شوف تشوف

الرئيسيةسري للغايةسياسية

بوضياف كان معزولا ومستشاروه كانوا منقطعين عن الواقع

يونس جنوحي

سبق للصحافي هشام عبود أن أشار، في هذه المذكرات، إلى أن مافيا الجنرالات الذين سيطروا على البلاد، كانوا دائما يريدون رئيسا أميا للبلاد. رجلا غير متفقه في السياسة ولا يتقن الدوران عبر تجاويفها الفارغة، وما أكثرها في الجزائر. لماذا، إذن، اختاروا الرئيس محمد بوضياف، الذي كان يتنفس السياسة، لكي يجلس في كرسي رئاسة الجمهورية؟

 

عاش الرئيس

لم يكن الجنرالات يحتاجون إلى المخابرات العسكرية لكي يحددوا نسبة شعبية محمد بوضياف في أوساط الجزائريين. كانوا يعرفون مسبقا أنه محبوب في العاصمة ونواحيها، وفي كل مكان كان ينشط فيه جيش التحرير الجزائري خلال خمسينيات القرن الماضي. بل إن شعبيته كانت كبيرة جدا حتى في المنطقة الحدودية مع المغرب، بحكم أن بوضياف كان صديقا لأعضاء جيش التحرير المغربي، وللملك الراحل الحسن الثاني منذ كان وليا للعهد.

وهكذا كان الشباب الجامعيون في الجزائر يدركون أن مرحلة محمد بوضياف سوف تكون إيجابية بدون شك، وأن عهده لن يشهد أي مواجهات مع المغرب، خصوصا وأن مرحلة سنة 1992 عرفت تردد شباب الجزائر على مدينة وجدة، قبل أزمة إغلاق الحدود حيث عاشوا على بيع السلع في السوق السوداء، وكانت السلطات تغض الطرف عنهم لإدراكهم أن هذا النوع من الأنشطة الاقتصادية يعيل آلاف العائلات ويُجنب البلدين أي تأزم للأوضاع الاقتصادية وحتى الأمنية على الحدود. كان بوضياف، إذن، هو صمام أمان الشارع الجزائري حتى لا تتكرر المظاهرات التي أشعلت البلاد في السابق.

 

المنفيون

كان هناك مشكل كبير أمام محمد بوضياف منذ اللحظة التي وضع فيها قدميه فوق أرضية مدرج نزول الطائرات في العاصمة الجزائر. كان يحتاج إلى فريق من المستشارين لكي يشتغلوا معه. وبالتأكيد، فإنه لن يتفاهم نهائيا مع فريق المستشارين السابقين ولن يتفاهم مع قادة الجيش الذين بسببهم غادر البلاد لعقود. إذا كان الخطاب الاحتفالي بعودته إلى البلاد كُتب له سلفا وقام بدسه في جيبه وارتجل خطابا عفويا، باعتباره سياسيا مفوها، فإنه بالتأكيد يحتاج إلى فريق مستشارين من خارج دائرة الجنرالات وحتى السياسيين.

يقول هشام عبود إن محمد بوضياف أحاط نفسه، منذ مباشرة صلاحياته رئيسا للبلاد، بمستشارين كانوا أيضا في المنفى. يقول: «أحاط بوضياف نفسه بمستشارين عاشوا أيضا في المنفى، كانوا منقطعين تماما عن الواقع الجزائري. وضع بوضياف صهره أمين عبد الرحمن رئيسا لديوانه، والذي لم يكن يتوفر على أية خبرة في هذا المجال. أما بالنسبة للأربعة الآخرين الذين كانوا أعضاء الهيئة العليا للدولة، فقد كانوا عاجزين تماما عن تقديم أية مساعدة له.

تاج الدين حمدان عاد من باريس، ولم يكن لديه أي اتصال بالطبقات العليا للسلطة منذ أن غادر البلاد سابقا خلال سنوات السبعينيات، حيث كان سابقا وزيرا للصحة. وبعد أن قضى بضع سنوات في تونس سفيرا، عاد إلى مزاولة مهنته باعتباره طبيبا جراحا لأمراض القلب في مستشفى «مصطفى» في العاصمة الجزائر».

بدا واضحا أن مهمة بوضياف لن تكون سهلة، منذ اللحظة التي رفض فيها قراءة الخطاب الذي كُتب له عند وصوله إلى البلاد. كانت تلك إشارة واضحة منه إلى أنه انقلب على الجيش منذ الثانية الأولى لوصوله إلى الجزائر. لكن المشكل أنه لم يكن مستعدا للحرب التي كانت تنتظره، ولم يكن قادرا على ربحها بهذه النخبة التي أحاط نفسه بها. فقد أعطى هشام عبود هنا مثالا على وجود أناس معزولين تماما عن دوائر السلطة إلى جانبه. مثل علي كافي، الذي اشتغل معه في رئاسة الجمهورية، ولم يكن يعرف أي شيء عن طريقة اشتغال الجيش ولا صلاحياتهم. فقد كانت معرفته بدوائر الجيش تعود إلى فترة الاشتغال في صفوف الجيش الفرنسي، ولم يكن يعرف أي شيء عن جيل الجنرالات الذين وصلوا إلى السلطة في ثمانينيات القرن الماضي.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى