شوف تشوف

الرئيسيةسري للغايةسياسية

علال الفاسي دخل في «جدْبة» عندما دعا للكفاح المسلح من راديو القاهرة

سرّ التحاق التازي بمعهد «الفنون المسرحية» مُضحيا بدراسة الصحافة أو القانون

 

 

سرّ التحاق التازي بمعهد «الفنون المسرحية» مُضحيا بدراسة الصحافة أو القانون

يونس جنوحي

استقر رأي محمد التازي على دراسة الفنون المسرحية في القاهرة خلال الموسم الدراسي 1953. كان متوقعا أن يدرس الصحافة أو الحقوق، خصوصا وأنه بدأ مساره في الإعلام صحافيا في جريدة «العلم». كان أيضا يمارس المسرح، وكانت لديه فرقة (فرقة المنار المسرحية) وسبق أن ألّف وأخرج مسرحيات عديدة خلال نهاية الأربعينيات.. حتى أنه وجه دعوة إلى ولي العهد الأمير مولاي الحسن، في يناير أو فبراير سنة 1950، ليحضر مسرحية من تأليفه، ولبى ولي العهد الدعوة فعلا -وكانت تلك المرة أول لقاء فعلي بين محمد التازي وولي العهد الأمير مولاي الحسن- لكن الإدارة الفرنسية لم تسمح في الأخير لفرقة التازي بأن تلعب تلك المسرحية، وألغيت..

كتب محمد التازي، في أوراقه الشخصية، عن تجربة توجيه الدعوة إلى ولي العهد لحضور تلك المسرحية. يقول:

«اقترح أحد أعضاء المجلس الوزاري لفرقة المنار المسرحية، وكنتُ مديرها، أن نتصل بسمو ولي العهد ليترأس إحدى حفلات الفرقة، بعد أن أصبحت لها مكانتها لدى المواطنين. واستدعى نجاحها اهتمام مراسلي الصحف الأجنبية في المغرب فكتبت عنها جريدة الفيگارو، وجريدة فرانس سوار، ونشرت صور بعض الممثلات والممثلين منهم ربيعة بن عبد الله وحمادي عمور وأحمد العبدي. وبرغم إعجابنا بالفكرة، وحماسنا لها، استبعدنا تحقيقها لعدة أسباب.

أولا: إن أحدا منا لا يعرف سمو ولي العهد المعرفة التي تتيح له الاتصال به.

ثانيا: لا نذكر أن سموه ترأس من قبل سهرة مسرحية.

ثالثا: من سيوصلنا لسموه؟

وأوشكنا أن ننحي من تفكيرنا كل مسعى لتحقيق هذه الأمنية، خاصة وأن الظروف السياسية إذ ذاك كانت متوترة بين القصر الملكي والإقامة العامة، وكان الجو مشحونا بالمؤامرات، ثم قررنا أن نحاول، وأرشدنا الأستاذ أحمد زياد، وكان لا يتخلف عن حضور اجتماعاتنا الأسبوعية، إلى الأستاذ عبد السلام بنعبد الجليل، مدير مدرسة الأميرة للا عائشة، وبعد ثلاثة أيام من الاتصال بالسيد بنعبد الجليل، حدد لي سمو الأمير ولي العهد موعد المقابلة في مقره بالسويسي، رحب بي سمو الأمير في لطف وبشاشة أبعدت كل ما كنت أشعر به من هيئة واضطراب وأخذت أجيب على أسئلة سموه عن الفرقة وأعضائها وعن المسرحيات التي قدمتها وقال:

لا أحب أن أترأس حفلة مسرحية مرتجلة، إن المسرح علم له أصوله وقواعده والتشجيع معناه مساعدة الأعمال الناجحة أما مساعدة الأعمال الفاشلة فهو تشجيع للفشل، وقضاء على النجاح. لقد حدثوني عن نجاح محاولاتكم، فإذا لم تكونوا واثقين من أنفسكم فلا تحرجوني فأكدت لسموه أننا سنكون عند حسن ظنه بمشيئة الله. وشرعنا في الإعداد للحفلة في سينما روايال بالرباط، ونفذت جميع التذاكر قبل تاريخ الحفل بأسبوع. وفي يوم الافتتاح فوجئنا برسالة من الإقامة الفرنسية تخبرنا أنها منعت الحفلة وكنا أخذنا موافقتها مكتوبة قبل ذلك وجاءنا مولاي سلامة بن زيدان، رئيس الكتابة الخاصة لسموه، وأبلغنا أسف سموه على إلغاء الحفلة، واعدا بالحضور في المستقبل دون الإعلان عن ذلك من قبل كي تفاجئ الإقامة الفرنسية العامة، وما علينا إلا أن نخبر سموه بتاريخ الحفلة. ولقد أنسانا هذا العطف والاهتمام والتشجيع كل ما لاقيناه من عنت، وما صادفنا من عقبات».

نعود إلى القاهرة. لم يكن غريبا، إذن، على محمد التازي أن يترك الحقوق والصحافة والعلوم السياسية، ويتخصص في الفنون المسرحية، بعد أن تم قبوله طالبا في المعهد العالي للفنون المسرحية. الموسم الدراسي لسنة 1953 كان على وشك أن يبدأ. ولا بد أنه تلقى بعض اللوم من أصدقائه في تلك الفترة. فآفاق دراسة القانون أو الصحافة في القاهرة كانت بدون شك واعدة، لكن محمد التازي لم يتزحزح عن قراره أنملة.. وقد اتضح، لاحقا، أن التازي كان فعلا مُصيبا في اختياره، فقد كان المسرح والشعر سبيله لولوج عالم السلك الدبلوماسي، بشكل غير مُتوقع ولا يخطر على بال.

في القاهرة بدأ التازي الدراسة ليلا، فالحصص كلها كانت مسائية، وهو ما أتاح له التعرف على القاهرة والمجتمع المصري عن قرب، بحكم أن وقته كان حرا تماما طيلة اليوم، وكان يقضيه إلى جانب علال الفاسي. ولا غرابة، إذن، أن يصبح، بعد مرحلة الدراسة، حامل سر علال الفاسي وكاتبه ومدير ديوانه الخاص.

من المحطات الهامة التي عاشها محمد التازي جنبا إلى جنب مع علال الفاسي، وصول خبر نفي السلطان محمد بن يوسف في غشت 1953، وكان محمد التازي وقتها أنهى السنة الأولى من الدراسة، ثم تلتها واقعة محاولة اغتيال بن عرفة، وكان محمد التازي شاهدا على «احتفال» علال الفاسي شخصيا بهذه العملية التي نفذها المقاوم علال بن عبد الله الذي كان ينتمي أيضا إلى حزب الاستقلال.

يونس جنوحي

يحكي محمد التازي كيف عاش أجواء نفي السلطان محمد بن يوسف من القاهرة. والمثير أنه ينقل، في أوراقه الشخصية، أحاسيس علال الفاسي وكيف تابع الأخير أخبار نفي السلطان والعملية الفدائية التي استهدف فيها المقاوم علال بن عبد الله موكب ابن عرفة.

لم يسرق المسرح محمد التازي من أجواء السياسة والعمل الصحافي، ورغم الثناء الذي حصده من أساتذته المصريين في الفنون المسرحية فوق خشبة المعهد المسرحي، إلا أنه ظل مشدودا إلى الصحافة والكتابة المنتظمة، حيث كان يُراسل «العَلم» من القاهرة وصحف عربية أخرى.

يحكي محمد التازي، في أوراقه الشخصية، عن متابعته، رفقة علال الفاسي، لأخبار المغرب خلال مرحلة نفي السلطان محمد بن يوسف.

يقول: «كان يوم 20 غشت 1953 يوما متميزا في حياة الزعيم علال، بل كان حدا فاصلا بين عهدين في مسيرته النضالية، عهد الكفاح السياسي، القائم على أسلوب الحوار مع المستعمر والتعريف بعدالة القضية المغربية، على المستوى العربي والإسلامي، وعهد المقاومة المسلحة ضد المستعمر ودعوة الشعب المغربي إلى الثورة، وكان من حسن حظ صاحبنا أنه وبعض زملائه كانوا في ذلك الصباح، بمكتب المغرب العربي، يتتبعون تطور المواجهة غير المتكافئة بين السلطان محمد بن يوسف وبين جنرالات فرنسا وجبروت قواتهم العسكرية، والمتآمرين معهم من الناقمين على حزب الاستقلال، الذي يواجه ما يقومون به من استغلال للشعب وإذلاله.. كان الزعيم علال واثقا من أن السلطان لن يخضع لإدارة الحماية، ولن يلبي لها مطالبها ولو كلفه ذلك التضحية بعرشه، وحين تلقى نبأ اعتقاله ونفيه مع أسرته، طلب من عبد المجيد أن يذهب لإذاعة صوت العرب، ويتصل بأحمد سعيد مدير الإذاعة، يبلغه أن زعيم المغرب، في غياب ملكه، سيوجه نداء إلى الشعب المغربي، وإلى الأمة العربية من إذاعة صوت العرب، ثم انفرد بنفسه في مكتبه ربع ساعة، امتلأ خلالها مكتب المغرب العربي بالصحفيين ومراسلي الصحف العالمية ووكالات الأنباء، ولكنه اعتذر عن الإجابة على أسئلتهم قبل أن يوجه نداءه للشعب المغربي، واتصل عبد المجيد تليفونيا وأبلغ الزعيم أن الإجراءات اتخذت لإذاعة البيان، وأن الإذاعة شرعت في إخبار المستمعين أنها ستبث نداء من الزعيم المراكشي علال الفاسي.

صحب بعض أعضاء المكتب الزعيم، وفي باب الإذاعة كان أحمد سعيد وعبد المجيد في الانتظار، ومن باب الإذاعة إلى الأستوديو، الذي أذاع منه الزعيم نداءه التاريخي إلى الشعب المغربي وإلى الأمة العربية، يوضح، بالتزام الوطني المناضل، أنه لا مهاودة مع الاستعمار، وأن نفي ملك البلاد قد فتح أمام الشعب أبواب الكفاح والمقاومة، وأنه لن يعترف بأي ملك ينصبه المستعمرون على البلاد، فالملك هو محمد بن يوسف، وولي عهده هو الأمير مولاي الحسن، ولم تمض أيام، ونحن جلوس في صالون بيته بمصر الجديدة، حتى أطل علينا من الطابق العلوي وهو في حالة «جدبة» يفقد الإنسان فيها إحساسه بالزمن والمكان، بل يكاد لا يرى أحدا، ولا يحس بوجود خارج عن وجود غيب يراه هو ولا يراه سواه، أراه الآن كما رأيته لحظة إذ، يقفز على سلالم البيت وكأنه شاب ابن العشرين يهتف :

«الله أكبر

الله أكبر

هؤلاء هم الزعماء،

هؤلاء هم الأبطال،»

 

علال بن عبد الله، أحد أبناء الحزب، أول من لبي نداء القاهرة، هجم على سلطانهم المزيف، بسكين (العملية الشهيرة يوم الجمعة 11 شتنبر 1953)، يريد قتله، وسواء ماتت الدمية أم لم تمت، فقد كتب علال السطر الأول في كتاب المقاومة.

ونحن مشدوهون، ليس للحادث، وإنما لأثره على الزعيم، فقد ظل القريب البعيد، الحاضر الغائب. قعد على كرسي، وهو يضرب بقبضة يده على فخذه ويردد:

هؤلاء هم الزعماء، هؤلاء هم الذين سيهزمون المستعمرين، ويحررون البلاد، ويعيدون ملك البلاد إلى عرشه، على الطلبة المغاربة في القاهرة ودمشق وبغداد أن يلتحقوا بمراكز التدريب على حرب العصابات، فالكلمة الآن للمسدس والبندقية، لقد أدى نداء القاهرة رسالته، لقد انتهى زمن الكفاح السياسي، وعلينا أن نعد أنفسنا للكفاح المسلح».

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى