حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

في الطفولة

 

يسرا طارق

في فيديو متداول منذ مدة طويلة، يظهر أمريكي في بيته وهو يتظاهر بإنجاز مقابلة شفوية مصورة مع إحدى الشركات التي تريد توظيفه. فضل الرجل المشاركة في المقابلة المزعومة وبجانبه ابنته الصغيرة، التي لا تتجاوز ثلاث سنوات ليرى رد فعلها على ما يقوله. بدأ الرجل في الحديث عن نفسه وهو يتعمد الكذب. كانت الطفلة تتابع باستمتاع ما يقوله والدها ثم بدأت تتضايق من الكذب الذي يتفوه به، لينتهي بها الأمر إلى الانتفاض في وجهه. لم تتحرج الطفلة الصغيرة من أن تقول لوالدها إن ما يدعيه غير صحيح، وهو يكذب على من يستمعون له، بل إنها ثارت في وجهه ورفضت متابعة المقابلة. هل يمكن أن يحدث مشهد كهذا بين أب وطفلته عندنا؟! أعتقد أن ذلك شبه مستحيل، ربما هناك حالات استثنائية، لكن الشاذ لا يقاس عليه كما يقال.

نحن لا نربي الأطفال وبالنا يقظ ومتنبه لكل ما نتفوه به أمامهم، ولكل ما نقوم به وهم يروننا. الطفل صفحته بيضاء نكتب فيها ما نشاء، وكل ما نكتبه ينقش في صخر داخل نفسه وسيعيش به طيلة عمره، والطفل قد يسمع والديه يتحدثان عن الفضيلة والصدق والنزاهة لكنه يرى أفعالهما أيضا، وقد يرى كيف يعاملان الآخرين وهم معهم، ويسمع ما يقولان عنهم في غيابهم. الأطفال أذكياء بالفطرة، يلاحظون التناقضات في القول وفي السلوك، وسيعيدون إنتاج كل ما أعطيهم في البيت والشارع وجماعة الرفاق الذين يخالطونهم، لذلك لا ينبغي أن نستغرب حين نرى صبيانا عنيفين، يخربون كل ما تطوله أيديهم، ولا يحترمون كبيرا، ولا فكرة لديهم عن القانون والمصلحة العامة، هذه السلوكات لم تنتجها البيولوجيا والإرث الجيني، وإنما تنتجها التربية وما يتلقاه الطفل من أهله أولا، ومن المدرسة ثانيا ومن المجتمع والشارع ثالثا.

لكل هذا فالمعركة التي تقودها المجتمعات والدول التي تحرص على تأهيل أجيالها القادمة لمواجهة عالم فاقد للبوصلة هي معركة التربية، تنفق مليارات الدولارات على التعليم، وتحرص، كل الحرص، على أن يمنح هذا التعليم لكل أطفال البلد الفرص والقيم نفسها والمهارات والتعلمات ذاتها، هذا هو واجبها الأكبر. في اليابان، مثلا، هناك ميثاق متكون من بنود عديدة، بين الأسرة والمدرسة، يطلع عليه الآباء والأمهات وتعمل به المدرسة، معظم بنود هذا الميثاق تحث على الانضباط وفضيلة الصدق، والقيام بالواجب واحترام الآخرين، وتبجيل القانون وتقديس النظافة والإجراءات الصحية، والحرص على النظام في كل شيء، لهذا لا ينبغي أن نفاجأ حين نرى اليابانيين منضبطين كخلية نمل، يقدسون العمل ولا يغفرون لأنفسهم التأخر دقيقة واحدة عن الوقت المحدد، كل فضائل اليابان صنعتها التربية، وهي ما أهل شعبا هزم في حرب عالمية، وخربت مدنه الصناعية وألقيت عليه قنبلتان نوويتان، أن يقف على رجليه بسرعة مدهشة ويبدأ في إعطاء دروس للعالم في الإنتاج والكفاءة.

لا يمكننا، ونحن نتفرج على تعليمنا وهو ينحدر وعلى أسرنا وهي تتخلى عن واجبها في التربية، أن ننتظر خروج جيل من كل هذا الخراب يبني ويطور ويبدع، أو على الأقل يحافظ على المكتسبات. هناك معركة وحيدة علينا كلنا أن نتعبأ لخوضها، ليس لصنع المستقبل فقط، وإنما لصنع آباء وأمهات المستقبل كما نريدهم لبلدنا، وهي معركة المدرسة المغربية التي لا ينبغي، من اليوم، أن نسمح لها بأن تنتج الهدر والبطالة والإعاقة المجتمعية.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى