حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةبانوراماسياسية

الولايات المتحدة تشن هجوما غير مسبوق على الاتحاد الأوروبي

ترامب وماسك يطلقان حملة ضد بروكسل والأوروبيون يتمسكون بسيادتهم

في ظل تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، يواجه الحلف الأطلسي مرحلة دقيقة وغير مسبوقة، حيث لم تعد الخلافات الثنائية تقتصر على مسائل سياسية عابرة، بل تحولت إلى حملة ضغط ممنهجة تهدد استقرار التحالف الأوروبي-الأمريكي. من الهجرة إلى التشريعات الرقمية، ومن الغرامات على عمالقة التكنولوجيا إلى التدخلات السياسية المباشرة، تبدو واشنطن مصممة على إعادة صياغة العلاقة مع بروكسل وفق رؤية “أمريكا أولاً”. وفي المقابل، يُظهر القادة الأوروبيون تمسكاً صارماً بسيادتهم، مؤكدين أن الشؤون الداخلية للقارة يجب أن تُدار من داخلها، مع ضرورة التعاون في مواجهة التهديدات المشتركة. هذا الصدام بين رؤيتين للعالم يعكس فجوة استراتيجية متسعة، تضع أوروبا أمام تحدٍ حقيقي لإعادة تقييم موقعها ودورها في النظام الدولي.

 

سهيلة التاور

 

بعد أسبوع مضطرب وجهت فيه الولايات المتحدة انتقادات حادة للاتحاد الأوروبي في ملفات متعددة، من الهجرة إلى التنظيمات والتشريعات، بدأ الأوروبيون مراجعة عميقة لمستقبل العلاقة عبر الأطلسي، في وقت لا يزالون فيه منقسمين حول الطريقة الأنسب للرد على هذا التصعيد. لم يعد المناخ السائد يُفهم على أنه مجرد خلاف سياسي عابر، بل بات يُنظر إليه كحملة ضغط ممنهجة ومستمرة تستهدف بشكل مباشر مؤسسات الاتحاد الأوروبي ودوره الدولي.

وصف أحد الدبلوماسيين الأوروبيين هذه المرحلة بأنها «ليست مجرد توبيخ، بل عملية طرق سياسية متواصلة»، في إشارة إلى الأسلوب التصادمي الذي انتهجته إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه بروكسل. وقد بدأ التحول الحاد في النبرة الأمريكية عقب صدور وثيقة استراتيجية الأمن القومي، التي حذرت من أن الاتحاد الأوروبي مطالب بالتراجع عن عدد من خياراته السياسية، وإلا فإنه قد يواجه ما وصفته بـ«محو حضاري». وأطلقت هذه الوثيقة شرارة موجة من الانتقادات والهجمات التي لم تقتصر على موقع أوروبا في النظام الدولي، بل طالت أيضاً قضايا تعتبرها الدول الأوروبية شأناً سيادياً خالصاً، مثل سياسات الهجرة وأطر التنظيم الاقتصادي والرقمي.

واكتسبت الأزمة بعداً عالمياً عندما دخل الملياردير الأمريكي إيلون ماسك، مالك منصة «إكس» (تويتر سابقاً)، على خط المواجهة، حيث شن هجوماً علنياً على المسؤولين الأوروبيين على خلفية فرض غرامة مالية على منصته لخرقها القواعد الرقمية الأوروبية. وذهب ماسك أبعد من ذلك عندما اقترح إلغاء الاتحاد الأوروبي نفسه، واصفاً قادته بـ«المفوضين» ومعتبراً أن الاتحاد لم يعد كياناً ديمقراطياً حقيقياً. ولم يتأخر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تبني هذه النبرة، إذ وصف الغرامة التي فرضتها المفوضية الأوروبية بأنها «خبيثة» أو «شريرة»، وقال إن أوروبا “تسير في الاتجاه الخطأ”. وأضاف أن القادة الأوروبيين أظهروا ضعفاً في اتخاذ مواقف حاسمة تجاه بعض القضايا الجوهرية، وهو ما يعكس من وجهة نظره الحاجة إلى إعادة النظر في طريقة إدارة الاتحاد الأوروبي لشؤونه الداخلية والخارجية. وفي تصريحات له أمام فعالية للزراعة في البيت الأبيض، قال ترامب إن بلاده لا تريد لأوروبا أن «تتغير كثيراً»، مكتفياً بالقول إن على أوروبا «أن تكون حذرة للغاية في كثير من الأمور».

ورأى عدد من الدبلوماسيين الأوروبيين أن هذه التصريحات تشبه إلى حد بعيد محاولات التدخل في الشؤون الداخلية الأوروبية، أكثر من كونها تعبيراً عن مخاوف حقيقية تتعلق بالأمن القومي الأمريكي. وأشاروا إلى أن الغرامة التي بلغت 120 مليون يورو وتعرضت لها منصة ماسك تبدو محدودة مقارنة بغرامات أخرى سبق أن فرضها الاتحاد على عمالقة التكنولوجيا، مستشهدين بالغرامة الضخمة التي طُبقت على شركة “غوغل” بقيمة 2,95 مليار يورو بسبب انتهاك قواعد المنافسة. ووفقاً لهؤلاء، فإن جوهر المشكلة لا يتمثل في حجم الغرامة، بل في رفض واشنطن المبدأ الذي تقوم عليه السيادة التنظيمية الأوروبية.

 

 

القضايا الوطنية للاتحاد.. شأن أوروبي

في مواجهة هذه الضغوط، عبر قادة أوروبيون عن رفضهم الصريح لأي محاولة للتدخل في شؤونهم الداخلية. فقد شدد رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا على أن الحلفاء لا يتدخلون في المسارات الديمقراطية لبعضهم البعض، معتبراً أن ما ورد في الاستراتيجية الأمريكية للأمن القومي يمثل تجاوزاً واضحاً للخطوط السياسية التقليدية بين الشركاء.

ومن جهته، أكد المستشار الألماني فريدريش ميرتس أن الديمقراطية الأوروبية لا تحتاج إلى «إنقاذ» من الخارج، وأن قضايا القارة يجب أن تُدار من داخلها. كما وصف بعض النقاط الواردة في الوثيقة الأمريكية بأنها «غير مقبولة» من حيث المبدأ والمضمون.

أما مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، فرأت أن إدارة الشؤون الداخلية تبقى مسؤولية أوروبية خالصة، بينما شددت على أن التهديدات المشتركة، لا سيما تلك الصادرة عن روسيا وإيران، تتطلب تعاونا وثيقاً بين ضفتي الأطلسي.

وذهب جوزيب بوريل، المسؤول السابق عن السياسة الخارجية للاتحاد، أبعد من ذلك، معتبراً أن واشنطن تسعى فعلياً إلى تفكيك الاتحاد الأوروبي عبر تشجيع النزعات القومية، وتقسيم الدول إلى كيانات منفردة، ودعم أحزاب تتقاسم الأيديولوجيا مع الإدارة الأمريكية. وقال بوريل إن الهدف الضمني هو رؤية «أوروبا بيضاء منقسمة إلى أمم» تخضع لمصالح الولايات المتحدة الخارجية. وفي تصريحات له على وسائل التواصل الاجتماعي، دعا القادة الأوروبيين إلى الدفاع الجدي عن سيادة القارة، والتوقف عن التظاهر بأن الرئيس ترامب ليس خصماً سياسياً.

ويجد الاتحاد الأوروبي نفسه، نتيجة ذلك، أمام معادلة شديدة الحساسية. فمن جهة، يحتاج بشدة إلى الحفاظ على التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن أمن القارة في لحظة دولية حرجة، لا سيما مع استمرار الحرب في أوكرانيا وتزايد المخاوف من توسع رقعة الصراع. ومن جهة أخرى، يتمسك بحقه السيادي في سن قوانينه الخاصة وتنفيذ سياساته الداخلية دون ضغوط أو إملاءات من شركائه.

 

إعادة عظمة القارة العجوز

الفجوة بين رؤيتي الطرفين للعالم تتسع بوتيرة متسارعة. ففي الوقت الذي ترى فيه بروكسل نفسها حامية للنظام متعدد الأطراف، ومدافعة عن التجارة القائمة على القواعد والقانون الدولي، يواصل دونالد ترامب الدفاع عن عقيدته السياسية القائمة على مبدأ «أمريكا أولاً». وخلال ولايته الثانية، ذهب أبعد من أي وقت مضى في تطبيق هذه الرؤية، عبر الاعتماد على الرسوم الجمركية، وتفضيل الاتفاقات الثنائية على الترتيبات الجماعية، وإحياء منطق توازنات القوى الكبرى في العلاقات الدولية.

وتقول واشنطن إن أوروبا لا تزال شريكاً استراتيجياً مهماً للمصالح الأمريكية، لكنها تشدد في الوقت ذاته على أن استمرارية العلاقة مرهونة بتغيير «الآلة الأوروبية» نفسها، عبر تقليص نفوذ البيروقراطية فوق الوطنية والتخلي عن جزء من التنظيمات التي تعتبرها معيقة. وتكرر الإدارة الأمريكية عبارة مفادها أن «أوروبا يجب أن تبقى أوروبا»، في إشارة إلى ضرورة العودة إلى ما تعتبره الهوية الأصلية للقارة.

وفي سياق هذه الرؤية، أعلنت الولايات المتحدة في وثيقتها للأمن القومي أنها ستسعى إلى بناء علاقات أوثق مع ما سمته «الأحزاب الوطنية» في أوروبا، من دون تسمية واضحة لتلك الأحزاب، غير أن كثيرين رأوا في العبارة إشارة إلى التيارات المحافظة التي تعارض نفوذ مؤسسات بروكسل وتنتقد ما تصفه بـ«الموظفين غير المنتخبين» في المفوضية الأوروبية.

ويُعد رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان من بين القادة الأوروبيين الذين ينظر إليهم ترامب باعتبارهم حلفاء طبيعيين. وينطبق الأمر ذاته على رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، التي تؤكد باستمرار على ضرورة الحفاظ على وحدة الغرب. غير أن أسلوبي الزعيمين يختلفان؛ ففي حين يقوم خطاب أوربان على المواجهة الصريحة مع بروكسل، تعتمد ميلوني نهجاً مزدوجاً يقوم على التعاون العملي مع مؤسسات الاتحاد، مع الحفاظ في الوقت ذاته على خطاب سياسي مستقل داخلياً وخارجياً.

 

مصالح متنافسة ومقاربات مختلفة

رغم هذا الغضب الأوروبي المتزايد، لم تنجح دول الاتحاد بعد في بلورة رد موحد. فحتى الآن، لم تصدر رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين موقفاً مباشراً من الوثيقة الأمريكية أو من قضية الغرامة التي طالت منصة ماسك. وفضلت المفوضية الأوروبية اعتماد سياسة التهدئة وخفض التصعيد، في محاولة للحفاظ على استقرار العلاقات مع واشنطن في مرحلة دولية معقدة.

هذا النهج الحذر أدى إلى قبول اتفاق تجاري وُصف من قبل منتقديه بأنه «غير متوازن»، حيث جرى رفع الرسوم الجمركية الأمريكية على صادرات الاتحاد إلى 15 في المائة بعد أن كانت أقل بكثير، في حين خُفضت الرسوم على معظم السلع الصناعية الأمريكية الداخلة إلى السوق الأوروبية. واعتبر البعض هذا الاتفاق بمثابة «إذلال» لأوروبا، بينما رحبت مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي بما وصفته بخيار مسؤول يهدف إلى تجنب حرب تجارية شاملة.

ودافع مسؤولون في المفوضية عن هذا الاتفاق بالقول إن الحفاظ على التزام الولايات المتحدة، في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا، كان يستحق هذا الثمن السياسي والاقتصادي. غير أن هذه التنازلات لم تترجم إلى دور أوروبي أكبر في المفاوضات التي تجري فوق رؤوسهم بين واشنطن وموسكو وكييف، بل ألمحت الإدارة الأمريكية في أكثر من مناسبة إلى أن التوقعات الأوروبية بشأن الحرب غير واقعية.

في المقابل، أبدت أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا تحفظاً واضحاً تجاه فكرة مهاجمة إدارة ترامب علناً، نظراً للتقارب الأيديولوجي. فهي تشترك معها في الرغبة في تشديد سياسات الهجرة، وترى في عودة ترامب نهاية لما تصفه بـ«عصر الووك»، حتى وإن اختلفت التعريفات والمقاربات حول هذا المفهوم.

أمام هذا المشهد المعقد، يبدو أن الاتحاد الأوروبي بات مطالباً بتحمل مسؤوليات أكبر وبناء قدر أكبر من الاستقلالية الاستراتيجية، سواء على المستوى الدفاعي أو الجيوسياسي. وفي هذا السياق، أكد مفوض الدفاع الأوروبي أندريوس كوبيليوس أن على أوروبا أن تتوقف عن انتظار المبادرات القادمة من واشنطن، وأن ترسم مسارها الخاص بدلاً من الاكتفاء بردود الفعل.

وبالنسبة لأوروبا، فإن هذه المرحلة تمثل بالفعل دخولاً إلى أراضٍ سياسية غير مألوفة، حيث لم تعد المسلمات القديمة حول التحالف الغربي راسخة كما كانت، وحيث أصبح مستقبل العلاقة عبر الأطلسي مفتوحاً على كل الاحتمالات.

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى