شوف تشوف

الرئيسيةالملف السياسيسياسية

تفاصيل القانون التنظيمي للإضراب

سيبرمج بالدورة البرلمانية الحالية باتفاق بين الحكومة والنقابات و«الباطرونا»

تم الاتفاق بين الحكومة والنقابات والاتحاد العام لمقاولات المغرب على إخراج القانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، وستعمل الحكومة على برمجة مناقشة المشروع والمصادقة عليه خلال الدورة البرلمانية الربيعية الحالية، وسيتم إخراج القانون التنظيمي من خلال الاتفاق على المبادئ الأساسية المتمثلة في ضمان انسجام مشروع القانون التنظيمي مع أحكام الدستور، ومع التشريعات الدولية، وضمان التوازن بين ممارسة هذا الحق الدستوري وحرية العمل، وتدقيق مختلف المفاهيم المتعلقة بممارسة حق الإضراب، وضبط المرافق التي تستوجب توفير حد أدنى من الخدمة خلال مدة سريان الإضراب، وتعزيز آليات الحوار والتصالح والمفاوضة في حل نزاعات الشغل الجماعية.

 

 

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي

تفاصيل القانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب

 

 

تم الاتفاق بين الحكومة والنقابات والاتحاد العام لمقاولات المغرب على إخراج القانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، وستعمل الحكومة على برمجة مناقشة المشروع والمصادقة عليه، خلال الدورة البرلمانية الربيعية الحالية.

وأكد يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، أنه سيتم إخراج القانون التنظيمي من خلال الاتفاق على المبادئ الأساسية المتمثلة في ضمان انسجام مشروع القانون التنظيمي مع أحكام الدستور، ومع التشريعات الدولية، وضمان التوازن بين ممارسة هذا الحق الدستوري وحرية العمل، وتدقيق مختلف المفاهيم المتعلقة بممارسة حق الإضراب، وضبط المرافق التي تستوجب توفير حد أدنى من الخدمة خلال مدة سريان الإضراب، وتعزيز آليات الحوار والتصالح والمفاوضة في حل نزاعات الشغل الجماعية.

وأشار الوزير إلى أنه سيتم العمل على إدراج هذه المبادئ في صيغة مشروع القانون التنظيمي المتعلق بشروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، التي سبق إيداعها بالبرلمان، بعد استكمال مناقشة تفاصيل بنوده مع الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين، باعتماد منهجية الحوار مع السعي إلى التوافق.

يذكر أن مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب ما زال يراوح مكانه بمجلس النواب منذ سنة 2016، في انتظار بدء مسطرة دراسته بلجنة القطاعات الاجتماعية، وسبق لهذه اللجنة أن عقدت اجتماعا خصص لتقديم المشروع، خلال الولاية الحكومية السابقة، ما أثار جدلا كبيرا بين الحكومة والنقابات، حيث رفضت هذه الأخيرة الشروع في مسطرة المصادقة على القانون، وطالبت بسحب المشروع من البرلمان، وفتح مشاورات جديدة بشأنه، قبل إعادة برمجته على أجندة أعمال البرلمان، وهو ما أدى إلى تأجيل دراسته بطلب من الحكومة إلى أجل غير مسمى.

ويعتبر مشروع القانون من ضمن آخر القوانين التنظيمية التي نص عليها الدستور، والتي طال أمد انتظار إخراجها، لكن يظل الهدف الأساسي واضحا يتمثل في تنظيم ممارسة هذا الحق الدستوري بما يضمن تأطير وتحسين العلاقات المهنية ويضمن ممارسة حق الإضراب، ويكفل التوازن بين مصالح الأفراد والجماعات والتوفيق بين الحقوق والواجبات التي تعتبر أهم مقومات دولة الحق والقانون.

وينص الدستور في فصله التاسع والعشرين على أن “حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي مضمونة. ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات. حق الإضراب مضمون. ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته”، ولذلك فإن تحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب بموجب قانون تنظيمي يكسبه أهمية كبيرة، نظرا إلى كون القوانين التنظيمية تأتي في المرتبة الثانية بعد الدستور.

ويتكون مشروع قانون الإضراب من خمسة أبواب ومن 49 مادة، ونص في المادة الخامسة على أن “كل دعوة إلى الإضراب خلافا لأحكام هذا القانون التنظيمي تعتبر باطلة، كما يعتبر كل إضراب لأهداف سياسية ممنوعا”، ووضعت الحكومة قيودا عديدة على ممارسة الإضراب، حيث يوجب مشروع القانون، حسب المادة السابعة، إجراء مفاوضات بشأن الملف المطلبي للعمال قبل الدعوة إلى الإضراب، وذلك قصد البحث عن حلول متوافق عليها، ولهذه الغاية يمكن للأطراف الاتفاق على تعيين وسيط، ويضيف أنه في حالة تعذر المفاوضات أو فشلها يتعين بذل جميع المساعي اللازمة لمحاولة التصالح بين الطرفين، وتنص هذه المادة على أنه لا يمكن اللجوء إلى ممارسة حق الإضراب، إلا بعد انصرام أجل 30 يوما من تاريخ توصل المشغل بالملف المطلبي من الجهة التي يمكن لها الدعوة إلى الإضراب.

وينص المشروع كذلك على ضرورة اتخاذ قرار الإضراب من قبل الجمع العام للأجراء، يحضره ثلاثة أرباع أجراء المقاولة أو المؤسسة، والذي يجب أن تدعو إليه الجهة الداعية إلى الإضراب خلال 15 يوما على الأقل من التاريخ المزمع عقد الجمع العام فيه، وكذا تبليغ المشغل عن مكان انعقاده قبل 7 أيام، مع اشتراط الحصول على موافقة أغلبية العمال قبل خوضه، وبلوغ نوع من النصاب القانوني قبل الشروع في الدعوة إلى الإضراب، ولا بد من الإخطار بقرار الإضراب بمهلة لا تقل عن 10 أيام، مع ضرورة تحديد دواعيه ومكانه وشكله، والكشف عن أسماء المندوبين الداعين إليه، في حال عدم وجود نقابة بالمؤسسة.

ويعتبر مشروع القانون المشاركين في الإضراب بالمادة 14 من المشروع في حال توقف مؤقت عن العمل خلال مدة إضرابهم، ولا يمكنهم الاستفادة من الأجر عن المدة المذكورة، ويلزم النص الجهة الداعية إلى الإضراب بإبلاغ رب المقاولة أو المشغل والسلطات المسؤولة ومديرية التشغيل بقرار الإضراب، قبل 15 يوما على الأقل من التاريخ المقرر لخوضه، مع تخفيض هذه المدة إلى 5 أيام، في حال ما إذا كان الأمر يتعلق بعدم أداء المشغل لأجور العاملين، أو وجود خطر يتهدد صحتهم وسلامتهم.

وتنص المادة 15 من القانون على أنه يمكن أن يتخذ قرار الإضراب على الصعيد الوطني في جميع القطاعات أو بعضها أو في قطاع واحد أو في عدة أنشطة معينة داخل نفس القطاع أو في قطاعات مختلفة، من قبل الجهاز التداولي المختص لإحدى النقابات الأكثر تمثيلا أو ذات تمثيلية على الصعيد الوطني، وذلك طبقا لأنظمتها الأساسية.

ويمنع حسب المادة 23، بعد إنهاء الإضراب أو إلغائه بمقتضى اتفاق بين الأطراف المعنية؛ اتخاذ قرار إضراب جديد دفاعا عن المطالب نفسها، إلا بعد مرور سنة على الأقل، أما في حالة الإضراب فيمنع على المضربين، حسب المادة 13، عرقلة حرية العمل خلال مدة سريان الإضراب، ويمنع عليهم احتلال أماكن العمل أو مداخلها أو الطرق المؤدية إليها، وحسب المادة 26، فيمكن لصاحب العمل حال ممارسة الإضراب خلافا لأحكام هذا القانون أن يطالب بالتعويض عن الخسائر والأضرار التي لحقت بالمقاولة.

ويمنع النص الأجراء من خوض إضراب للدفاع عن المطالب التي تمت الاستجابة لها لمدة تناهز السنة، وفي ما يتعلق بالقطاع العام، يلزم النص الجديد الجهة الداعية إلى الإضراب بإخطار قبلي لا يتعدى سبعة أيام، ويتضمن القانون سلسلة من المواد التي أدرجت عقوبات مادية وأخرى سالبة للحرية لكل من أخل بهذه البنود، ولم يتقيد بإجراءاتها التفصيلية، بالإضافة إلى تطبيق العقوبات التأديبية.

تمرير قانون الإضراب مقابل «تجميد» قانون المنظمات النقابية

 

بعد الاتفاق على إخراج القانون التنظيمي للإضراب، تواجه الحكومة مهمة صعبة في إخراج القانون التنظيمي للنقابات، الذي سيضبط الحقل النقابي، وذلك بعدما عجزت الحكومتان السابقتان عن تمرير هذا القانون. ويرفض الكتاب العامون للمركزيات النقابية إدراج هذه النقطة في جدول أعمال الحوار الاجتماعي، بعدما تقدموا سابقا بطلب لمنحهم مهلة لتقديم ملاحظاتهم ومقترحاتهم بخصوص هذا القانون، وذلك من أجل ربح المزيد من الوقت إلى حين نهاية الولاية الحكومية الحالية.

وينص الفصل 8 من الدستور على وضع القانون المتعلق بالنقابات على غرار قانون الأحزاب، يحدد القواعد المتعلقة بتأسيس المنظمات النقابية وأنشطتها، وكذا معايير تخويلها الدعم المالي للدولة وكيفيات مراقبة تمويلها، وأن هذا الفصل، بالإضافة إلى تأسيسه للخطوط العريضة للحرية والمطابقة والدمقرطة، يحيل، كذلك، على القانون الذي سينظم القواعد المنظمة لتأسيس المنظمات النقابية ومعايير تحويل الدعم المالي للدولة ومراقبة هذه النقابات، وبالتالي فإن دستور 2011 حدد الخطوط العريضة لهذا القانون، ومن ثمة فالحكومة ملزمة بتسريع إخراج قانون النقابات إلى حيز الوجود. إضافة إلى ذلك تضمن الدستور مقتضيات ضمن الفصل 9، التي تحدد الضمانات القضائية المتعلقة بالحل أو التوقيف، وهذا الفصل جاء لإعطاء ضمانات للمنظمات النقابية لممارسة أنشطتها بطريقة سليمة، فضلا عن أن الفصل 29 من الدستور أسس لمجموعة من المبادئ المرتبطة بالانتماء النقابي.

وفشلت الحكومتان السابقتان في إخراج قانون يهم تنظيم الحياة النقابية وتعزيز الحكامة التنظيمية داخل الجسم النقابي المغربي، وكذلك تعزيز الرقابة المالية من خلال فتح المجال أمام آليات الافتحاص المالي للمركزيات النقابية من طرف قضاة المجلس الأعلى للحسابات على غرار الأحزاب السياسية التي تقدم حساباتها السنوية إلى المجلس، ومازال مشروع القانون محتجزا بمجلس النواب منذ حوالي ست سنوات، دون المصادقة عليه.

ويحدد مشروع القانون المعروض على البرلمان مدة ولاية زعماء النقابات، ويتضمن مقتضيات تهم، على الخصوص، «كيفية اختيار مرشحي النقابة أو المنظمة الذين سيكلفون بمهام الإدارة والتسيير في مختلف الأجهزة»، و«مدة ولاية الأعضاء المكلفين بالإدارة والتسيير داخل الأجهزة»، و«شروط الانخراط وإقالة واستقالة الأعضاء» إلى جانب «أحكام تكفل ضمان تمثيلية النساء والشباب في الأجهزة المكلفة بإدارة وتسيير النقابة»، و«الجهاز المكلف بمراقبة مالية النقابة أو المنظمة»، كما أكد على ضرورة احترام مواعد انعقاد المؤتمرات الوطنية والجهوية والمحلية، مشترطا أن «لا تتجاوز أربع سنوات»، ليردف أن «الفترة الفاصلة بين المؤتمرات العادية لنقابات العمال أو للمنظمات المهنية للمشغلين لا يجب أن تتجاوز المدة المنصوص عليها في النظام الأساسي في ما يتعلق بولاية الأعضاء المكلفين بإدارة وتسيير هيكل النقابة أو المنظمة على جميع المستويات». ناهيك عن أن النقابات أو المنظمات المهنية، مطالبة بـ«احترام تجديد هياكلها داخل الآجال المقررة في أنظمتها الأساسية تحت طائلة اعتبارها في وضعية غير قانونية وانعدام الأثر القانوني لأي تصرف صادر عنها قبل تسوية وضعيتها».

وينص مشروع القانون في المادة 100 على أن تمسك «المنظمات النقابية والمهنية للمشغلين، نظاما محاسبيا سنويا»، وأن «تحتفظ بجميع الوثائق المثبتة لمحاسبة المنظمة لمدة عشر سنوات تبتدئ من التاريخ الذي تحمله هذه الوثائق». ويلزم القانون، النقابات والمنظمات المهنية للمشغلين، بصرف الدعم المالي السنوي الممنوح لها «في الأغراض التي منح لأجلها»، معتبرا أن «كل استخدام كلي أو جزئي للدعم المالي الممنوح من طرف الدولة لأغراض غير التي منح لأجلها يعد اختلاسا للمال العام يعاقب عليه طبقا للقانون». وأكد المشروع على أن المجلس الأعلى للحسابات هو المؤسسة المخول لها «مراقبة صرف الدعم السنوي الذي تستفيد منه المنظمات النقابية الأكثر تمثيلا على الصعيد الوطني».

وأوضح مشروع القانون أنه «في حالة عدم توجيه التقرير السنوي داخل الأجل المحدد، أو إذا كانت المستندات التي تم الإدلاء بها غير كافية، أو لا تبرر جزئيا أو كليا استعمال الدعم المحصل عليه في الغايات التي منح من أجلها، يوجه الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات إنذارا إلى رئيس النقابة من أجل تسوية وضعيتها داخل أجل أقصاه 30 يوما، أو إرجاع مبلغ الدعم إلى الخزينة العامة للمملكة»، وأضاف «في حالة عدم استجابة النقابة المعنية لإنذار الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، فإنها تفقد حقها في الاستفادة من الدعم السنوي، كما تفقد حقها في الدعم في حالة عدم عقد مؤتمرها الوطني العادي وفق الآجال المنصوص عليها في نظامها الأساسي، وذلك بعد انصرام أجل أٌقصاه ستة أشهر من التاريخ المحدد لانعقاد المؤتمر»، على أن «تسترجع المنظمة هذا الحق ابتداء من تاريخ تسوية وضعيتها بهذا الخصوص».

علي لطفي *:

 

«المشهد النقابي غير مؤطر قانونيا وقانون الإضراب يجب أن يشمل جميع التنظيمات المهنية»

 

قال علي لطفي، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، إن «المشهد النقابي الوطني بالمغرب غير مؤطر بقانون، بمعنى أن التنظيمات النقابية في المغرب ما زالت تخضع لظهير 1957»، مشيرا إلى أن «دستور 2011 سطر الفصل الثامن منه طبيعة العمل النقابي، وهو الفصل الذي يجب أن يتم تنزيله من طرف الحكومة، وهو بعيد عن الفصل 29 المرتبط بقانون الإضراب، حيث إن هذا الفصل الثامن يوجب إخراج قانون منظم للعمل النقابي وأن تحتكم النقابات لهذا القانون على غرار قانون الأحزاب السياسية، وأن تنظم هذه النقابات مؤتمراتها في وقتها، وأن تراقب في ماليتها من طرف المجلس الأعلى للحسابات، والحديث هنا عن الدعم العمومي الذي تحصل عليه النقابات من طرف الدولة، وهي اليوم لا تُرَاقَب من طرف المجلس، باستثناء الميزانية المخصصة لانتخابات اللجان متساوية الأعضاء، انتخابات مجلس المستشارين، أما دون هذا فهي تتلقى دعما ولا يتم مرافقتها في ما يخص أوجه صرفه، وهو الدعم الذي تحصل عليه النقابات من رئاسة الحكومة».

في السياق ذاته، شدد لطفي على أنه «قبل الحديث عن إصدار القانون التنظيمي للإضراب، وجب على النقابات أن تكون مؤطرة في القانون الذي تخضع إليه في تنظيمها ومؤتمراتها وأجهزتها»، مبينا أن «الحكومة إن هي قامت بتنزيل قانون الإضراب على النقابات العمالية، فهي ستخالف الدستور الذي لا يتحدث عن كون حق الإضراب مضمون للنقابات العمالية فقط، بل أيضا نقابات «الباطرونا»، التي هي الأخرى من حقها تنفيذ إضرابات، وليس فقط العمال، حيث إنه بموجب الدستور فحق الإضراب مكفول لجميع التنظيمات، سواء العمالية والنقابية أو جمعيات المجتمع المدني». واعتبر أن «الحكومة تستعجل إخراج القانون التنظيمي للإضراب، بغرض إغلاق باب الإضرابات والاحتجاجات التي تقوم بها عدد من الهيئات، على رأسها التنسيقيات القطاعية، والتي تطمح الحكومة إلى تقييد ممارستها لهذا الحق، بداعي أنها ليست نقابات».

وشدد لطفي على أن «كل التنظيمات لها الحق المكفول في الإضراب، والحكومة تطمح إلى تكبيل هذا الحق الذي هو آخر سلاح في يد الطبقة العاملة من أجل الدفاع عن حقها»، مضيفا أن «هذا المشروع كان منذ عهد جمال أغماني، والحكومات المتعاقبة لم تتمكن من تمريره، لكن اليوم هناك دفع من طرف نقابة «الباطرونا» لتمرير هذا القانون، وذلك بداع أنها قبلت بقرار الزيادة في الحد الأدنى للأجور، وبالتالي فعلى الحكومة إخراج قانون الإضراب، بالإضافة إلى تعديل مدونة الشغل بغرض المرونة في الشغل، وهذا ما تلمح إليه «الباطرونا»، في حين أنه يجب مساءلتها عن مدى احترامها للحد الأدنى للأجر، خصوصا إذا علمنا أن هناك حوالي مليون و200 ألف أجير مسجلون في الضمان الاجتماعي من أصل 4 ملايين، لا يحصلون على الحد الأدنى للأجر، وهو ما يشكل خرقا لمدونة الشغل التي على «الباطرونا» احترامها، وهو الرقم الذي كشفه وزير التشغيل يونس السكوري، وهو ما يكشف أن «الباطرونا» تطالب بالحق في الإضراب، وهي لا تحترم حتى الحد الأدنى للأجر»، حسب لطفي.

وبخصوص إمكانية التنصيص على القانون التنظيمي للإضراب خلال الدورة البرلمانية الحالية كما تم الاتفاق عليه بين الحكومة والنقابات، قال لطفي إن «أشد ما نخشى أن يكون هناك اتفاق بمنطق المقايضة بين الحكومة والنقابات، بالزيادة في الأجور والحد الأدنى للأجور، مقابل تمرير قانون الإضراب وإصلاح التقاعد. وهذا الأمر إن تم سيكون خطيرا جدا وسيكون ورطة للنقابات التي شاركت في الحوار الاجتماعي ضد الطبقة العاملة، ولعل هذا الأمر بدأ يظهر من خلال تصريحات النعم ميارة، الكاتب العام لنقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، والذي هو رئيس مجلس المستشارين، في حين أن مواقف باقي النقابات التي هي الاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، فقد عبرتا عن رفضهما لمنطق المقايضة، ونرجو أن تثبتا على موقفهما هذا»، مبينا أن «الأساس الذي يجب أن تشتغل عليه الحكومة هو إصدار قانون النقابات، قبل القانون التنظيمي للإضراب».

ثلاثة أسئلة لمحمد زين الدين*:

«إقرار القانون التنظيمي للإضراب يتطلب روح توافق وطني بين الفاعلين الاجتماعيين»

 

  • هل عبد الاتفاق الاجتماعي بين الحكومة والنقابات الطريق نحو إخراج القانون التنظيمي للإضراب؟

تجب الإشارة إلى أن السياق السياسي لإخراج قانون الإضراب من شأنه أن يساعد على إزالة الاحتقان بين الحكومة والفرقاء الاجتماعيين على اعتبار الاتفاق الذي تم التوقيع عليه الرامي إلى الزيادة في الأجور، والإجراءات المصاحبة التي تصبو إلى تحسين الدخل للموظفين بشكل عام، من قبيل تخفيض الضريبة على الدخل والرفع من الحد الأدنى للأجور، وبالتالي فإن هذه الإجراءات من شأنها أن تدل الطريق نحو إخراج القانون التنظيمي للإضراب، والذي في تقديري يبقى صعبا لعدة اعتبارات، أهمها أنه منذ 2011 إلى الآن لم تتمكن الحكومات المعاقبة من التوصل إلى اتفاق بشأنه، وقد كانت أربعة مشاريع قوانين تنظيمية للإضراب ولم يتم تمريرها، زيادة على أن هذا القانون فيه حساسية كبيرة ويرتبط بفئة عريضة، كما أنه يتطلب بناء جسور من الثقة بين الفاعلين الاجتماعيين وبين السياسيين، ومما يظهر أن خطوات اتفاق أبريل 2024 من شأنها أن تساهم في تبسيط الطريق أمام الحكومة من أجل الدفع لإخراج هذا النص التنظيمي وإحداث انفراج بين كل الفرقاء السياسيين، غير أن الأمر يبقى خطوة غير كافية، وهو ما سبق وأكده وزير التشغيل والحماية الاجتماعية، يونس سكوري، والذي قال بأن إصدار هذا القانون يتطلب توافقا بين مكونات المشهد الاجتماعي، وهو ما سبق أيضا وأشرت إليه في السابق بأن إخراج هذا القانون يستوجب أن يكون توافقا بين الحكومة والنقابات وممثلي أرباب العمل.

إن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، من شأنها أن تؤدي إلى توافق مع الفرقاء الاجتماعيين، ووضعية القانون التنظيمي للإضراب مرتبطة بسنة 1962، وبالتالي فتمكن الحكومة من إخراج هذا القانون، سيشكل مكسبا مهما، حتى من الجانب السياسي للحكومة، لكونها ستكون قد تمكنت من تحقيق ما فشلت فيه باقي الحكومات منذ 1962، هذا دون الحديث عن ما يمكن أن يحققه هذا القانون من أجل تأطير العمل النقابي والخطوات الاحتجاجية. وأعتقد أن الحكومة قد تمكنت من تحقيق الخطوة الأولى في طريق إقرار هذا القانون، وهي الخطوة المرتبط بتذليل الصعاب من خلال التقارب والحصول على موافقة مبدئية من النقابات المشاركة في الحوار الاجتماعي، كما أرى أن الحكومة ستكون أمام خطوة ثانية وهي التي تتمثل في القوانين اللاحقة من قبيل تعديل أنظمة التقاعد، بالإضافة إلى إصلاح نظام المقاصة، والذي تواصل الحكومة الانخراط بقوة في سبيل تحقيقه، دون إغفال تأثيرات المناخ العام المرتبط بارتفاع التضخم وموجة الغلاء في المواد الاستهلاكية والمنتجات الفلاحية، وكلها عناصر تضع الحكومة أمام رهان التفكير كثيرا قبل سلوك خطوة طرح مشروع قانون الإضراب، لذلك فأنا لا استبعد حصول تعديل حكومي خلال الدورة البرلمانية الحالية، على اعتبار أن الحكومة مطالبة بتجديد الدماء ببروفايلات جديدة تحظى بجانب مهم من التوافق حولها في الساحة الوطنية وعلى المستوى السياسي، وهذا الأمر مسألة أساسية للغاية لتكون خطوة مرافقة للخطوة التي أقدمت عليها الحكومة بالزيادة العامة في الأجور.

 

  • ما الذي يمكن أن تلعبه النقابات في سبيل إخراج هذا القانون؟

 

إقرار مشروع القانون التنظيمي للإضراب ليس من الأمور السهلة، لعدة ارتباطات، منها أن هذا القانون من شأنه إن تم إقراره بصيغة سليمة أن يحقق مبتغى النقابة المواطنة، في ظل الحديث عن حالة شاذة تتمثل في تآكل النقابات، وهو الأمر الذي يطرح أيضا سؤال دور النقابات في إقرار هذا القانون، حيث إن النقابات تبقى طرفا أساسيا في الحوار الاجتماعي، في ظل غياب البدائل، ولكن مع هذا الأمر يجب التأكيد على أننا إزاء ظهور فاعلين جدد في الميدان، وهم التكتلات المهنية من قبيل التنسيقيات، والتي يجب على الحكومة أن تبحث عن صيغ من أجل إشراك هؤلاء الفاعلين الجدد والوسطاء الذين باتوا ينافسون النقابات من الجانب التأطيري، والذين على الحكومة أن تبحث لهم عن صيغة من أجل إدماجهم في المشاركة السياسية الاعتيادية، وهنا نؤكد على أن الحكومة مطالبة بإعادة النظر حتى في الإطار القانوني، من قبيل القانون المؤطر للمظاهرات في الطرق العمومية، والذي يمنح حصرا حق التظاهر للنقابات والأحزاب والجمعيات المدنية، ولا يستوعب هذه الفئة العريضة، والتي في الواقع تتظاهر بشكل كبير في الشارع. لذلك وجب إعادة النظر في قانون الحريات العامة، من أجل إدخال هؤلاء الفاعلين والذين يختلفون في توليفتهم عن النقابات، وهؤلاء الفاعلون إن لم يتم استيعابهم، فمن شأنهم أن يعرقلوا إخراج هذا القانون التأطيري للإضراب، هذا دون إغفال دور أرباب العمل والمطالبة بأن تكون لنا مقاولات مسؤولة، حيث لا يمكن أن نحمل الأجراء المسؤولية عن أي تعثر في طريق إقرار هذا القانون، بل أيضا أرباب العمل مطالبون باحترام مدونة الشغل والليونة مع التنظيمات النقابية مع توفير الجو نحو مقاولة مسؤولة، والتي تحقق الشروط الدنيا للإضراب، وإلا سيختل الميزان.

إن الغاية لدى الحكومة يجب أن تكون هي إخراج هذا القانون، بقدر ما يجب أن يحققه في إطار روح التوافق الوطني، التي يجب أن تغلب في إخراج القانون التنظيمي للإضراب، لعدة اعتبارات منها أن إخراجه هو احترام لروح الدستور، ولذلك وجب النظر إلى ما بعد تطبيق هذا القانون، والذي يجب أن يحقق ويجود مناخ الاستثمارات، كما يجب أن يحفظ كرامة ويحسن الجانب الاجتماعي للأجراء والموظفين، كما يحقق السلم الاجتماعي المنشود، والذي يبقى أساسيا.

 

  • ماذا بخصوص دور المؤسسة التشريعية المتمثلة في مجلس المستشارين والذي يضم الفرقاء الاجتماعيين؟

إن مجلس المستشارين بما يتشكل منه من تركيبة سياسية ونقابية هو عنصر قوة لدى الحكومة، علما أن مسطرة إقرار قانون الإضراب، الذي هو قانون تنظيمي، تختلف عن إقرار القوانين العادية، إذ يجب عرضه على المحكمة الدستورية، غير أن تشكيلة مجلس المستشارين التي تضم المهنيين، وتحمل الصبغة الاحترافية بخلاف مجلس النواب الذي يحمل الطابع السياسي، يبقى كما أشرت عامل قوة بالنسبة للحكومة، كما أن اتفاق 2024 لن يتيح للنقابات اللجوء إلى التصعيد، وهو الأمر الذي بدا ظاهرا في احتفالات فاتح ماي لهذه السنة، فيما تبقى مسألة دستورية هذا القانون هي النقطة الأهم في مرحلة إقراراه، كما أن هذه المرحلة تتطلب الرؤية الدقيقة والمتفحصة حتى من الزاوية التقنية في هذا القانون، ومدى شرعيته وتقبله من الفرقاء الاجتماعيين. واعتقد أن العوامل كلها الآن لصالح الحكومة من أجل تمرير هذا القانون الذي يحظى بالأهمية في المغرب الراهن.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى