
حسن البصري
الديربي ليس مباراة في كرة القدم تجمع قطبي كرة القدم في الدار البيضاء مرتين كل سنة.
هو ليس موعدا لفرجة كروية بين فريقين يقتسمان مناصفة قلوب جماهير كرة القدم في عاصمة الكرة. هو ليس معركة وجود بين البيضاويين يداوون بها جراح معاناتهم اليومية مع النقل والمعيشة. هو أكثر من لقاء كروي لقدرته على وقف نبض الحياة اليومية وجعل البيضاويين يتكلمون لغة الكرة..
لهذا اجتمع والي جهة الدار البيضاء مع فصائل المشجعين ودعاها إلى الصلاة على قبلة الديربي.
لا يوجد ديربي في العالم بدون شهادة إقامة ولا عنوان. يسكن في مركب محمد الخامس عاما أو عامين ثم يرحل كما يرحل الطيب من ورده مخلفا سؤالا طرحه قبلنا صاحب «راحلة الشاعر المغربي المرهف عبد الرفيع الجواهري رحمه الله في راحلة: «هل يهرب الغصن من ظله»؟
طاردت جماهير الفريقين الديربي بصخبه كلما غادر الدار البيضاء مكرها لا بطلا، حاولت، عبثا، التمسك بتلابيبه لتنعم بفرجته المستباحة، لكنه ظل يركض خارج المدينة كفتى تقطعت فرامله.
رحلوا الديربي إلى الرباط العاصمة فتحمل الأمن عاديات الترحيل ومواكب المشجعين، والقصف القادم من هوامش الطريق الذي لم يعد سيارا.
من الرباط إلى طنجة ومنها إلى مراكش وأكادير والمحمدية وبرشيد.. حتى نسي وكره وتحول إلى ضيف مزعج لمدن أيقظها صخب الديربي وحول نومها إلى كابوس.
لكن أم العجائب أن يغرد الديربي خارج الوطن، فقد أصر معمر القذافي وابنه الساعدي على اكتشاف هذا الكيان المشحون بالمشاعر. حطت طائرة البوينغ التابعة للخطوط الجوية الليبية على أرضية مطار طرابلس الدولي، أفرغت ما في جوفها من لاعبي ومسيري وصحافيي الوداد والرجاء البيضاويين، كان الجميع مدعوا للمشاركة في دوري الصقر الوحيد المنظم من طرف الساعدي القذافي رئيس نادي الاتحاد الليبي والفتى المدلل للكرة الليبية حين كان والده معمر يحكم ويسود.
عبر نجل الزعيم، وهو يستقبل الوفود المشاركة في الدوري، عن رغبته في مشاهدة ديربي المغرب بين الرجاء والوداد من مقصورة ملعب طرابلس بدل الدار البيضاء، ووعد باستضافة أشهر ديربيات العالم في ملعب المدينة الرياضية بطرابلس، في إطار تقريب المباريات الكبرى من الليبيين.
حقق الساعدي القذافي أمنية تقريب الديربي المغربي من الليبيين، ولأنه كان يريد أن تكون المباراة بجميع توابلها وجه دعوة للمعلق الشهير عصام الشوالي وطالبه بوصفها مع مراعاة ظروف النص وأسباب النزول، وقال له: «لا تنس أن الصقر الوحيد هو معمر القذافي»، فرد عصام بإيماءة من رأسه تنوب عن السمع والطاعة.
قال الساعدي القذافي، في لقاء مع الوفود المشاركة في دورة الصقر الوحيد، إنه لا يستطيع أي حزب سياسي في المغرب، مهما بلغت قاعدته الجماهيرية، استقطاب تلك الجماهير العريضة التي تحج إلى الملعب لمشاهدة مباراة في كرة القدم بين فريقي الرجاء والوداد.
لا يستطيع أي زعيم سياسي، مهما كانت حمولته ومرجعيته الفكرية والنضالية، أن يملأ مدرجات ملعب من حجم مركب محمد الخامس، حتى ولو منح حزبه تعويضا ماليا عن الحضور، لكن قطبي كرة القدم في الدار البيضاء لديهما جاذبية استقطاب غريبة يحسدان عليها من طرف الأحزاب السياسية التي تعاني من العزوف الجماهيري.
ذات يوم استفاقت ساكنة الدار البيضاء على خبر محاولة تفويت مركب محمد الخامس، فاستغل الفرصة منتخبو المدينة وسجلوا هدفا ثمينا في مرمى الأملاك المخزنية، وفي دورة استثنائية اجتمعت الأغلبية والمعارضة على الولاء لملعب تسكنه الأشباح حين يتوقف نبض الكرة.
عاد الديربي إلى وكره، بعد أن قضى شهورا بين الترحيل والترهيب، لا فرق بينه وكاريان «لاحونا» إلا بالإسمنت المسلح.