متأخر من يوم 14 مارس الجاري، قبل أيام من التصويت، بعد إقرار قانون العفو هذا الشهر.

وتعهد فاي، وهو مفتش ضرائب سابق، بالقضاء على الفساد واستعادة الاستقرار وإعطاء الأولوية للسيادة الاقتصادية، في نداء لشباب المناطق الحضرية المحبطين بسبب البطالة في الدولة الواقعة في غرب إفريقيا، حيث تقل أعمار 60 في المائة من السكان عن 25 عاما.

فهو يريد تخليص السينغال من الفرنك الإفريقي الموروث من الحقبة الاستعمارية، والمرتبط بالأورو، ويقترح تقديم عملة جديدة بدلا من ذلك. إن فرنك CFA، المدعوم من الخزانة الفرنسية، مقبول في 14 دولة عضوا.

بالإضافة إلى ذلك، يرغب في إعادة التفاوض بشأن عقود التعدين والهيدروكربونات. ومن المتوقع أن تبدأ البلاد إنتاج الهيدروكربونات هذا العام.

 

غياب الخبرة السابقة

بعد قرار المجلس الدستوري إبعاد سونوكو عن قائمة المرشحين لوجود حكم قضائي في حقه، وقع الاختيار على ديوماي فاي، الذي كان بدوره في السجن، مرشحا عن حزب باستيف. وبهذا انتقل الرجل الذي لا يملك خبرة سابقة في خوض الاستحقاقات السياسية، إلى رئيس واحدة من أبرز الديمقراطيات في إفريقيا.

بالمعنى السياسي، يمكن القول إن نتيجة الانتخابات كانت من ضمن السيناريوهات المتوقعة، لكن المفاجأة الكبرى تمثلت في حسم السباق من الجولة الأولى بنسبة 60 في المائة من الأصوات، ليتخطى العتبة الانتخابية بفارق كبير، وينال أغلبية مطلقة، وهذا ما سهل على المعارضة إعلان الفوز وحتم على الائتلاف الحاكم الإقرار بالخسارة.

 

حجر الزاوية في الفوز

قاد عثمان سونوكو حزب «الوطنيون من أجل العمل والأخلاق والأخوة»، المعروف اختصارا بـ«باستيف»، لهذا الفوز، وقد سبق له أن خاض انتخابات العام 2019 منافسا للرئيس وحل في المركز الثالث.

ووجهت إليه عام 2021 تهم بالاغتصاب، لكنه دفع ببراءته منها ووصف الاتهامات بالكيدية، وعمت السينغال احتجاجات واسعة آنذاك، تجددت مع محاولات ماكي سال تأجيل الانتخابات.

أدار عثمان سونوكو معركته مع الحكومة بحنكة سياسية لافتة، وكان تبنيه ترشيح ديوماي فاي حجر الزاوية في الفوز بأرفع منصب سياسي بالسينغال، حضر في جميع الفعاليات الانتخابية ووجه تصويت مناصريه لصالح ديوماي فاي، واستفاد من أخطاء الرئيس المنتهية ولايته على المستوى السياسي ومصاعب الاقتصاد، لقيادة حملة انتخابية يبدو أنها أتت أكلها.

 

جزء من الظاهرة الإسلامية

يصنف باسيرو ضمن مؤشرات التحولات السياسية في السينغال، حيث يعتقد كثيرون أنه وظهيره عثمان سونوكو جزء من الظاهرة الإسلامية التي تتمدد في السينغال.

ويبدو باسيرو بمظهر إسلامي عبر لحية طويلة نسبيا مقارنة ببقية منافسيه للرئاسيات، وحظي بدعم واسع من التيارات الإسلامية الجديدة التي كانت تراهن على هذا الشاب بديلا عن أنظمة وقوى سياسية عريقة في العلمانية.

ويقدم الخطاب السياسي لباسيرو كثيرا من الأدبيات الشائعة لدى الأوساط الشبابية السينغالية، وخصوصا التذمر المتصاعد تجاه سيطرة فرنسا، إذ أعلن في حملته عن برنامج إصلاح نقدي من شأنه إنهاء سيطرة الفرنك الإفريقي ذي الأصول والاعتماد الفرنسي، وإقامة عملة سينغالية خاصة، إذا لم تتمكن دول غرب إفريقيا من إصدار عملة موحدة.

ولا تبدو الفرنسية لغة أثيرة عند سونوكو، الذي يتوعدها بتعزيز حضور ضرتها الإنجليزية ذات النفوذ والتأثير العالمي الكبير.

وضمن وعيده المتصاعد، يحمل باسيرو على عاتقه فكرة تطهير «الطبقة السياسية من خلال إبعاد المفسدين من السلطة واستعادة سيادة السينغال»، وفق تعبيره.

كما أن وعيد باسيرو بمراجعة اتفاقيات الدفاع تعني أيضا رسالة أخرى تجاه فرنسا بأن حاكم داكار الجديد لن يظل معتمدا على الزناد الفرنسي، بل سيسعى إلى تنويع مقتنيات جعبته وعلاقاته الأمنية والسياسية.

 

تحديات الرئيس

يواجه الرئيس المنتخب تحديات عدة، داخليا سيكون عليه تعزيز ثقة الشباب الذين شكلت أصواتهم رافعة لوصوله إلى المنصب، وتعد البطالة من أكثر القضايا إلحاحا، حيث وصلت إلى نحو 19.5 بالمائة في الربع الثالث من العام الماضي، بحسب أرقام رسمية.

وتعد البطالة وقلة فرص العمل الدافع وراء ارتفاع معدلات الهجرة غير النظامية باتجاه أوروبا.

التضخم يعد بدوره مشكلة رئيسية تؤدي إلى تآكل القدرة الشرائية للسكان، صحيح أنها معضلة لا تنحصر في السينغال، إلا أنه سيكون على الرئيس المنتخب أن يضع خريطة طريق للخروج من معدلات مرتفعة أدت بالفعل إلى خفض معدلات الاستهلاك، وتبديد الزيادات في الرواتب التي اعتمدت الصيف الماضي.

 

النفط والغاز

يعد النفط والغاز من أبرز أوراق الرئيس المنتخب، وقد سبق للبنك الدولي أن اعتبرهما رافعة الاقتصاد، وبحسب تقديرات رسمية، فإن البلاد تقترب من تحقيق قدرة إنتاجية بنحو 100 ألف برميل نفط يوميا، وحوالي 2.5 مليون طن من الغاز سنويا، لكنهما سيف ذو حدين، بحسب الرئيس المنتخب، طالما أن العقود لا تلعب لصالح الدولة.

خلال الحملات الانتخابية وعد عثمان سونوكو، زعيم «باستيف»، بإعادة التفاوض على عقود الطاقة لزيادة إيرادات الدولة من جهة، والاستفادة منها في تطوير قطاع إنتاج الطاقة من جهة أخرى، والخلاف على استثمار إنتاج الغاز محليا كان السبب وراء انسحاب شركة «بي بي» البريطانية، نهاية العام الماضي، بعدما سعت إلى تصدير كامل الإنتاج.

ومع طي صفحة الانتخابات و3 سنوات من الاضطرابات، تتهيأ السينغال للدخول في مرحلة سياسية جديدة، عنوانها رئيس شاب جديد على الحياة السياسية، متسلح بدعم سياسي مخضرم يحسن مخاطبة الشارع والمواطن، ولا يتبنى أي من الرجلين -الرئيس المنتخب باسيرو ديوماي فاي، أو عرابه عثمان سونوكو- أي خطاب عدائي للخارج، لفرنسا أو لغيرها، ويعتمدان لغة ترى في الداخل أولوية.

 

خطأ سياسي قاتل

قد يكون قرار ماكي سال تأجيل الانتخابات حتى نهاية العام الجاري الخطأ السياسي القاتل الذي كلف الائتلاف الحاكم سدة الرئاسة، وأسقط المجلس الدستوري قرار الرئيس، لكن مرشح الائتلاف الحاكم أمادو با نفسه كان امتدادا للسياسة القائمة، وهذا بدوره لم يكن في صالحه، وبدت نتائج صناديق الاقتراع بلورة للتمسك بالتقاليد الديمقراطية في السينغال.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى