شوف تشوف

شوف تشوف

شكون شفر 45 مليار درهم ؟

مؤخرا وجه المجلس الأعلى للحسابات رسالة استعجالية لوزير التربية الوطنية تهم قيام قضاة المجلس بافتحاص صفقات تهم الوسائل التكنولوجية التي تستعمل في التدريس، وكذا المواد الكيميائية التي تستعمل في المختبرات.
والحقيقة أن ما جاء في الرسالة لا يحمل أي جديد بخصوص ما سبق لنا أن أشرنا إليه في هذا العمود منذ سنتين عندما ظهرت 25 حلقة تسجيلات في اليوتوب تتهم مسؤولين في الوزارة عن هذه الصفقات. لكن الجديد الذي حملته الرسالة هو أنها تحيل على معطيات تحتاج إلى ترتيب في غاية الدقة، المعطى الأول هو أن رسالة المجلس الأعلى جاءت ردا على مراسلة وجهتها إليه الوزارة يوم 16 دجنبر 2016 تتضمن نتائج افتحاص قامت به المفتشية العامة بخصوص صفقات العتاد الديداكتيكي والمواد الكيميائية. أما المعطى الثاني فهو أنه في 24 نونبر أعفت الوزارة ذاتها نائبها في القنيطرة، بناء على «عصيانه» أوامر التأشير على صفقات عقدتها أكاديمية الرباط في غشت، أي خلال العطلة، مع شركات النظافة والتغذية والحراسة، حيث تم إيفاد لجنة يترأسها المفتش العام للشؤون المالية للإشراف على عملية الإعفاء ونقل الصلاحيات إلى مدير أكاديمية الرباط، والذي تولى مؤقتا تدبير النيابة.
فيما المعطى الثالث تم في الأسبوع الأول من دجنبر، وهو نشر تسجيل في صفحة فايسبوكية تحمل اسم هذا النائب السابق، يتهم فيه ما يسميه «عصابة» تضم سبعة مسؤولين في الوزارة ذكرهم بالأسماء، ومنهم المفتش العام الذي قلنا إنه أشرف على عملية الإعفاء، حيث ذكر معطيات مهنية وشخصية تخص هذا المفتش، مذكرا بعلم قضاة المجلس بحقيقة اختلالات شابت صفقات يعلم بها هذا المفتش، حسب ما جاء في تسجيل هذا النائب السابق دائما.
المعطى الرابع، هو إصدار الوزارة لبلاغ تنزه فيه هذا المفتش العام مما ورد في تسجيل النائب السابق، مهددة إياه باللجوء إلى القضاء، وهذا البلاغ صدر يوم 16 دجنبر 2016، أي في اليوم ذاته الذي تمت فيه مراسلة المجلس الأعلى للحسابات.
إذن هل هذا التتالي في الأحداث مجرد صدفة ؟ وهل من قبيل الصدفة أن يرسل المفتش العام للشؤون المالية تقرير افتحاص للمجلس الأعلى في اليوم ذاته لصدور بلاغ الوزارة ؟ والسؤال الأهم بخصوص التوقيت دوما، هو متى قامت المفتشية العامة بافتحاص صفقات العتاد الديداكتيكي والمواد الكيميائية؟ هل هو افتحاص قديم تم تجميده في المكاتب حتى «ناض الصداع» وتم إرساله للمجلس الأعلى أم أنه افتحاص جديد ؟
إن الجواب المؤكد الذي نملك أدلة واضحة عليه، هو أن الأمر يتعلق بافتحاص قديم، وارتباطا بمسألة التوقيت دوما، لكون الزمان عنصرا مهما في ترتيب الأسباب والنتائج، فالاختلالات التي عرفتها صفقات العتاد الديداكتيكي ظهرت إلى السطح عقب تسجيلات منسوبة لمسؤولة جهوية سابقة في الوزارة كانت تشرف على هذه الصفقات وطنيا إبان البرنامج الاستعجالي بتاريخ يوليوز 2015، وهذا العتاد عبارة عن سبورات رقمية تسمى بالسبورات التفاعلية يتم توظيفها في الدروس ثمنها يتجاوز 3 ملايين سنتيم للسبورة الواحدة.
وهناك شركة إيطالية متخصصة عالميا في تصنيعها. وبحسب هذه التسجيلات فالشركة التي تستفيد من صفقات تزويد آلاف المؤسسات التعليمية بها تقوم بتزوير علامة الشركة، وهذا أمر سنعود إليه في الرسالة الاستعجالية التي أرسلها مجلس جطو إلى بلمختار. لكن قبل ذلك نذكر أيضا أنه قبل ضجة التسجيلات، نجد أن الاعتمادات المخصصة لكل مشاريع البرنامج الاستعجالي، بما في ذلك اقتناء هذه السبورات، قد تم تجميدها كلها مباشرة بعد مجيء محمد الوفا سنة 2012 إلى الوزارة، أي أننا نتكلم عن صفقات قديمة تعود بنا إلى الفترة ما بين 2009 و2011، والسؤال أين كانت المفتشية العامة إبان ضجة هذه التسجيلات؟ ولماذا انتظرت سنة ونصف لتصدر تقريرا يهم ست أكاديميات فقط ؟
وإذا قرأنا بعض ما جاء في هذا الافتحاص، والذي يعود إلى 2012 سنجد أنه يخلو تماما من أي حديث عن اختلالات شابت صفقات العتاد الديداكتيكي والمواد الكيميائية، بل انصب هذا الافتحاص فقط على جوانب تربوية دون ذكر للجوانب المالية والتدبيرية. وإذا جمعنا هذه المعطيات وقمنا بترتيبها زمنيا، فإننا سنستنتج شيئين لا ثالث لهما، إما أن المفتشية العامة كانت تعرف بالاختلالات المالية والتدبيرية التي عرفها البرنامج الاستعجالي، ومنها اختلالات تدبير صفقات العتاد الديداكتيكي، وقامت بإخفائها، حتى ظهرت ضجة نائب القنيطرة، أو أن المفتشية العامة كانت لا تعلم شيئا، وهذا يدخل في باب التقصير في أداء الواجب.
ورسالة المجلس الأعلى للحسابات تؤكد ذلك في الصفحة 2، لأنها تقول بأن قضاة المجلس سبق لهم أن وقفوا على مجموعة اختلالات تشوب تدبير العتاد الديداكتيكي والمواد الكيميائية ومازالت هناك بعض النقائص، أي أن القضاة قاموا قبل مراسلة الوزارة بتاريخ 16 دجنبر بافتحاصات ووجهوا ملاحظاتهم ولم يتم الأخذ بها، ومن بين هذه الملاحظات «تسليم عتاد معيب لا يشتغل» أي بالعربية تاعرابت «خردة»، و«اقتناء عتاد بخصائص غير مطابقة للشروط التقنية المحددة في دفاتر المواصفات»، أي بالعربية تاعرابت اقتناء «سلعة الجوطية»، و«الإشهاد على تسلم العتاد من طرف المؤسسات التعليمية بالرغم من أنها لم تتوصل بها فعلا» أي بالعربية تاعرابت «تاشفارت». يضاف إلى هذا أن قضاة المجلس الأعلى سجلوا أيضا أن «أكثر من تسعين بالمائة من طلبات العتاد يتم إرجاعه للأكاديميات لعدم مطابقته للحاجيات المعبر عنها»، أي أن الذي يقوم بالصفقات لا تهمه فائدة العتاد بقدر ما يهمه اقتناؤها بأي ثمن، والسؤال لماذا لا يتم إرجاع المقتنيات للشركة الموردة ؟ القضاة أيضا سجلوا تحويل بعض الأجهزة الإلكترونية إلى مؤسسات «ماعندهاش حتى الضو»، وأيضا مواد كيميائية لمؤسسات لا تتوفر على مختبرات، وهذا يذكرنا أيضا بصفقات ضخمة للأدوية شهدتها الفترة ذاتها، حيث تم وضع أطنان الأدوية في المؤسسات التعليمية دون تعيين طبيب أو ممرض، ونظرا لتخوف الإداريين من وصف دواء قاتل للتلاميذ فإنها ضاعت كلها.
والنكتة هنا، هي أن مؤسسات للتعليم الثانوي توصلت بأدوية خاصة بالأطفال دون خمس سنوات كأدوية «سريسرة» الخاصة بالرضع، وهذه الفضيحة سجلها قضاة المجلس الأعلى للحسابات في رسالتهم الجديدة عندما سجلوا «اقتناء عتاد لفائدة مؤسسات رغم عدم ملاءمته للمستويات والمواد التي تدرس بها»، مثلا منح سبورات تفاعلية تعلم أسماء الحيوانات بالعربية والفرنسية لثانويات، «الناس طلعو للثانوي وهوما عاد بغاو يعلموهم قرد بقرة برتقال».
وإذا جمعنا كل هذه الملاحظات وعدنا إلى التسجيلات الـ25 المنسوبة إلى المسؤولة الجهوية السابقة في موقع يوتوب، سنجد أسماء مديري الأكاديميات والنواب الذين تورطوا بشكل مباشر في هذه الاختلالات، ويبقى السؤال ماذا بعد إنجاز التقارير بناء على تقارير؟ فالمفتشية العامة للوزارة كتبت تقريرا، ورد المجلس الأعلى للحسابات أيضا بتقرير على ما جاء في التقرير السابق، «واش كاين شي إجراء قانوني ولا غي التقارير الخاوية» ؟
لقد قلنا مرارا إن الموضوع أكبر من صفقات عتاد تعليمي أو مواد كيميائية، لأن الأمر يتعلق بميزانية ناهزت 45 مليار درهم اختفت في أقل من سنتين، وإذا لم تتدارك الوزارة الأمر وتعمل على نشر نتائج ما أسمته «الافتحاصات الداخلية والخارجية» فإنها لن تكون فقط في وضع يناقض الدستور الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة، بل سيتحول هذا الملف الضخم إلى سلاح مدمر يستخدم لتصفية الحسابات الشخصية.
وبالعودة إلى ملف النائب السابق للقنيطرة، فإننا نجده ينفي أنه صاحب الصفحة التي اتهمت المفتش العام للشؤون المالية في الوزارة، دون أن ينفي بالمقابل توفره على معطيات عما أسماه «العصابة» التي تتحكم في الوزارة، مجددا وعيده بالكشف عن معطيات بالأسماء والملفات.
لكن في المقابل، نجد أن المعطيات التي نُشرت في الصفحة ليست مجرد تخمينات إذ إنها تتضمن أسماء تسهل على الجميع معرفتها، أي إذا افترضنا أن نائب القنيطرة لا يقف وراء نشرها فهناك جهة ماء من داخل الوزارة تقف وراءها، لذلك كان حريا بالوزارة في الصفقات الضخمة التي أشارت إليها الصفحة أن تدلي بما يثبت براءة المسؤول الذي تدينه، ومنها صفقة مليون محفظة في السنة الدراسية 2008، أي في السنة الأولى للبرنامج الاستعجالي، وأيضا صفقة شراء 509 سيارة «داسيا لوغان»، وهي صفقة تتهم فيها الصفحة المذكورة هذا المسؤول بالاستفادة من حوالي مليوني سنتيم ونصف عن السيارة الواحدة، أي أننا نتكلم عما يفوق المليار، فهذه السيارات ما زالت تستعمل حتى اليوم من طرف النواب ومسؤولي الوزارة، وبالتالي تسهل مقارنة التجهيزات فيها بما هو مكتوب على الورق.
إن كل تطورات ملف نائب القنيطرة تدل بوضوح على أننا أمام قضية ضخمة وحرب حقيقية، وهي أكبر من إعفاء إداري لمسؤول وأكبر من «جوج فرانك» التي صرفت في صفقة شراء السيارات، إذ هناك صفقات كبرى ما زال الغموض يلفها وينبغي الكشف عن مصيرها بالوثائق وليس فقط بالبيانات الإنشائية، لأن ما تقوم به الوزارة الآن، وقامت به الحكومة السابقة لمدة خمس سنوات كاملة هو التستر على جرائم نهب المال العام. فصفقات الأدوية والتجهيزات الطبية التي اقتنيت للمؤسسات التعليمية إبان البرنامج الاستعجالي، وصفقات برنامج «جيني» والأجهزة الإلكترونية والبرامج المعلوماتية، وصفقة بيداغوجيا الإدماج والتعاقد مع المكتب البلجيكي «كزافيي روجرز»، وصفقات إحداث وإصلاح المؤسسات التعليمية، وصفقات وسائل الديداكتيك وغيرها هي صفقات غير واضحة وينبغي الكشف عن الوثائق التي أبرمت بها. وعندما نقول إنها قضية ضخمة، فلأن الطريقة التي تم بها إعفاء نائب القنيطرة تدل بوضوح على أننا أمام حرب، حيث تم تسخير البعض ليلة إعفائه للتحرش به في منزله بالسيارات، وهناك فيديو في اليوتيوب يوثق لهذا الأمر، كما تم إيفاد لجنة مباشرة بعد إعفائه إلى منزله وقامت بطرده من السكن الإداري الذي كان يقطن فيه، وبالتنسيق مع عزيز رباح رئيس بلدية القنيطرة، وتم توقيف تزويد منزله بالماء والكهرباء، ليتم إجباره على الرحيل، في الوقت الذي نجد فيه مثلا أن الكاتب العام لنفس البلدية، وهو مدير أكاديمية القنيطرة السابق ما زال يحتل مسكنا عبارة عن فيلا فاخرة في مدينة العرفان.
بمعنى أننا أمام جبل ثلج عائم ليس ما أشار إليه بيان وزارة التربية الوطنية ورسالة المجلس الأعلى للحسابات سوى الجزء الظاهر منه. وأخطر من هذا كله أنه في الأسبوع نفسه الذي شهد إعفاء النائب المذكور وطرد أبنائه بتلك الطريقة العنيفة، أعلن (أو أجبر على) المراقب المالي المكلف بالتأشير على صفقات أكاديمية الرباط تقديم استقالته، علما أنه لم يعمر في منصبه سوى سنة واحدة، والمثير للاستغراب هو أن هذه الاستقالة تزامنت مع صفقة للأسِرّة بقيمة نصف مليار موجهة لتأثيث الأقسام الداخلية.
فهل بعد كل هذه الأطنان من التقارير والافتحاصات سيأتي أحد ويتحمل مسؤوليته ويخبر دافعي الضرائب «شكون سرق 45 مليار درهم» ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى