شوف تشوف

الرأيالرئيسيةثقافة وفن

كيف انهارت الحضارة الإسلامية

كيف انهارت الحضارة الإسلامية؟ وكيف سقط العالم الإسلامي؟ كيف غاب عن التاريخ؟ كيف فقد القدرة على تقرير المصير؟ لماذا لم يعد يشارك في صناعة الأحداث؟ بل لم يعد يدري ماذا يحدث له أصلا، أصبح مصنوعا ولم يعد صانعا، أصبح يُخَطَطْ له، وينفذ فيه، وهو لا يدري ماذا يحدث!

كيف قفز الأوروبيون إلى دفة قيادة التاريخ وصناعته؟ متى حدث هذا؟ هل له بدايات أو مؤشرات؟ وبكلمة مختصرة هل يخضع المسلمون إلى قانون الله، كما يحدث مع كل الحضارات والأمم؟ أم هم استثناء عن هذه القاعدة وشذوذ عن القانون، وأنهم أبناء الله وأحباؤه المدللون؟ والجواب صاعق: فَلِمَ يعذبكم بذنوبكم؟ بل أنتم بشر ممن خلق.

 

سقوط بغداد

 سقط العالم الإسلامي مضرجا بدمه في منتصف القرن الثالث عشر الميلادي، ولا أصعب فيه من استحضار الذاكرة الجماعية المروعة عن سقوط بغداد منارة العلوم عام 1258م، الذي تلى سقوط إشبيلية عام 1248م بعد عقد من الزمن، وبهذا سقط جناحا العالم الإسلامي؛ الغربي تحت الاندفاع الإسباني في حروب الاسترداد؛ والشرقي تحت الزحف المغولي المرعب شتاء عام 1258 للميلاد. ولنذهب إلى أسوار بغداد لننظر ماذا حدث في شتاء عام 1258م.

في الرابع من صفر من عام 656 هـ، الموافق 13 فبراير من عام 1258م، بعد أن طوِقت بغداد من كل جانب ولم يبق أمام الخليفة العباسي إلا الاستسلام، ذهب لمقابلة عاهل المغول خارج بغداد، دخل الخليفة العباسي مجلس هولاكو مرتاعا، فابتسم الأخير بخبث ثم قال له: أنت المضيف ونحن الضيوف، فانظر بماذا تكرم ضيوفك؟ فهرع الخليفة إلى دار الخلافة فأحضر الدنانير والخلع والجياد، فنظر إليه هولاكو بسخرية وقال: هذه ليست لنا، بل هي لعبيدنا! ما نريده الدفائن، فدلهم الخليفة على بركة من الذهب الخالص في القصر الملكي (وكان بإمكانه تجنيد مئات الآلاف بها) فحفروا البلاط والرخام وأخذوها، ثم أخذوا بعدها روح الخليفة بوضعه في كيس، وإزهاق روحه بالرفس كي لا يندلق دمه على الأرض فيؤخذ بثأره بزعمهم بموجب عقائد المغول، ثم قتلوا ولدي الخليفة الكبيرين أحمد وعبد الرحمن، ثم استاقوا الصغير مبارك وأخواته الثلاث خديجة ومريم وفاطمة إلى الأسر، ليوضعوا في حصص أمراء المغول من أسرى الحرب. وكانت بغداد منارة العلوم آنذاك قد استبيحت وقتل من أهلها في أقل التقديرات ثمانمائة ألف، في ظل استباحة للمدينة لزمن دام أربعين يوما.

جيش هولاكو يحاصر أسوار بغداد، من 29 يناير إلى 10 فبراير سنة 1258م.

يقول الحافظ ابن كثير في كتابه «البداية والنهاية»، الذي يبحث في التاريخ: ومالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول والشبان، ودخل كثير من الناس في الآبار وأماكن الحشوش، وقنى الوسخ، واختفوا كذلك أياما لا يظهرون، وكانَت الجماعة من الناس يجتمعون إلى الخانات ويغلقون عليهم الأبواب فيَفتحها التتار إما بالكسر وإما بالنار، ثم يدخلون عليهم فيهربون منهم إلى أعالي الأمكنة فيقتلونهم بالأسطحة، حتى تجري الأنهار من الدماء في الأزقة.. وقد اختلف الناس في كمية من قتل ببغداد من المسلمين في هذه الواقعة، فقد قيل ثمانمائة ألف وقيل ألف ألف وثمانمائة ألف، وقيل بلغ عدد القتلى ألفي ألف نفس (رقم المليون لم يكن معروفا).. وكان الرجل يُستدعى به من دار الخلافة من بني العباس فيخرج بأولاده ونسائه، فُيذهب به إلى مقبرة الخلال تجاه المنظرة فيذبح كما تذبح الشاة، ويؤسر من يختارون من بناته وجواريه.. وقُتل الخطباء والأئمة، وحملة القرآن، وتعطلت المساجد والجماعات والجمُعَاتْ مدة شهور ببغداد. 

ولما انقضى الأمر المقدر وانقضت الأربعون يوما، بقيت بغداد خاوية على عروشها ليس بها أحد إلا الشاذ من الناس، والقتلى في الطرقات كأنها التلول، وقد سقط عليهم المطر فتغيرت صورهم، وأنتن من جيفهم البلد، وتغير الهواء فحصل بسببه الوباء الشديد حتى تعدى وسرى في الهواء إلى بلاد الشام، فمات خلق كثير من تغير الجو وفساد الريح، فاجتمع على الناس الغلاء والوباء والفناء والطعن والطاعون فإنا لله وإنا إليه راجعون. وما نراه في غزة مع كتابة هذه الأسطر يذكر بتلك الأيام.

 

انتشار الطاعون

لما نودي ببغداد بالأمان خرج من تحت الأرض من كان بالمطامير والقنى والمقابر كأنهم الموتى إذا نبشوا من قبورهم، وقد أنكر بعضهم بعضا فلا يعرف الوالد ولده ولا الأخ أخاه، وأخذهم الوباء الشديد ولحِقوا بمن سبقهم من القتلى واجتمعوا تحت الثرى بأمر الذي يعلم السر وأخفى، الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى. ولكن كيف يفسر حدث بمثل هذه الضخامة؟ كيف يمكن أن يفهم أو يفسر حدث في مثل هذه الضخامة، يفقأ العين، عن انهيار مريع للحضارة الإسلامية، في منتصف القرن الثالث عشر الميلادي؟

عندما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحدث ابن لبيد عن زمن الانهيار المرتبط بــ(ذهاب العلم)، لم يكن باستطاعة الصحابي أن يستوعب مثل هذه الظاهرة، فكان يقول: وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن؟ وسوف نقرئه أبناءنا، وأبناؤنا سوف يُقرئون أبناءهم القرآن! لم يقل له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتكذبني وأنا رسول الله؟ كما لم يقرأ له آية من القرآن، بل أخذ بيده إلى الواقع، ليريه واقعة يومية متكررة عن أقوامٍ آخرين انطبق عليهم القانون الإلهي: أو ليس اليهود والنصارى بأيديهم التوراة والإنجيل ولا ينتفعون مما فيها بشيء؟

 

نافذة:

سقط جناحا العالم الإسلامي الغربي تحت الاندفاع الإسباني في حروب الاسترداد والشرقي تحت الزحف المغولي المرعب شتاء عام 1258 للميلاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى