شوف تشوف

الرأيالرئيسية

خبر زائف 

مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية، شهر نونبر القادم، تعود إلى الواجهة الإعلامية أزمة الأخبار الزائفة والسباق المحموم نحو الفبركة وحملات التشويه والتشهير بالخصوم السياسيين. يجوز لنا القول إن للصحافة الأمريكية باعا طويلا في «التخلويض» وتاريخا غير مشرف في اختلاق سيناريوهات كاذبة والترويج لأخبار زائفة. ولعل صحيفة «نيويورك تايمز» أسوأ مثال على ذلك.

تفجرت، خلال الأسابيع الماضية، فضيحة مهنية وأخلاقية من العيار الثقيل بسبب مقال مفبرك كانت نشرته «النيويورك تايمز»، نهاية دجنبر الماضي، بعنوان «صراخ بدون كلمات». تدعي فيه الكاتبة آنات شوارتز، وهي صانعة أفلام اسرائيلية تبين لاحقا أنها قامت بانتحال صفة صحفية، أن حركة حماس استعملت الاغتصاب الجنسي ضد النساء الاسرائيليات سلاح حرب أثناء هجوم السابع من أكتوبر، الأمر الذي أثار موجة تعاطف كبير لدى القارئ الغربي. كان مقال «نيويورك تايمز» المفبرك محاولة يائسة لاستمالة تعاطف المجتمع الدولي مع قرار الاستعمال المفرط للقوة العسكرية الذي تنهجه الحكومة الاسرائيلية.

انتقلت عدوى الأخبار الزائفة إلى المغرب مع صعود نجم مواقع التواصل الاجتماعي. حيث تجد أن «كلها يلغي بلغاه». إذ لم يقتصر تأليف السيناريوهات الخيالية على جحافل المؤثرين الذين يتخذون من الكذب حرفة يسترزقون بها عبر ادعاء المرض أو الطلاق أو المعاطية. بل طالت آفة تزييف الحقائق الجسم الصحفي الذي من المفروض أن يظل حارسا أمينا للخبر. من الملاحظ أننا نعيش اليوم أسوأ عصور السلطة الرابعة، حيث أصبح «الميكرو» مهنة من لا مهنة له. توالت فضائح بعض المنتسبين لهذا القطاع، فبعد واقعة «كريساج» ضيوف أحد البرامج الإذاعية والاستيلاء على متعلقاتهم الخاصة، تفجرت أخيرا فضيحة تتعلق بفبركة جريمة سرقة على المباشر تمت فيها الإساءة بشكل غير لائق إلى إحدى مؤسسات الدولة. فهل يعجز الإذاعي المغربي عن تقديم محتويات هادفة ومناقشة الواقع المعيش الزاخر بقضايا اجتماعية واقتصادية ساخنة تهم المواطن، حتى يتوسل بالتلفيق والتخلويض وتزييف الحقيقة طمعا في دولارات الأدسنس وعروض المستشهرين؟

لماذا أصبح الإعلام المغربي يفتقر للمهنية في الدفاع عن حيادية الخبر؟ ولماذا استعضنا عن التقارير الاستقصائية الجادة بلايفات المعاطية وتبادل الاتهامات التافهة؟ لقد تحول المشهد السمعي البصري في بلادنا إلى مسرحية هزلية مسيئة لصورة الوطن.

لم تشكل الدراما الرمضانية لموسم 2024 استثناء حين يتعلق الأمر بالعبث. لقد شاهدنا عروضا درامية هزيلة على مستوى الإخراج والأداء وكتابة السيناريو والحوار. بالإضافة إلى مسألة «محاباة الأقارب» أو ما يصطلح عليه بـ Nepotism  وهي التهمة التي لاحقت العديد من صناع الفن المغاربة، الذين يتعاملون بمبدأ «باك صاحبي» أثناء اختيار أسماء تفتقر إلى الموهبة لكن تربطها صلة قرابة بأحد المخرجين أو المنتجين. لاحظنا كيف وقعت بعض المسلسلات التي كانت حققت نجاحا جماهيريا باهرا في ما مضى، في فخ التكرار والنمطية.

تراوحت الأعمال الرمضانية بين طرح مواضيع تجارية استهلاكية لجلب المشاهدات والتطرق إلى بعض القضايا المجتمعية الحساسة، مثل مسلسل «دار النسا» الذي كان بمثابة احتجاج رمزي للدراما المغربية على التابوهات المجتمعية.

في هذا السياق، جاء مسلسل «دار النسا» ليتربّع على عرش نسب المشاهدة الرمضانية لهذا الموسم. ويستعرض العمل آفة زنا المحارم ويناقش وصمات العار الاجتماعي التي تلاحق الأمهات العازبات. لا تفوتنا الإشارة إلى الرمزية المهمّة التي يمثلها عنوان المسلسل، حيث يحمل العقل الجمعي الشعبي نوعًا من الاحتقار الضمني لبيت تغيب فيه السلطة الأبوية. لقد طرح «دار النسا» المفهوم الاجتماعي لحرية الجسد والجدل القائم حول حق النساء في الإجهاض. مواضيع شائكة تم التطرق إليها بجرأة وشجاعة.

ونحن نسدل الستار اليوم على السباق الدرامي الرمضاني لا يسعنا إلا الشعور بالحسرة على افتقار مكتبتنا التلفزيونية أو السينمائية المغربية لعمل من طينة مسلسل «الحشاشين»، الذي كان نجم الموسم الرمضاني بدون منازع، رغم تعرضه لهجوم جماهيري واسع وتقييمات سلبية من طرف النقاد، لأسباب متعددة أبرزها استخدام اللهجة العامية المصرية بدل الفصحى التي طالما تم اعتمادها في الأعمال التاريخية، إضافة إلى المغالطات الكرونولوجية والتاريخية التي وقع فيها صناع المسلسل، على حد تعبير المتخصصين في هذا المجال. يجوز لنا القول إن هذا التفاعل السلبي مع «الحشاشين» ظل محدود الأثر، لما عرفه المسلسل من نسب متابعة عالية وإشادة من طرف شريحة عريضة من المشاهدين. إذ نلاحظ تعطّشًا كبيرًا لدى المتفرج المغربي/العربي لأعمال درامية من صنف الفنتازيا التاريخية.

لقد نجح الحشاشون من جديد في بث القلق في عقول المؤمنين بامتلاك الحقيقة التاريخية المطلقة. فمتى ينجح الفن المغربي في تقديم عمل تاريخي يليق بمجد هذه الأمة، عوض الاكتفاء بتقديم قصص الحشايشية د راس الدرب؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى