حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسية

القدس.. ذاكرة الجرح الوضيء

الحلقة 1 : حاضنة الأديان السماوية

علي كرزازي
بعراقتها التليدة وتاريخها الباذخ وقدسيتها الفريدة، استطاعت القدس أن تعمر القلوب وتتربع على عرش الذاكرة والوجدان والمخيال… عبرها مر الأنبياء والقديسون والصوفيون والعلماء والدراويش، فكانت نقطة تعالق بين السماء والأرض، وعلى أسوارها تصارع الفاتحون والجبابرة فكان أن تشربت شتى أنواع الثقافات والحضارات على مر الأزمان. القدس.. أيقونة الأديان ومجرة القداسة المشعة بألف نار ونور.. القدس.. ملحمة الإسلام الموؤودة وجُرح العروبة النازف.. القدس.. حكاية طفلة جميلة، حزينة تصرخ دوما: «لا تبيعوني في سوق النخاسة الأممي نظير دراهم معدودات».

مدينة مسكونة بالقداسة، احتضنت الأديان السماوية الثلاثة: الإسلام، المسيحية واليهودية، فأنشئت بها أماكن مقدسة للعبادة، ولا عجب أو يكون اسمها هو الآخر موسوما بالقدسية والقداسة. فالقدس لغويا تعني تنزيه الله وتقديسه، وتعني كذلك الطهارة، ودعونا نمضي معا للتعرف على هذا الكم الهائل من الأسماء الدالة التي أطلقت على هذه المدينة الاستثنائية.
يرى المؤرخون أن أقدم اسم عرفت به القدس هو «أورسالم» الوارد في رسائل «تل العمارنةّ»، أما اسم
«يبوس» فقد ورد في الكتابات المصرية الهيروغليفية باسم: «يابثي» أو «يابتي»، وهو تحريف للاسم الكنعاني. وقد اختلفوا في أصله فقيل إنه مركب من كلمة «يروشليم» أو«يروشالايم» العبرية ومعناها أساس الإسلام، وسالم أو شالم وهو اسم الإله الكنعاني حامي المدينة، ويذهب البعض إلى أن «ملكي صادق» الملك اليبوسي هو أول من بناها وحكمها، ومن ثمة أخذت اسم «يبوس» نسبة لليبوسيين المتفرعين من الكنعانيين، وقيل إن أصل الكلمة يبوش شاليم، أي يبوس سليمان.
أما فريق آخر من المؤرخين فذهب إلى أن إبراهيم الخليل سماها «يرى» أو «أور»، نسبة إلى المدينة الكلدانية بجنوب العراق، التي هاجر منها في اتجاه فلسطين حوالي سنة 1921 قبل الميلاد، ثم دمج الاسمان في اسم واحد كنوع من التكريم والتبجيل لهذه المدينة: أورشليم، وذات الاسم أي أورشليم ظهر أول مرة في سفر «يشوع»، وهو بحسب فقهاء اللغة منحوت من كلمتين «أور» وهي موقع مخصص لعبادة الله وخدمته وكلمة: «سليم» التي تعني سلام أو ترمز عند البعض إلى إله كنعاني قديم اسمه «شاليم»، وهو إله الغسق أو إله السلام، بحسب الموسوعة الفلسطينية.
وذكر المؤرخ اليهودي يوسيفوس أن القدس سميت في عهد أب الأنبياء بـ«ساليم» أو «سوليما»، فيما أطلق العبرانيون على القسم القديم من المدينة اسمي «صهيون» و«مدينة داود»، وهما الاسمان اللذان ستعرف بهما المدينة ككل في عرف اليهود إضافة إلى اسم «مدينة الله»، وعند احتلال اليونان لها خلال العصر الهليني حوروا اسمها فأضحى يلفظ: «هيروسليما».
وفي سنة 131 ميلادية وقع حوض البحر الأبيض المتوسط تحت نير الإمبراطورية الرومانية، فتسمت المدينة باسم روماني: «إيلياكابتوليناAlia captolina » ومعناها بيت الله.
من الأسماء التي ألصقت بمدينة القدس والتي نعثر عليها في المعاجم اللغوية والقواميس العربية القديمة: اسم شاليم، وهو اسم بيت المقدس بحسب الفيروز آبادي، ومنها اشتق الأوربيون كلمة أورشليم Jérusalem، أما ياقوت الحموي فقد ذكر في قاموسه «أورشليم» بكسر اللام. ولما فتح المسلمون مدينة القدس سموها «إيلياء» أو «إيليا»، وهو ما تثبته رسائلهم وخصوصا ما جاء في «العهد العمري»، أو ما يعرف ب: «العهدة العمرية»، ثم ما لبثوا أن أطلقوا عليها اسم «بيت المقدس» و«المقدس» و«البيت المقدس»، اعتبارا لقدسيتها التي خلعتها عليها الأديان السماوية جميعها.
وتجدر الإشارة إلى أن اسم «بيت المقدس» مستنبط من اللغة الآرامية ومعناه «الكنيس»، وهو لا يزال متداولا في بعض اللغات كالأردية، ومنه اشتق لقب «مقدسي» الذي يطلق على ساكني المدينة، وقد تسمت القدس باسم «بيت المقدس» في التوراة (نحميا 11:1)، كما تسمت بمدينة الله (مزمور 46: 4).
أما في عصرنا الحالي فإن الاسم الشائع للمدينة هو «القدس» عند العرب والمسلمين، وقد يكون اختصارا لبيت المقدس أو مدينة القدس. ومن الأسماء التي تتداول بكثرة كذلك اسم «القدس الشريف» وهو الاسم الذي ارتبط بالمدينة خلال العصر العثماني، أما المسيحيون فيسمون القدس بـJérusalem»»، في حين يبقى اسم «أورشليم القدس» هو المعتمد من طرف السلطات الإسرائيلية في إعلاناتها للمدينة.
تعتبر مدينة القدس أكبر مدن فلسطين التاريخية المحتلة، سواء من حيث المساحة أو تعداد السكان، تقع على هضبة ممتدة جنوب سلسلة جبال فلسطين وترتفع فوق سطح البحر الأبيض المتوسط بـ 750 مترا، وتطل من الشرق على البحر الميت ونهر الأردن. أما عمرانها فينحصر بين تلين مستطيلين متوازيين من الشمال إلى الجنوب، فيما يعتبر ساحل البحر الميت المحاذي لها أخفض نقطة في الأرض.
في حين تتوزع قممها الجبلية بين جبل الزيتون أو جبل الطور ويقع شرق المدينة، وجبل المشارف ويقع في الشمال الغربي، إضافة إلى جبل صهيون الواقع في الجنوب الغربي، وجبل المكبر الذي يروى أنه سمي بهذا الاسم عندما دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه القدس وكبر فوقه، وكذلك جبال: النبي صمويل، وأبو غنيم، وأكرا، وموريا، وصخرة بزبتا، ومن بين أهم وديان المدينة: وادي هنوم ووادي قدورون (أو وادي جهنم) الذي يفصل القدس عن جبل الزيتون، وبين هذين الواديين نشأت نواة المدينة القديمة، ينضاف إليهما وادي الجوز ونبع أم الدرج…
يرى بعض المؤرخين أن «عين العذراء» الموجودة في الجنوب الشرقي كانت السبب في تعمير المدينة إبان عهد اليبوسيين، وقد عمد السكان الأوائل إلى تدبير مشكلة ندرة المياه من خلال تشييد القناطر والقنوات كجر مياه الأنهار، إضافة إلى حفر الآبار ومن أهمها بئر أيوب نسبة إلى النبي أيوب.
أما مناخ المدينة فمناخ متوسطي يتميز بالحرارة صيفا وبالاعتدال شتاء، مع تساقطات مطرية متوسطة يصل معدلها السنوي إلى 550 مليمترا، كما تعرف هطولا للثلوج كل 3 أو 4 سنوات في العادة. وفيما يتعلق بالغطاء النباتي فيتميز بالتنوع، إذ تقع في محيط القدس عدة غابات ومناطق برية مثل وادي الغزال، ومن الأشجار التي تشتهر بها أشجار الجوز والزيتون والصنوبر، عدا عن كونها موطنا لعدد كبير من أنواع الطيور والطيور المهاجرة.
تحظى مدينة القدس بموقع استراتيجي فهي تقع وسط فلسطين، فهي تبعد بحوالي 60 كلم عن البحر الأبيض المتوسط و35 كلم عن البحر الميت، في حين تفصلها 250 كلم عن البحر الأحمر، أما المدن والبلدان المجاورة لها فهي: رام الله ومستوطنة كفعات زئيف شمالا، وبيت لحم وبيت جالا جنوبا، وأبو ديس ومستوطنة معاليم أدوميم شرقا، ومفاسرت صهيون غربا.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى