شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

النساء المغربيات وإعادة تشكيل المجتمع

 

 

 

مصطفى خُلَالْ

 

للنساء في كل مجتمع دور معتبر في إعادة تشكيله حين يتعلق الأمر بالتطور الذي يلحق حقوقهن. والمغرب مثله مثل كل البلدان لا يستثنى من هذه القاعدة.

كلما تعلق الأمر بتلك الحقوق وتطويرها أو تعديل بعض مكوناتها أو تغييرها، يعرف المجتمع صراعا حولها، صراعا بين المحافظين ومن يعتبرون أنفسهم حداثيين. المحافظون هم – في معظم الحالات -رجال لا تشاركهن النساء اللاتي يقتسمن معهم الاختيارات الأيديولوجية ذات المواقف الخاصة بقضايا النساء. بل يمكن المجازفة بالقول إن النساء اللاتي ينتمين للاتجاه المحافظ يجدن أنفسهن أقرب في ما يرجع للتعبير عن قضايا المرأة إلى مواقف النساء اللاتي ينتمين للاتجاه الحداثي. ففي اللحظة التي كان يخوض فيها سعيد السعدي – الوزير في حكومة التناوب اليسارية معركته القاسية ضد المحافظين، لتقديمه أول مدونة للأسرة جديدة، خلال تلك اللحظة بدا الوزير مُسانَدا من قبل النساء المغربيات عامة وخاصة الناشطات منهن في مجالات العمل الجمعوي المدني غير الحكومي دون تمييز بين محافظات وحداثيات.

لا نقصد بهذا أن المحافظين في المغرب كما في غيره من البلدان المشابهة يوافقون حقا على إعادة النظر في الوضع الذي تعاني منه النساء. فالمحافظون، في هذه القضية، كما في غيرها إنما يجدون لتوجههم كل الدعم من قبل الرأي العام المحافظ والذي يُنْظَرُ إليه على أنه إرث ديني: وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن الوزير مصطفى الرميد، أحد البارزين في قيادة المحافظين الحكوميين، لم يجانب الصواب حين صرح والمنازلة جارية بين الحداثيين والمحافظين في نهاية التسعينات من القرن الماضي أن تسعين في المئة من المغاربة لا يريدون خطة سعيد السعدي. وما تغافله الرميد ووعاه السعدي هو الحضور النضالي القوي للتنظيمات النسائية المدنية المغربية. تلك اللحظة، كانت أمينة المريني، وهي حداثية التوجه تقود شبكة من مئتي جمعية نسائية (مئتا جمعية نسائية مغربية غير حكومية عدد كبير جدا). وهي الشبكة التي كانت وراء تنظيم أكبر مظاهرة في الشارع لمساندة ((خطة إدماج المرأة في التنمية)) في العام 2000.

وإذا كان الأمر هكذا، فهناك ما هو أهم مما لا يعيه الاتجاه المحافظ، وهو موقف السلطات العليا المنطبع على الدوام بالانتصار لقضايا المرأة المغربية. فحين اعتلى الملك محمد السادس العرش في نهاية القرن الماضي جعل قضية المرأة المغربية من بين أولوياته. وليس بدون دلالة احتفاظه بعبد الرحمان اليوسفي وزيرا أول، وسعيد السعدي وزيرا، علما أن هذا الأخير هو صاحب ما أضحى يسمى في تاريخ المدافعة بشأن قضية المرأة المغربية بـ((خطة إدماج المرأة في التنمية)).. ولقد سجل التاريخ بهذا الخصوص حدثا غير معهود يدعم ضمنيا ورمزيا توجه مساندة قضية المرأة المغربية. فبمناسبة اليوم العالمي للمرأة، استقبل الملك بتاريخ 8 مارس من العام 2001 كل ممثلات الجمعيات النسائية المدنية غير الحكومية وفيهن حداثيات ومحافظات وأبلغهن دعمه الملكي لمشروع إصلاح مدونة الأسرة تلك…

وفي الاتجاه ذاته سجل التاريخ أيضا تزكية المجلس الأعلى للعلماء توصيات لجنة مراجعة المدونة. وللموقف هذا ثقله بالنظر إلى موقع العلماء في المجتمع المغربي خاصة.

وهكذا ففي الوقت الذي نلاحظ فيه وحدة الحداثيين رجالا ونساء في ما يخص تبني قضايا المرأة والدفاع عن حقوقها بتعديل بل وتغيير تصورات الماضي للمجتمع وللمشرع، أيا كان انتماؤهم، لليمين أو لليسار، فإننا نلاحظ أيضا الاختلاف بل والتباعد بين رجال الاتجاه المحافظ ونسائه في بعض قضايا المرأة وخاصة ما يمس ((تغيير القوانين)). ويمثل هذا ((التغيير)) المطلب الرئيسي في المنازلة التي تدور حول تلك القضايا في المجتمع المغربي بعقيدتيه الدينيتين، العقيدة الإسلامية والعقيدة اليهودية معا…

ويحمل كل هذا التجاذب، كما هو في قوته وقساوة معركته، دلالة عميقة تبين بكل وضوح ((مركزية المسألة النسائية)) في ما نسميه إعادة تشكيل المجتمع المغربي، علما أن الأسرة ومضمون التصور الذي يتم تبنيه قانونيا بخصوصها هي العنصر المحوري في كل تغيير يقره المجتمع بحسم من مؤسسة إمارة المؤمنين باعتبار هذا التغيير هو في العمق صيرورة يخضع فيها لديناميات التحول السوسيولوجي، الذي ينطبق على كافة المجتمعات البشرية أيا كانت ثقافاتها.

وإنه ليصح القول إنه ما عدا القضية الفلسطينية لا يتقارب المحافظون والحداثيون في شيء. إلا أن المعسكرين في قضية المرأة وحقوقها متنابذان على نحو صادم. من هنا أهمية وإيجابيات الحسم الملكي في هذه القضية بالذات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى