شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف التاريخ

زوجي كان في مُربع الملك

عشن حياتهن في الظل ولم يخرجن أبدا إلى العلن

في أقل من أسبوع توفيت زوجة الجنرال مولاي حفيظ العلوي، وزير التشريفات والأوسمة، الذي رافق الملك الراحل الحسن الثاني كظله منذ أن كان وليا العهد، ثم طيلة عهده. وبعدها مباشرة، وفي ليلة السابع والعشرين من رمضان، توفيت أيضا زوجة عبد الرحيم بوعبيد، معارض الملك الحسن الثاني وصديقه القديم، منذ زمن الحماية والنضال من أجل الاستقلال.

وبرحيل هاتين السيدتين، يزداد الصمت المطبق المحيط بعالم زوجات المقربين من الملك. ففي الوقت الذي عاش فيه الأزواج تحت أضواء الكاميرات والتصريحات الصحافية والحوارات الجريئة، كانت زوجاتهم يعشن تماما في الظل، مع ما يفرضه الوجود فيه من صمت على الواقفات فيه. ورغم صخب الحياة التي عشنها، إلا أنهن حافظن على عهد «الصمت» إلى آخر يوم في حياتهن.

يونس جنوحي:

 

 

 

تزوجتُ زعيما وطنيا صديقا ومعارضا..

هذا الوصف يليق فعلا بالسيدة نجاة بوزيد، أرملة عبد الرحيم بوعبيد، التي توفيت ليلة السابع والعشرين من رمضان سنة 2023، ليكون رحيلها إعادة لذكرى زوجها عبد الرحيم بوعبيد الذي توفي في يناير 1992.

نجاة بوزيد، التي عاشت حياتها كلها في الظل، كانت شاهدة على أحداث مفصلية من تاريخ المغرب، وشهدت على علاقة زوجها بالمهدي بن بركة وأسماء وازنة من الحركة الوطنية، كانوا جميعا يترددون على منزل العائلة البسيط في حي بطانة، للتداول في السياسة وأسرار الدولة.

نجاة بوزيد التي رأت النور سنة 1940، تعرفت على عبد الرحيم بوعبيد في بيت أختها التي كانت متزوجة من الدبلوماسي عبد الرحمن بن عبد النبي، سنة 1958، وكان وقتها بوعبيد وزيرا في حكومة بلافريج.

وبعد إعلان الخطوبة في صيف تلك السنة، في حفل عائلي صغير، سافرت نجاة بوزيد مباشرة مع أسرتها الصغيرة إلى بيروت، بحكم أن زوج أختها تعين سفيرا للمغرب في لبنان، ورافقت هي والدها الذي تعين سكرتيرا في السفارة. وهناك، انتظرت مجيء خطيبها الذي وعدها باللحاق بهم بمجرد ما أن تنتهي ولايته الوزارية في الحكومة. وفعلا تم الزواج رسميا في لبنان، بمجرد التحاق عبد الرحيم بوعبيد بهم.

وهكذا بدأت نجاة بوزيد حياتها مع «العقل المدبر» لعلاقة اليسار بالقصر. إذ جمع زوجها بين صداقة الملك الراحل الحسن الثاني التي تعود إلى سنوات الحماية، وبين ممارسة المعارضة، الشرسة مرات كثيرة، في مواجهة قرارات الملك الراحل الحسن الثاني.

شهدت نجاة بوزيد على محطات كثيرة شائكة من حياة زوجها، منها ملف مؤامرة يوليوز 1963، وكانت قلقة على زوجها من موجة الاعتقالات التي همت صفوف الحاضرين في مؤتمر حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، والذي كان يترأسه شريك حياتها.

ومرة أخرى كانت إلى جانبه في محنة مظاهرات 23 مارس 1965، وبعدها اختفاء المهدي بن بركة في أكتوبر من السنة ذاتها.

وفي سبعينيات القرن الماضي، حضرت مع زوجها إعداده لمرافعاته، باعتباره محاميا، للدفاع عن المعتقلين في ملفات سياسية، مثل محاكمة مراكش الكبرى التي وُجهت فيها تهمة التآمر على الملك وتهديد أمن الدولة إلى عدد من قدماء المقاومة، بينهم أصدقاء للراحل بوعبيد.

كما أن نجاة بوزيد عاشت مع زوجها تفاصيل كثيرة من المراحل العصيبة في حياته. ورغم أنها كانت تعيش في تكتم شديد بعيدا عن الحياة السياسية الصاخبة لعبد الرحيم بوعبيد، إلا أنها خرجت في واحدة من المرات النادرة، لكي تتحدث عن علاقتها بزوجها، وخصت صحيفة «النشرة»، سنتين فقط بعد وفاة بوعبيد، لكي تتحدث عنه. واعترفت في الحوار الصحافي النادر، إن لم يكن الوحيد الذي أجري معها، بأنها عاشت ضائقة مالية مع زوجها في سبعينيات القرن الماضي، وحكت كيف أنها اشتغلت مشرفة على روض للأطفال ما بين سنتي 1970 و1978، وقالت إن أغلب التلاميذ الصغار كانوا ينحدرون من أسر فقيرة جدا لم يكونوا قادرين على أداء الواجب الشهري، وهكذا تحول المشروع إلى عمل شبه خيري، قبل أن تنتهي تلك التجربة من حياة زوجة أشهر معارض للملك الحسن الثاني ومهندس سياسات حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ولاذت بالصمت عقودا طويلة قبل أن يوافيها الأجل هذا الأسبوع، وتعود ذكراها إلى أذهان من عرفوا فعلا من تكون السيدة التي ملكت قلب عبد الرحيم بوعبيد.

 

 

عندما تموتُ زوجات رجال ظل الملك

رحلت في النصف الثاني من شهر رمضان، زوجة الجنرال مولاي حفيظ العلوي، وزير التشريفات الملكية والأوسمة، الذي لازم الملك الراحل الحسن الثاني طوال سنوات حكمه.

وبرحيلها، تكون أسرار وذكريات الجنرال مولاي حفيظ مع القصر قد دُفنت معها، خصوصا وأنها كانت تحظى بمكانة خاصة لدى الملك الراحل الحسن الثاني وشهدت على ذكريات كثيرة مع العائلة الملكية، رفقة زوجها الجنرال.

انحدار الجنرال من عائلة أبناء عمومة الملك الراحل، ومعه أيضا مولاي أحمد العلوي الذي كان وزيرا للأنباء، ساهم في جعل الرجلين معا يحتلان الصف الأول في ترتيب المقربين من الملك الراحل.

زوجة الجنرال التي رحلت، قبل أيام، لازمت الظل طوال حياتها، ولم تخرج إلى العلن نهائيا، رغم أنها كانت على علاقة وطيدة بنساء نافذات من زمن الملك الراحل الحسن الثاني.

ورغم بعض الانتقادات التي وجهت إلى زوجها الجنرال بعد وفاته، إلا أنها لم تخرج أبدا لترد على الانتقادات وما نُشر من قصص عن نفوذ زوجها وقربه من القصر.

زوجات المقربين من القصر الملكي كن يعلمن جيدا أن هناك ضريبة لشغل منصب «زوجة» صديق الملك، أو المسؤول السامي المقرب من دائرة القرار. والملاحظ أن الزوجات، ولأكثر من قرن، كن دائما حريصات على الكتمان.

ورغم أن بعضهن ربطن صداقات مع زوجات رؤساء دول أجنبية وشخصيات عامة من الفن والسينما، إلا أنهن كن حريصات ألا يظهرن حتى في الصور، فما بالك بالظهور في المقابلات الصحفية أو تأليف الكتب أو حتى إعطاء تصريحات مقتضبة للصحافة.

يدخل هذا العرف الذي صار تقليدا راسخا، في إطار آداب القصور والتقاليد المرعية.

إذ إن عالم الحريم كان دائما محاطا بكثير من الأسوار، ليس في القصر الملكي فقط، وإنما أيضا في قصور الأعيان وكبار الأثرياء.

وكما سوف نرى في هذا الملف، فإن قصر الباشا الكلاوي كان أيضا يضرب سورا من السرية على جناح الحريم. وقد ألف ابنه عبد الصادق الكلاوي كتابا عن والده، عنوانه: «التهامي الكلاوي: الأوبة». قال فيه:

«كانت النساء اللواتي منحن أبي ولدا ذكرا أو أنثى

في ما مضى ذوات وضعية خاصة، فقد كن يعشن في جناح خاص محاطات بوصيفات وخادمات كثيرات، كن سيدات الدار ويقمن فيها بالمهام النبيلة آمرات ناهيات».

يقول عبد الصادق إن والدته عندما تزوجت من الباشا، فقد كانت أرملة أخيه وجاءت إلى داره بثلاثة أبناء وبنتين. ولهذا السبب بالذات أصرت قبل أن توافق على زواجها بالباشا، على أن يخصص لها إقامة لوحدها، أي منزلا مستقلا عن بقية نسائه، لأنها كانت تعلم أن أجواء الحريم تبقى لوحدها عالما خاصا داخل عالمه. كما أنها كانت تعلم أنها لو استقرت في داره فسوف يأتي يوم تفترق فيه عن أبنائها، إذ إن العادة أن يغادر الأبناء منزل والدهم بمجرد بلوغهم سن الرشد، وسيكون مصيرها أن تبقى وحيدة في منزل الباشا بدون أبناء، وسوف تنتهي مع الحريم.

المثير أن نساء أخريات تزوجن رجالا مقربين من القصر وزعماء سياسيين، بقين في الظل، رغم أن بعضهن صرن صديقات لزوجات رؤساء دول عربية وأجنبية، مثل زوجة عبد الهادي بوطالب التي رافقته أيام كان سفيرا في عدد من الدول، وزوجة السنوسي التي بقيت في الظل دائما، رغم أن زوجها كان صديقا لعدد من الرؤساء العرب. بل إن بعض زوجات المسؤولين المغاربة الكبار، كن صديقات لزوجة الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي، واكتفين بلقائها عندما زارت المغرب لأول مرة في ستينيات القرن الماضي. وأخريات استضفن أم كلثوم عندما زارت المغرب بعد الاستقلال، وغنت على شرفهن في إقاماتهن الخاصة، ولم يظهرن في الضوء نهائيا.

هكذا الحسن الثاني اختار زوجات بعض مقربيه

لم تكن علاقة الملك الراحل الحسن الثاني ببعض رجال الدولة والمستشارين وكبار المسؤولين وحتى من جلسائه المقربين، تقف عند حد الأمور التي ترتبط بكواليس السياسة والسلطة، بل تجاوزتها بكثير إلى ما هو إنساني.

إذ إن بعض أصدقاء الملك الراحل كانوا يطلبون «مباركته» ويُخبرونه بقرار الزواج وحتى ولادة الأبناء، لكي يشرفهم باختيار أسماء للمواليد. وقبل مرحلة الأولاد، كان الملك الراحل يُبدي أيضا موافقته أو «مُباركته» لعدد من الزيجات، بل وفي بعض الأحيان يرشح زوجات لبعض مقربيه. وغالبا ما كان يتم اختيار الزوجات من دار المخزن، تقريبا وتشريفا للمعنيين بذلك الاختيار.

أشهر جلساء الملك الحسن الثاني، الفقيه بنبين تحدث عن هذه الجزئية، مؤكدا أن الملك الراحل كان يختار زوجات بعض مقربيه، ويُرشح ويبارك عددا من الزيجات لإبقاء الرابط قويا بين مقربيه ودار المخزن.

أما عبد الفتاح فرج، مدير الكتابة الخاصة، والذي اشتغل في المنصب منذ بداية ستينيات القرن الماضي ولازم الملك الراحل طوال فترة حكمه، فلم يمنع زواجه من سيدة ألمانية من أن يُبارك الملك الحسن الثاني زواجهما، بل ويختار لها اسما مغربيا هو «غيثة» مباشرة بعد اعتناقها للإسلام.

وبقيت هذه الأخيرة تتردد على دار المخزن وربطت صداقات متينة مع نساء القصر الملكي، دون أن تشكل جنسيتها الألمانية استثناء في هذا التقليد.

كما أن الملك الراحل مشهود له بالتضامن مع زوجات عدد من الشخصيات السياسية. ولعل أول امتحان عاشه مقربو الملك منذ أن كان وليا للعهد، في هذا الجانب، ما وقع عندما اغتيل عباس المساعدي، أحد أبرز قادة المقاومة المغربية مباشرة بعد الاستقلال. ففي سنة 1956، وقف ولي العهد الأمير مولاي الحسن بنفسه على تفاصيل التحقيق الذي فُتح بعد اغتيال المساعدي، وقدم التعازي بنفسه إلى زوجة عباس، بل وعدها أمام مرافقيه أنه سيعمل شخصيا على الإشراف على التحقيق وترتيب الجنازة بما يليق بمكانة الراحل.

وانتشرت لاحقا معلومات مفادها أن الملك الراحل قدم مساعدات كثيرة لأرامل قدماء المقاومة، واستقبلهن بنفسه في كثير من المناسبات حتى بعد أن أصبح ملكا سنة 1961، وأعطى تعليماته لحل مشاكلهن الاجتماعية وتقديم المساعدة لهن.

مقربون آخرون من الملك الحسن الثاني، كانت زوجاتهم مقربات أيضا من القصر، مثل زوجة الدكتور الخطيب التي كانت تحظى بتقدير خاص من الملك الحسن الثاني، خصوصا وأنه واظب على زيارة بيت الخطيب بعيدا عن البروتوكول. بالإضافة إلى زوجة المستشار إدريس السلاوي وعبد الهادي بوطالب وأحمد بنسودة.

الملاحظ أن زوجات هؤلاء، بقين دائما في الظل، وبالكاد تتسرب بعض المعلومات عن أصولهن العائلية وآثار آبائهن قبل الزواج من الرجال المقربين من الملك.

وحتى في ملف ما عرف بفضيحة الوزراء المرتشين، والذين أعطى الملك الحسن الثاني سنة 1970 أوامره لسجنهم، فإن الملف طوي بعد أن استنجدت زوجات بعضهم بالملك الحسن الثاني شخصيا لطلب العفو عن أزواجهن.

أما زوجة المحجوبي أحرضان، «ماري» الفرنسية، فقد كانت تحظى بدورها بتقدير كبير لدى الملك الراحل الحسن الثاني، بالرغم من حالات المد والجزر السياسي التي مر بها زوجها «الزايغ» في علاقته بالقصر.

 

كاتمات أسرار معارضي الملك

أبرزهن الألمانية «روز ماري هيل»، وهي زوجة محمد أمقران، الذي كان يشرف على القاعدة العسكرية الجوية في القنيطرة، والتي شُن منها الهجوم على طائرة الملك الحسن الثاني في يوليوز 1972.

عندما التقاها أمقران في باريس، سرعان ما تعلق بها، وتزوجها سنة 1963 ليصبح اسمها مليكة أمقران.

عندما وقع الانقلاب وأعدم زوجها مع الطيار اكويرة، باعتبارهما العقل المدبر للهجوم بتنسيق مع الجنرال أوفقير، اضطرت مليكة إلى البقاء بعيدا عن المغرب لسنوات طويلة، قبل أن تعود إليه لأول مرة بعد الأحداث سنة 2007، لكي تزور قبر زوجها.

ورغم أن مليكة لم تعش في المغرب سوى عشر سنوات تقريبا برفقة زوجها، إلا أنها تأثرت كثيرا بالثقافة المغربية والإسلامية، وهو ما جعلها سنة 1979 تصدر كتابا باللغة الألمانية عن مكانة المرأة في الإسلام.

وإذا كانت زوجة أمقران قد اختارت ألا تتحدث عن تفاصيل تتعلق بزوجها ولاذت بالصمت لعقود طويلة، بعد أن قارب عمرها التسعين سنة، فإن زوجة الجنرال أوفقير اختارت أن تكون أول زوجة مسؤول مغربي كان قريبا جدا من الملك الراحل الحسن الثاني، تكتب مذكراتها التي حاولت فيها أن تُدافع عن زوجها وتحدثت عن علاقتها بنساء كبار رجال الدولة، واستمرار حضور التقاليد المرعية في أجواء لقاءات نساء رجال «المخزن»، رغم التطورات الكبيرة التي عرفها المغرب.

زوجات معارضين آخرين أمثال الفقيه البصري الذي تزوج سعاد، ابنة المقاوم بن غزالة، ثم زوجة عبد الرحمن اليوسفي، اليونانية هيلين اليوسفي، واللتان ما زالتا شاهدتين على ذكريات من أيام معارضة زوجيهما للنظام، ومتاعب الترحال والتنقل بين الدول والمنفى الذي استمر لسنوات طويلة، قبل طي صفحة الخلافات لتعودا إلى المغرب في تسعينيات القرن الماضي. وهما معا، حملتا أسرارا كثيرة من أيام معارضة رموز اليسار لاختيارات الملك الحسن الثاني السياسية بداية الستينيات.

وإذا كان حظهما معا أن ينعمن بتشريف مرافقة زوجيهما خلال مسارهما السياسي الطويل في المعارضة، فإن أخريات لم يسعفهن الحظ.

ورغم قرب أزواجهن من الملكين الراحلين محمد الخامس، ثم الحسن الثاني، إلا أنهن شهدن مبكرا على نهاية أزواجهن إما في حوادث الاغتيالات التي طالت قدماء المقاومة مباشرة بعد الاستقلال، أو بالموت الرمزي والابتعاد عن الحياة العامة. وحملن معهن أسرار الأزواج وفضلن البقاء بعيدا عن الأضواء. بل منهن من توفين مباشرة بعد رحيل أزواجهن، مثل عائشة، زوجة بن حمو الفاخري، الذي كان أحد قدماء المقاومة المقربين من الملك الراحل محمد الخامس، إذ توفيت بعده حزنا على حكم الإعدام الذي نُفِّذَ فيه بداية الستينيات، مع ثلة من رفاقه الذين وجهت إليهم تهمة التآمر على النظام.

لم تكن زوجات معارضي الملك يختلفن في شيء عن زوجات مقربيه. فقد كانت بين بعضهن صداقات، بحكم علاقات الأزواج مع بعض أقطاب المخزن ومستشاري الملك. إلا أن أغلبهن دفعن غاليا ثمن اختيارات الأزواج، وعشن معهم، أو بعد رحيلهم، محنا كثيرة.

 

زوجات وزراء المخزن القدامى «الممنوعات»

عندما كان باحماد يشغل منصب الصدر الأعظم، الوزير الأول، أيام المولى الحسن الأول، إلى حدود سنة 1894، كان الوزراء والسفراء الأجانب، من أوروبا تحديدا، عندما يحلون مع زوجاتهم في ضيافة القصر الملكي بفاس، يرغبون أن تلتقي زوجاتهم مع زوجات الوزراء المغاربة.

وهو ما كان يشكل مصدر إحراج حقيقي لوزراء مغاربة محافظين، لم يكونوا يقبلون أن تنفتح زوجاتهم على نساء أوروبيات.

المثير أن بعض فقهاء فاس، كما جاء في عدد من المراجع التاريخية والمذكرات، أهمها «أرض سلطان إفريقي» التي تحدث فيها الصحافي والتر هاريس عن زيارة وزير بريطاني إلى قصر فاس، أيام المولى الحسن الأول سنة 1888، كانوا قد أفتوا بتحريم مخالطة النساء المغربيات لنساء نصرانيات أو الانكشاف عليهن.

يصف لنا صاحب «The Land of an African Sultan»، أجواء زيارة الوزير البريطاني وزوجته إلى فاس، والتي نُترجم هنا بعض مضامينها كالآتي:

«في البداية، بعد مرور بعض القواد ووراءهم حملة الأعلام، مر السيد وليام كيربي غرين وزوجته فوق الأحصنة، متبوعين بالسيدات وأعضاء الوفد الرسمي في البعثة الدبلوماسية. ثم بعدهم مر «غير الرسميين». بعد المضي قدما فوق الخيول لنحو عشر دقائق، كنا نتخذ طريقا وسط صفين من الجنود بعضهم يتسلقون ظهور آخرين، وبمجرد مرورنا أمامهم كانوا يتساقطون أرضا. سقوطهم كان يثير الغبار، وزاد الوضع سوء حرارة الجو. كان المشهد عظيما ويحيل على طقوس الشرق.

كان رأس المسيرة يمثله قائد الحراس، وكان وراءه حملة العلم المغربي الأحمر الذي كان مصدر رعب كبير للسفن التجارية الأوروبية. (..) مُنحت لنا ثلاثة أيام، قبل بدء أي مفاوضات أو عمل، لكي نرتاح داخل القصر الملكي لاستعادة عافيتنا وراحتنا جراء رحلتنا المتعبة والساخنة.

ولم يتم استقبالنا من طرف السلطان إلا في يوم الأربعاء.

تم إخبارنا منذ اليوم الأول لوصولنا إلى المدينة أن جلالته سيكون سعيدا جدا باستقبالنا في ذلك اليوم. لذلك قضينا يومي الاثنين والثلاثاء في تجهيز لباسنا الرسمي، وتلميع الأحذية والسيوف.

كانا يومين ممتعين كفاية. قضينا أغلب الوقت خلالهما في الاستمتاع بظلال الحديقة، حيث كنا في الحقيقة نقيم، إذ لم نكن فقط نجلس تحت الأشجار، بل كنا نأخذ كل وجباتنا ومشروباتنا إلى الهواء الطلق.

لكن جاء يوم الأربعاء بصخبه وإثارته، استيقظنا في الصباح الباكر، لأن موعد الاستقبال الذي أبلغنا به حُدد قرابة الثامنة صباحا، حتى نتجنب الحرارة الشديدة خلال النهار وشمس الظهيرة.

قبل أن نتجه إلى «القبة الصغيرة»، حيث كان مقررا أن تتم مراسيم الاستقبال، قدم لنا فطور خفيف، وقبل الثامنة صباحا بربع ساعة، ركبنا على ظهر الخيول. كان المنظر في الحديقة مبهرا. كان مشهد أشجار الزيتون يبدو مختلفا عن منظر اليومين اللذين قضيناهما في الحديقة. كما أنها كانت تغص بالرجال المسلحين، ليس فقط الذين أعطيناهم لباس الحرب لدينا، بل أيضا بعض المغاربة الذين كانت مهمتهم خفر موكبنا إلى لقاء السلطان».

جرى كل هذا دون أن تتمكن زوجة الوزير والسفير الإنجليزي الذي تكبد عناء السفر من بريطانيا إلى طنجة، ومنها إلى فاس، من لقاء أي من زوجات الوزراء المغاربة.

وفي مراجع تاريخية أخرى من شهادات لدبلوماسيين أجانب عملوا بالمغرب، تتكرر الإشارة دائما إلى أنه لم يكن مطروحا أبدا أن تلتقي زوجات الوزراء الأجانب بزوجات الوزراء المغاربة، كما أن الموضوع لم يكن للنقاش أصلا. وهكذا بقيت زوجات الوزراء وكبار المسؤولين المغاربة، رغم انفتاحهم على الدبلوماسيين الأجانب وعقد صداقات معهم، بعيدات تماما عن الصورة، ولم يكن ظهورهن في المشهد العام واردا نهائيا.

 

 

عندما قرر «الگلاوي» مقاضاة كل من كتب عن زوجاته

«زوجات الباشا»، بحكم أنه لم يكن متزوجا من زوجة واحدة فقط، كن موضوع النميمة في مراكش، خلال أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي. ونُسجت حكايات كثيرة عن بعض النسوة اللواتي تزوجهن الباشا، أو قُدمن إليه بقصد الزواج من آبائهن الذين كانوا يرغبون في مصاهرة الرجل القوي.

ورغم أن قصر الكلاوي كان مسرحا لاستضافة مشاهير عالميين، بينهم نجمات من عالم السينما، إلا أن واحدة من ضيفات الباشا الأجنبيات تعرفت على واحدة من زوجات الباشا. ورغم بعض الكتابات التاريخية عن جناح الحريم في قصر الكلاوي، إلا أن حياته الزوجية بقيت بعيدة تماما عن الأضواء، وعدسات الكاميرات.

كانت أسوار قصره في مراكش عالية بالقدر الذي منع أن تتسرب أسرار حياته الخاصة، سيما المتعلقة بزوجاته وأبنائه، إلى المراكشيين ومنهم إلى باقي المغاربة. لكن الفرنسيين كانوا يستقون «الأخبار» التي تصلهم عن الباشا وسلطته، خصوصا في عشرينيات القرن الماضي، مما كان يؤلفه عنه زعماء القبائل، سواء منها تلك التي تناصره أو الأخرى التي تكن له العداء.

زوجات الباشا، كن موضوع مقالات كتبها غوستاف بابين، وهو الأمر الذي جعل الباشا يفقد صبره ويكتب رسالة إلى السلطان مولاي يوسف في الرباط، ويطلب منه فيها بصراحة أن يتدخل له عند الإقامة العامة الفرنسية، لكي يعاقب كاتب المقال الذي جاء فيه أن التهامي الكلاوي يسيء التعامل مع زوجاته الكثيرات، وأن إحداهن تعيش تحت رحمته ولا يطعمها رفقة أبنائها إلا الفتات، فيما بقي مصير بعض حريمه مجهولا، ولم تفلح عائلاتهن في التوصل إلى الأماكن التي كان الباشا يسجنهن فيها.

تطرق المقال إلى ثورة النساء، أو حريم الباشا كما أسماهم، واتُهم الكلاوي بأنه كان يرمي زوجاته عندما يصلن إلى سن معين، خارج قصره الكبير، واتهمه أيضا بتجويعهن والانتقام منهن. وهو ما أنكره التهامي الكلاوي جملة وتفصيلا، بل وأكد أن زوجاته يعشن معه، وإما في منازل كبيرة وفسيحة بطلب منهن، لكي يتفرغن لتربية الأبناء بشكل مريح.

تساءل التهامي الكلاوي عن مصدر المعلومات الذي زود غوستاف بابين بتلك «السموم». وحتى السلطان مولاي يوسف كان ممتعضا، باعتبار أن التهامي الكلاوي كان يحظى في العشرينيات والثلاثينيات بتقدير ملكي كبير، لكن لا توجد إثباتات تاريخية عن توسط السلطان شخصيا للباشا لدى الإقامة العامة.

كانت علاقات الباشا واسعة مع شخصيات مرموقة في الدولة الفرنسية، لكن تلك العلاقات كانت في قمتها بعد انتهاء الحملة الإعلامية التي شُنت عليه. ولو أنه تلقى هذا الهجوم خلال أربعينيات القرن الماضي، لربما كان انتقامه من كاتب السطور كبيرا، بحكم أنه في تلك الفترة كان في أوج قوته، قبل أن يبدأ في النزول منتصف الخمسينيات.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى