
يونس جنوحي
في فبراير 1983 دخل المغرب والجزائر مرحلة جديدة، إذن، بعد اللقاء الشهير بين الملك الحسن الثاني والرئيس الشاذلي بن جديد في قرية «العقيد لطفي».
طُوي الخلاف، ودُفنت مرحلة هواري بومدين الذي كانت مرت خمس سنوات على وفاته. وزير خارجيته، عبد العزيز بوتفليقة، أجبر على مغادرة الجزائر، وتابع الأحداث من منفاه الاختياري، متنقلا بين دول عربية استضافته «مؤقتا».
في ذلك الوقت، كان محمد التازي سفيرا للمغرب لدى تونس، وتابع كيف أن الرأي العام التونسي، والسياسيين كذلك، انقسموا بين مؤيد ومعارض للتقارب بين المغرب والجزائر. كانت هناك أطراف في تونس أرادت للخلاف والحرب في الصحراء أن يستمرا.
يعلق محمد التازي، في أوراقه الشخصية، على هذه المرحلة كما عاشها في ذلك الوقت:
«كان جلالته، رضي الله عنه، يعرف النفسية التونسية معرفة تامة، ويكن للشعب التونسي، وللمسؤولين، وخاصة للرئيس الحبيب بورقيبة، كل المحبة والتقدير. فكان قراره بإرسال السيد أحمد بن سودة، مستشار جلالته، لإطلاع الرئيس بورقيبة والمسؤولين على اللقاء ونتائجه، فوصل بعد أربع وعشرين ساعة من اللقاء.
كان الرئيس في مدينة «نفطة»، في أقصى الجنوب التونسي، فكان اللقاء الأول في العاصمة مع السيد محمد المزالي الوزير الأول، الذي أشاد باللقاء مذكرا بمواقفه في الدعوة إلى تجاوز الخلافات والبحث عن حل للتوتر بين البلدين، المغرب والجزائر، والانصراف لتحقيق حلم الأجيال في بناء المغرب العربي.. كما ذكر بمرور خمس وعشرين سنة على مؤتمر طنجة الذي وضعت فيه اللبنات الأولى لإقامة المغرب العربي، وأشار إلى الاقتراح الذي تحدثنا فيه من قبل بالاحتفال بهذه المناسبة، ودراسة أسباب تعثر مسيرة التعاون بين أقطار المغرب العربي، للانطلاق من جديد. وكانت تعلو وجهه مسحة من القلق الذي عجزت عبارات الترحيب والانشغال بذكريات الماضي عن إخفائها.
في اليوم نفسه، مساء، اجتمع مبعوث جلالة الملك، في منزل ممثل منظمة التحرير الفلسطينية، بالسيدين أبو أياد وأبو مازن، اللذين اعتبرا اللقاء وفاء بوعد من جلالته بأن تكون هديته لاجتماع المجلس الوطني هي تنقية الأجواء مع الجزائر ولقاؤه بالرئيس بن جديد.
في اليوم التالي، فاتح مارس 1983، صحبنا محمود المستيري، كاتب الدولة في الخارجية، إلى مدينة «نفطة» على طائرة خاصة للاجتماع بالرئيس بورقيبة.
وفي صالون الفندق، الذي يقيم فيه الرئيس، استقبلتنا السيدة وسيلة حرم الرئيس. رحبت بنا بحرارة، معبرة عن تأثرها البالغ بلقاء جلالته بالرئيس الجزائري متمنية أن نوجه للرئيس دعوة من جلالته لزيارة المغرب، فإنه يشعر بأنه مهمش، لأن أحدا لم يبلغه باللقاء. وأنه شعر بانشراح حين علم أن مبعوثا خاصا سيصل ليبلغه بنتائج الاجتماع.
لم تكن الظروف الصحية للرئيس تجيز إطالة اللقاء معه، فلم يتجاوز بضع دقائق. نقل إليه السيد بنسودة تحيات جلالته ودعوته لزيارة المغرب، حتى يطلعه بنفسه على النتائج الهامة للقائه بالرئيس الجزائري، فعبر عن شكره لاهتمام جلالته به وإيفاده مبعوثا خاصا له، وأنه سيزور المغرب بعد زيارة الرئيس بن جديد لتونس، المقررة في منتصف شهر مارس المقبل. عدنا إلى العاصمة ليجتمع المبعوث الملكي مع سفراء الدول العربية في منزلي لإبلاغهم نتائج اللقاء لينقلوه بدورهم إلى الملوك والرؤساء العرب، بناء على أمر من جلالته.
واستدعى للحضور السيد الشاذلي القليبي، الأمين العام لجامعة الدول العربية، وكان للبادرة الملكية الوقع الجميل عند السفراء، الذين لم يتخلف أحد منهم عن الحضور، وعبر عن هذا التأثر السفير السيد «طاهر رضوان»، المندوب الدائم للمملكة العربية السعودية لدى الجامعة العربية، باعتباره عميد المندوبين الدائمين. وبعد الاجتماع ألح الأمين العام للجامعة على السيد أحمد بنسودة أن يزور مقر الجامعة، فلبى رغبته، ولم تتم في هذه الزيارة أي محادثات، ولم تتعرض للعلاقات مع الجزائر، أو لقاء القرية».




