رغم الميزانيات الضخمة التي صرفتها وزارة التربية الوطنية، طيلة السنوات الماضية، على مختلف البرامج والمنصات الرقمية، فإن الأعطاب التي عرفتها بوابة الترشح لمباراة التعليم، طيلة الأيام السابقة، تعيد إلى الواجهة أسئلة تهم جودة وحكامة الصفقات التي أبرمتها الوزارة لتوفير بنية تحتية تواكب رهان رقمنة الخدمات التعليمية.. حيث واجه آلاف المترشحين مشاكل تقنية في تسجيل أنفسهم في البوابة الرقمية المخصصة لذلك، الأمر الذي دفع الوزارة إلى «العودة للورق» والسماح لهؤلاء بإيداع ملفات ترشحهم يدويا كما كان عليه الأمر في عقود ما قبل التكنولوجيا الرقمية.
المصطفى مورادي:
العودة إلى عصر الملفات الورقية
أعلنت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة عن ما أسمتها «تسهيلات لفائدة المترشحين الذين لم يتمكنوا من الترشح عبر البوابة الإلكترونية المخصصة لمباريات ولوج سلكي تأهيل أطر التدريس والأطر المختصة بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين برسم دورة أكتوبر 2024». وجاء، في بلاغ للوزارة، أنه يتعين على المترشحين التوجه إلى المصالح المختصة القريبة من مقر سكناهم، مصحوبين بالوثائق المطلوبة، حتى يتسنى لهم الترشح وإيداع ملفات ترشيحاتهم.
هكذا، وللسنة الخامسة على التوالي، يواجه المترشحون لمختلف مباريات قطاع التعليم مشكلات في تسجيل ترشيحاتهم بسبب الأعطاب التي تصيب البوابة الرقمية الخاصة بهذه المباريات، وهو الأمر الذي حرم المئات من حاملي الشهادات من حقهم في الترشح. وككل مرة تلجأ الوزارة إلى الحلول «الترقيعية» المتمثلة في العودة للملفات الورقية، حيث سمحت للمترشحين بالترشيح «المادي» بدل الرقمي، علما أن حجم الميزانيات التي تم صرفها في السنوات العشر الماضية على الرقمنة تتجاوز المليار درهم تفيد مصادر موثوقة في وزارة التربية الوطنية.
المشكلة التي واجهها المترشحون لم تقف عند حدود تعطل البوابة الرقمية المذكورة، حيث اشتكى عدد من المقبلين هذه السنة على مباراة التعليم بعطل في تطبيق « NFC/هويتي الرقمية»، للتحقق من الهوية، أثناء قيامهم بالتسجيل الإلكتروني، وسط مخاوف من ضياع فرصهم في اجتياز المباراة على بعد أيام قليلة من نهاية أجل التسجيل. ودوّن عدد من المهتمين بالمباراة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، استمرار تعطل هذا التطبيق في هواتفهم بعد عودة موقع التسجيل الإلكتروني للاشتغال من جديد.
وقال أحدهم: «تم فتح موقع التسجيل لنجد تعطل تطبيق (NFC)، أين هي جودة المواقع وتسهيل عملية التسجيل وتقريب الإدارة من المواطن؟». وأضاف مشتك آخر أنه «جرّب ثمانية هواتف مختلفة لتشغيل التطبيق، لكن دون أي حل»، متسائلا عن «السبل التقنية التي يجب اتخاذها لمواجهة هذا المشكل».
هل هي أزمة حكامة؟
يتعلق الأمر ببرامج وضعت بغاية مواصلة إدماج التكنولوجيات الحديثة للإعلام والتواصل في تدبير المنظومة التربوية بصفة عامة، وتحسين الخدمات الإلكترونية عن بعد لفائدة المترشحين للامتحانات الإشهادية بصفة خاصة، غير أن الصفقات التي تم إبرامها لتوفير البنية التحتية المناسبة لهذا الاختيار أثبتت وجود اختلالات تهم جودة التجهيزات المقتناة وأيضا البرامج الرقمية التي تم اقتناؤها بالعملة الصعبة عبر موردين أمريكيين وصينيين وكوريين.
الأعطاب المتكررة لمختلف المنصات الإلكترونية التي تملكها وزارة التربية الوطنية تعيد إلى الواجهة مطالب بالإعلان عن نتائج التحقيقات التي خضعت لها بعض هذه البرامج، وعلى رأسها برنامج «جيني».
هذا البرنامج الشهير، الذي حولته الوزارة منذ 2009 إلى كيان إداري خاص، وظل طيلة سنوات بعيدا عن الرقابة، تم بناؤه على أربعة مكونات رئيسية هي: البنية التحتية وتكوين المدرسين، والموارد الرقمية وتطوير الاستعمالات. وكل هذه المكونات خصصت لها ميزانيات ضخمة، منها التعاقد مع خمس شركات اتصالات، وظلت تفاصيل هذه التعاقدات سرية إلى اليوم، ورغم الخدمات السيئة التي كانت تقدمها هذه الشركات بشهادة كل الفاعلين، فإن البرنامج ظل يعيش اختلالات منذ 2009، رغم محاولات تجديده، حيث وصلنا الآن إلى النسخة الرابعة.
وتضمن البرنامج، أيضا، اقتناء سلسلة من الموارد الرقمية منذ سنة 2010 وتوفيرها لفائدة المؤسسات المجهزة. فضلا عن توفير حواسيب مثبتة بها مسبقا موارد رقمية. وبالتالي، تم اقتناء أكثر من 136.000 محتوى رقمي على أقراص مضغوطة، وتكوين 250 مفتشا وتأطير 20.000 مدرس على يد مفتشين. هذا فقط في النسخة الأولى، ليتضاعف العدد مرات عديدة في النسخة الرابعة المعمول بها حاليا.
في السياق ذاته، ورغم أن رئيس الحكومة الحالية كان أعلن، في التصريح الحكومي خلال عملية التنصيب البرلماني، التزام الحكومة بتسريع وتيرة التحول الرقمي بوصفه أحد المحاور الخمسة الأساسية الكفيلة بتنزيل ثالث أولويات البرنامج الحكومي، المتعلقة بتكريس الحكامة الجيدة في التدبير العمومي، سجل المجلس الأعلى للحسابات، في تقريره الأخير لسنة 2022، مجموعة من الملاحظات السلبية في تدبير الموارد البشرية بقطاع التربية الوطنية، وخلص إلى أن الوزارة لا تتوفر على نظام معلوماتي للموارد البشرية يمكن من الحصول على معطيات موثوقة ومحينة، حيث سُجلت اختلافات في مجموعة من المعلومات الصادرة عن الوزارة وتلك التي تتوفر عليها الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، ناهيك عن أن النظام المعلوماتي الحالي غير قادر على توفير معطيات مفصلة حول المنظومة التعليمية وطنيا وجهويا ومحليا، وعلى ربط المعلومات في ما بينها، وكذلك المرتبطة بالموارد البشرية والمؤسسات التعليمية والنتائج المدرسية للتلاميذ.
///////////////////////////////////////////////////////////////////
لنرتق قليلا
نافذة:
إذا كان تسقيف سن المدرسين في 30 سنة مفيدا يجدر أيضا تسقيف سن المترشحين لمباريات التفتيش والتوجيه والتخطيط والإدارة والمترشحين لمختلف مراتب المسؤوليات
كان منتظرا أن تثير الشروط التي أصر عليها شكيب بنموسى لمباراة هيئة التدريس كل هذا الجدل، وخاصة استمرار شرط الثلاثين سنة، غير أنه جدل وصل حدود الصفاقة و«قلة التربية». فبدل الحديث والاحتجاج بلغة حضارية وبالحجج القانونية والفكرية المقنعة، اختار كثيرون «تشخيص» هذا الجدل، فتفرغوا، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، للحديث عن المسار الشخصي والمهني للوزير شكيب بنموسى، مع أن اختياره لاعتماد الانتقاء بالسن والمسار الأكاديمي لا علاقة له بأنه كان مسيرا لشركة خاصة أو لكونه وزيرا سابقا للداخلية، كما لا علاقة لهذا القرار بكونه سفيرا سابقا للمغرب في العاصمة الفرنسية. وما صمت الأحزاب المشكلة للحكومة وكذا «تفهم» النقابات التعليمية للقرار، عقب آخر لقاء لها مع بنموسى، إلا دليل على أن معارضة تسقيف شروط الترشح في سن 30 وفرض شروط أكاديمية تجمع بين التعليم المدرسي والجامعي معارضة تتوقف على فئة معينة ترى نفسها متضررة من القرار، بينما فئات عريضة ترى الصواب فيه.
فكل من يهتم بتربية وتعليم ابنه أو ابنته أو أخيه أو أخته لن يتمنى له أو لها أستاذا/ة بدأت مشوارها المهني في السنة 50، أي بعد أن أصبحت جدة لأحفاد.
المعضلة، هنا، هي الانزلاق الأخلاقي الذي حدث، والذي تجلى في كون الكثيرين نقلوا معارضتهم لهذا المستجد من باب الحجاج القانوني والفكري والعلمي إلى مجال التعريض والطعن في الأعراض واتهام النوايا وتخوينها.
ولكي نفهم الصورة أكثر يكفي أن نقول إنه تم، في سنة 2020، توظيف أشخاص يبلغون 50 سنة، إذ منهم المتقاعد الذي استفاد من المغادرة الطوعية في مجالات عمومية وخاصة ليختار العمل مدرسا، ومنهم الجدة التي وجدت نفسها بدون أنيس بعد زواج الأبناء والبنات لتختار التعليم «باش تعمر وقتها».. لكن في 2021 تم فرض ما دون 30 سنة، أي عشرين سنة كاملة بجرة قلم.
كان من المفروض أن يتم الأمر بشكل «تعاقدي»، أي عبر تنزيل القرار بشكل تدريجي وفق رزنامة زمنية معلنة.. بحيث يعلم كل خريجي الجامعات المغربية نوايا الوزارة بخصوص مهنة الأستاذية، وليس تنزيل هذه الشروط بشكل فجائي كما حدث.
المشكلة إذن، في هذا الجدل الاجتماعي والسياسي، تكمن في أننا أمام طرفين تنقصهما الحكمة. طرف يرى في السب والشتيمة لغة للاحتجاج دون تقديم أدلة قانونية وتربوية وعلمية كافية لدعم رأيه، في مقابل طرف آخر تمثله الوزارة الوصية التي يسعى فيها الكثير من المسؤولين إلى إقناع الوزير الجديد بجدارة بقائهم وأحقية استمرارهم في المسؤولية. مع أن تسقيف السن في مهنة التدريس في الثلاثين سنة يفرض تسقيف السن في تولي المسؤوليات والمهام، إذ لا معنى أن يستمر مسؤولون في مسؤولياتهم سنوات بعد سن التقاعد، رغم مصاعبهم الصحية التي تفرض على بعضهم العمل في منازلهم. والمضحك المبكي أن نجد هؤلاء هم الأشد دفاعا عن فكرة تسقيف سن المترشحين في الثلاثين سنة.
فإذا كان تسقيف السن في 30 سنة مفيدا، يجدر أيضا تسقيف سن المترشحين لمباريات التفتيش والتوجيه والتخطيط والإدارة، كما يجب أيضا تسقيف سن المترشحين للمسؤوليات الإقليمية والجهوية والمركزية.. فلا معنى للتمديد الذي يستفيد منه بعض المسؤولين بعد بلوغهم سن التقاعد. فهذه الأرض لم ولن تكون عاقرا لتنجبهم وحدهم.
/////////////////////////////////////////////////////////////////
رقم:3000
أعلنت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة عن تنظيم المنتدى الوطني للمدرس في دورته الأولى بالرباط يومي 26 و27 شتنبر الجاري، تحت شعار «المدرس محرك تطور التربية والتعليم». ويشارك أزيد من 3000 أستاذ وأستاذة في المنتدى الوطني الذي ينظم تحت الرعاية السامية للملك محمد السادس، وبشراكة مع مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين. ويستهدف المنتدى المدرسين والفاعلين في قطاع التعليم بالمغرب والخارج، بحضور أزيد من عشرين متحدثا دوليا وأزيد من 100 مصدر محتوى لإثراء معارف مهنيي التربية والتعليم.
وسيتنوع البرنامج العلمي في مختلف فضاءات المنتدى بين مداخلات رئيسية، وموائد مستديرة ومحاضرات ودورات تدريبية، وورشات حول البناء المشترك، وتقنية الارتجال ولعب الأدوار، والذكاء الاصطناعي في خدمة التربية وبرنامج تلفزي وعرض دائم.
وتناقش محاور المنتدى الأربعة التكوين في مهنة التدريس، والتفتح في العمل، وتبني ممارسات فعالة في القسم وكيفية فهم الأساتذة لتلامذتهم.
////////////////////////////////////////////////////////////////
تقرير:
هل تراجعت الوزارة عن اتفاق تخفيض ساعات العمل؟
تكتم على نتائج دراسة حول الموضوع منذ أبريل الماضي
نافذة:
الوصول إلى نظام ساعات عمل يراعي التوازن بين الحياة المهنية والشخصية للعاملين مع الحفاظ على استمرارية التعليم وتحقيق نتائج تعليمية أفضل
تُعتبر مراجعة ساعات العمل في قطاع التعليم من أهم الملفات التي تضمنها اتفاقا 10 و26 دجنبر 2023، اللذان جمعا بين وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة والنقابات التعليمية. وجاءت هذه النقطة استجابة لمطالب الأساتذة والمعلمين الذين يطالبون بتحسين ظروف عملهم، بما في ذلك مراجعة ساعات العمل، لتتناسب مع متطلبات الجودة التعليمية وظروف التدريس الحديثة.
جزء من الاتفاق مع النقابات
كانت تقارير صحفية تحدثت، بداية شهر أبريل الماضي، عن شروع وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة في تدارس تعديل ساعات التعلم في المؤسسات التعليمية عبر إجراء دراسة ميدانية استطلاعية، في مرحلة أولى، تهم تدبير الزمن المدرسي والإيقاعات المدرسية.
وتهدف الدراسة إلى رصد مدى ملاءمة وفعالية الزمن المدرسي لاحتياجات وقدرات المتعلمين، وإجراء دراسة مقارنة لنماذج الزمن المدرسي في بعض الأنظمة التربوية المعاصرة، ودراسة سبل مراجعة عدد ساعات الدراسة الأسبوعية للمتعلمين وتقديم مقترحات لملاءمة الزمن المدرسي مع المستجدات التربوية.
وأكدت التقارير، اعتمادًا على وثيقة تقنية اطلعت عليها الجريدة، أن العمل بهذه الدراسة الميدانية سينطلق ابتداءً من منتصف أبريل عبر أربع مراحل تنتهي برفع تقرير الدراسة إلى الوزير الوصي على القطاع قبل متم شهر يونيو الماضي، غير أن الوزارة لم تصدر أي تفاصيل حول الإجراءات المتعلقة بمراجعة ساعات العمل، كما أنها لم تفصح عن نتائج هذه الدراسة.
في انتظار رأي لجنة ملاءمة المناهج
شددت الوزارة، في عدة مناسبات، على أنها ستعمل بجدية على دراسة هذا الملف بالتشاور مع مختلف الشركاء الاجتماعيين، بما في ذلك النقابات التعليمية التي تمثل الأساتذة والعاملين في القطاع، مع الحرص على خلق توازن بين تحسين ظروف العمل للأساتذة وتلبية متطلبات الجودة في التعليم، بهدف الوصول إلى نظام ساعات عمل يراعي التوازن بين الحياة المهنية والشخصية للعاملين، مع الحفاظ على استمرارية التعليم وتحقيق نتائج تعليمية أفضل.
وأوردت التقارير ذاتها أن الوزارة تفكر بشكل جدي في خفض عدد ساعات العمل الرسمية مع التركيز على تنظيمها بشكل أفضل، مما قد يتطلب إعادة هيكلة الفصول الدراسية وتوزيع الحصص بشكل مرن وأكثر فعالية.
وتنص المادة 68 من النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية على أن مدة التدريس الأسبوعية لأطر التدريس تُحدد بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالتربية الوطنية، وذلك بعد استطلاع رأي اللجنة الدائمة لتجديد وملاءمة المناهج والبرامج، المحدثة طبقاً لأحكام المادة 28 من القانون-الإطار رقم 51.17، في ما يتعلق بمراجعة البرامج والمناهج الدراسية وأثرها على تخفيف الزمن الدراسي والإيقاعات الزمنية. وإلى حين صدور القرار المشار إليه بالجريدة الرسمية، يستمر العمل بمدد التدريس الأسبوعية بمختلف الأسلاك التعليمية، المعتمدة قبل دخول هذا المرسوم حيز التنفيذ.
وينتظر العاملون في قطاع التعليم صدور قرارات رسمية حول هذا الملف، وسط توقعات بأن تكون هناك إعلانات مهمة في هذا الخصوص قريباً، مع بروز عدة أسئلة مفتوحة حول مدى التزام الأطراف بمواصلة الحوار والتفاوض من أجل الوصول إلى حلول ترضي الجميع وتحقق الجودة، وتساهم في تحقيق الاستقرار في قطاع التعليم، الذي يعد من أهم ركائز التنمية في البلاد.