شوف تشوف

الرأي

كيف تختار الأسر المغربية مدارس أبنائها

بقلم: محسن زردان

أضحت المدرسة بمثابة هاجس يؤرق بال عديد الأسر المغربية، التي تسعى إلى توفير تعليم جيد ونافع لفلذات أكبادها، فالمستقبل رهين بدرجة أكبر بطبيعة التعليم الملقن للناشئة.
ولا بد أن اختيار المدرسة أصبح من الصعوبات التي تعترض الآباء، عند بداية كل موسم دراسي، فالاختيار مرتبط بمجموعة من الاعتبارات، التي يختلط فيها ما هو اجتماعي واقتصادي بما هو ثقافي.
كان في السابق عامل قرب المدرسة من سكنى الأسر هو المحدد الأساسي، لولوج الأبناء إلى المدرسة، فالتلميذ يقصد أقرب مدرسة لمحل سكناه، تخفيفا من عناء التنقل، وتسهيلا للالتحاق بمنزله في الفترات التي تفصل خضوعه للدراسة، فضلا عن ضيق أفق الاختيار بين المدارس، بالنظر إلى غلبة حضور مدارس القطاع العام على الخاص.
اليوم وقعت تحولات اجتماعية واقتصادية مهمة، ساهمت في رفع مستوى الوعي الثقافي للأسر، ومعها رسم ملامح اتساع الهوة بين طبقات المجتمع، بالنظر إلى تفاوت الدخل بين الأفراد، فأضحت مسألة اختيار المدرسة للأبناء، يتحكم فيها عامل ثروة الأسر أكثر من شيء آخر.
الأسر الميسورة، التي تملك المال والسلطة، تستقر في وسط الأحياء الراقية، التي غالبا ما توجد بوسط المدن، وهو سلوك نابع من إرث الاستعمار الفرنسي، الذي استطاع بناء مؤسسات تعليمية لأبناء المعمرين، في وسط تلك الأحياء، التي كانت بمثابة مواقع استراتيجية مهمة، فدفعت، بذلك الأعيان المغاربة إلى إلحاق أبنائهم جنبا إلى جنب مع أبناء الفرنسيين، سعيا إلى الاستفادة من تعليم حديث حينذاك، واكتساب لغة المستعمر، التي كانت وما زالت عنوانا للنجاح والرقي الاجتماعي، وتكريسا لواقع عقدة الأجنبي.
هذه الصورة استمرت مع مرور الزمن، حتى وبعد استقلال المغرب، فأضحت الأحياء الراقية، موطنا مفضلا، لاستقرار المؤسسات والمعاهد الخاصة، ومطلبا ملحا لهذه الأخيرة بالنظر إلى المكاسب والمنافع المادية التي تجنيها من جراء استثمارها في تلك المناطق.
تلجأ بعض مؤسسات التعليم الخاص، وخاصة المؤسسات التابعة للبعثات الأجنبية، إلى سلك مسطرة الانتقاء، وإخضاع المرشحين للدراسة، إلى شروط أقل ما يقال عنها، إنها تخالف المبادئ الدستورية، التي تحث على ضمان المساواة بين المواطنين، فيخيب أمل العديد من التلاميذ، الذين لا يتوفرون على مستويات عالية في مجموعة من المواد، خصوصا منها المتعلقة بإتقان اللغة الفرنسية، وبالتالي يكون الإقصاء من نصيب العديد من أبناء الطبقات المهمشة والمتوسطة للولوج إلى تلك المدارس.
تسابق الأسر المغربية لولوج أبنائها إلى مدارس البعثات الأجنبية، جاء نتيجة اكتسابها لوظيفة تصنيع وإنتاج النخبة، المسيطرة على أهم المناصب العليا في أسلاك الدولة، موفرة بذلك مجالا خصبا، لخلق شبكة من المعارف والعلاقات بين الأبناء والعائلات، ونتيجة أيضا لمجموعة من التمثلات التي تشكلت وترسخت تاريخيا، وتربط التعليم الجيد بالولوج إلى تلك المدارس، فضلا عن رغبة الأسر والأهالي في استكمال تعليم أبنائهم بالخارج، والذي يتطلب الإلمام باللغات، وضمان الحصول على شهادات ودبلومات أجنبية ترتفع قيمتها في سوق الشغل بالمقارنة مع مثيلاتها المغربية، التي يعيش تعليمها أزمات متتالية، في ظل اعتراف دولي ووطني بعمق مشاكلها.
هذه المزايا تَفَطَّنَت إليها الطبقات المتوسطة، التي حاولت الولوج إلى مدارس البعثات الأجنبية، كما انتبه إليها المستثمر الأجنبي، الذي بات يجد في المغرب مجالا واعدا للاستثمار، فبادر إلى إنشاء مدارس خاصة، تلقن تعليما مرتكزا على مناهج أوربية غربية.
هذا التدافع من جانب الأسر المغربية نحو اختيار المدرسة الأفضل لفلذات أكبادها، يجد مبرراته في التسابق المحموم لحصد المعدلات العالية، التي تمكن الأبناء من الولوج إلى المؤسسات والمعاهد العليا، التي يبقى مجال استقطابها جد محدود، ولا يستجيب للحاجيات المتزايدة من عدد المتمدرسين، بالنظر إلى محدودية أعداد مقاعدها، مما فتح المجال للعديد من الأسر إلى تهجير أبنائها إلى الخارج، شملت هذه العملية حتى بعض دول أوربا الشرقية، التي فتحت أبواب جامعاتها ومؤسساتها التعليمية والتكوينية لزبناء جدد.
هذه الصورة تم تبريرها في إطار انفتاح البلاد على العالم الخارجي في ظل العولمة المتصاعدة، وتكريس التنوع في مجالات التعليم، ولكنه في حقيقته يخفي تنامي مظاهر الطبقية في التعليم، وضرب مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين، وبروز إشكالية التعليم النافع والتعليم غير النافع.
تنامي وتيرة انتشار التعليم الخصوصي بالمدن والحواضر الكبرى، فرض نفسه على اختيار الأسر، بالنظر إلى الفقدان التدريجي لسمعة التعليم العمومي لصورته المعهودة خلال فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وأصبح ملاذا مفضلا للأسر لتدريس أبنائها، خصوصا وأن مؤسسات التعليم الخصوصي فهمت جيدا حاجيات الأسر، ولعبت على وتر تدريس اللغات والمناهج الأجنبية، وعلى جمالية فضاءات التدريس، والحصول على المعدلات العالية، بغض النظر عن حقيقة جودة التعليم، وكفاءة الموارد البشرية الساهرة على التكوين.
في هذا السياق، لقد باتت العديد من المؤسسات والمعاهد العليا الخصوصية، التي تَبْنِي عرض منتوجها التعليمي والتكويني على مبدأ التوأمة مع مؤسسات أجنبية، سعيا منها إلى جلب المتعلمين وإقناعهم بمدى جودة التعليم بمؤسساتها، مستغلة في ذلك تبني الدولة التدريجي لسياسة الاعتراف بالدبلومات والشهادات الممنوحة من بعض تلك المؤسسات التعليمية الخصوصية، لتنفتح بذلك الساحة التعليمية على سوق واعدة للمستثمرين في هذا الميدان.
إذا كان هامش اختيار الأسر للمدارس لأبنائها متاحا في المدن، فإن القرى والبوادي المغربية، لا تتاح لها تلك الإمكانية، لكون تواجد التعليم الخصوصي ضعيفا إن لم نقل منعدما، والمؤسسات التعليمية الموجودة بالدواوير هي المؤسسات الوحيدة المتوفرة أو المفروضة بقوة الواقع، والتي تتاح فرصة الولوج إليها.
يبدو من الواضح، أن السلطات الرسمية ماضية في اتجاه تبني خيار تنويع التعليم، وتشجيع استثمار القطاع الخصوصي، لكن ذلك لم يوازه وضع الأسس لتتبع مساراته، فوراء حرية تحرير الأسعار، تختفي فوضى عارمة، تجعل من هذا القطاع مجالا لمراكمة الأرباح المادية، على حساب الأبعاد البيداغوجية، في غياب لمسطرة قانونية يتم تصنيف المؤسسات التعليمية في ضوئها على حسب معايير الجودة.
من جانب آخر، بدأت بعض القطاعات الحيوية في البلاد خوض تجربة، تخصيص مدارس ومؤسسات تعليمية خاصة لأبناء مستخدميها، مستغلة بذلك إمكانياتها ومواردها المالية الضخمة، ونموذج ذلك، مؤسسة الشريف للفوسفاط العمومية، وهنا ستطرح على هذا المستوى تساؤلات، حول مدى تحويل التعليم إلى تعليم ذي أبعاد قطاعية، قد يساهم من بعيد أو قريب في تكريس التفاوتات الاجتماعية، خاصة وأن مبدأ تكافؤ الفرص، أصبح معيارا مهما تتكئ عليه المنظمات الدولية لتقييم أداء وجودة تعليم الدول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى