شوف تشوف

الرأيالرئيسية

معجزة الانقسام الخلوي وظاهرة التكاثر في المخلوقات

بقلم: خالص جلبي

 

من جملة العناصر السابحة في السائل الخلوي المريكز، وسمي بذلك لأنه يحاول أن يكون في مركز الخلية، واضعا النواة إلى أحد أقطاب الخلية، والعجيب في هذا العنصر أنه يتكون من أسطوانة فيها تسعة أنابيب أو ألياف أخرى، فما هو السر في الرقم يا ترى؟ ولماذا ترتبت بهذا الشكل أيضا؟ هذا الأمر سر من الأسرار، ولقد وجد أن هذا المريكز يظهر وكأنه المخطط والمهندس لمرحلة الانشطار الخلوي، حيث إنه يقوم أثناء انقسام الصبغيات فيرسم خطوطا وطرقا دقيقة أمام الصبغيات المنشطرة، وهذه الخطوط تشبه بشكلها المغزل، ثم لا يلبث أن يتكون في الخلية من كل طرف ما يشبه الكوكب المشع وكأنه القمر المنير في الظلمات، ولذا سميت هذه الأشعة بالأشعة الكوكبية وتصدر الأوامر للصبغيات أولا أن تقف بحالة استعداد في منتصف الخلية، ثم يؤمر كل شطر من شطري الصبغي المنقسم أن يتجه إلى أحد طرفي الخلية، ولكن كيف سيمشي في هذا الظلام؟ لا حرج عليه إن هذا النور الهادي وهذه الأشعة العجيبة التي تخطط له السير وتوضح له الطريق، تجعله يمشي على هدي هذا الشعاع، وهو يتهادى ويمشي ببطء في هدوء حتى يصل إلى طرف الخلية الأول، حيث يكون قد وصل في الوقت نفسه توأمه إلى الطرف الآخر، وهكذا تنقسم الخلية إلى قسمين، بعد أن تنشطر الصبغيات بهذه الكيفية، فمن الذي علم هذا الجماد أن يقوم بكل هذا التناسق والإبداع، ومن أعطاه هذه الحكمة ودرسه فنون الحركة الرائعة المتناسقة الحكيمة؟

والآن بعد هذا البحث الذي يعد موجزا بسيطا جدا عن بعض أسرار الخلية، يحق لنا أن نتساءل كيف نفسر نشأة الحياة وظهور الخلية الأولى في الحياة؟ ومع كل الوضوح الذي يشير إلى الجواب بدون تكلف، نجد بعض المؤلفين والكُتاب يقفون ليتكلموا بطريقة علمية. ترى أن ذهنهم العلمي يخونهم في أدق المواقف وأحرج التفسيرات وأهمها، ومن هؤلاء أستاذ يدرّس في كلية الطب في قسم النسج، يقول ما يلي بالحرف الواحد:

«إن علم الحياة وما تفرع عنه من علوم أخرى على النحو المار ذكره ما زالت جميعها عاجزة عن تفسير كيفية نشوء الحياة الأولى وتكون أول مادة حية على سطح الأرض، ولعل نظرية النشوء الذاتي الأولى في ظروف خاصة وعهود متناهية في القدم، هي النظرية الأكثر قبولا في الوقت الحاضر».

ونقف قليلا لنناقش الكاتب في هذه العبارة.

أولا: نظرية النشوء والتولد الذاتي من الناحية التجريبية نقضها العالم باستور من الأساس، في تجربته المعروفة المشهورة.

ثانيا: ماذا تعني كلمة النشوء الذاتي، هل تعني أن الخلية خلقت نفسها بنفسها، أو أنها تكونت صدفة من اجتماع العناصر، أو الاحتمال الثالث وهو لا أدري؟ فإما أنها وجدت نفسها بنفسها فهو كلام متهافت، لأن معنى الخلق هو الإيجاد، فكيف توجد نفسها بعد أن لم تكن موجودة، وأما الصدفة فليرجع إلى بحث المصادفة الذي شرحناه باستفاضة في ما سبق بثلاث تجارب عن المكتبة وتساقط الحروف، أو الكيس فيه عشر أوراق مرقمة، أو معاجين الصيدلية والزلزال، بحيث خرج دواء يشفي من كل علة، أو أنابيب الكرات السوداء والبيضاء وهي تنسف فكرة المصادفة من الأساس، ولا ننس القانون الفيزيائي الذي ينظم هذه الظاهرة بأن حظ المصادفة من الاعتبار يزداد وينقص بنسبة معكوسة مع عدد الإمكانيات المتكافئة المتزاحمة. وأما لا أدري فلا ندري بماذا نجيب عليه!

من هنا نفهم ماذا يعني أن الإنسان عندما يخوض بحثا ما، ثم يخونه ذهنه العلمي، أو أنه لا يستعمل ذهنه العلمي في هذا المجال الخطير الذي يجب على العالم أن يقرر قبل كل الناس حقائق الأمور وبديهياته، وهو ما قاله رب العزة: «إنما يخشى الله من عباده العلماء».. إنه ليس هناك من مكان للصدفة، خاصة وقد بحثنا هذا الموضوع في ما سبق حتى ننفي الحظ والفوضى في بناء الكون ونشأة الحياة، وهكذا تسد جميع الأبواب أمام من يتأمل في هذه الظاهرة العجيبة، ولا يجد إلا الحق الأبلج الواضح المبين وهو يقول له: «الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل». ثم لنسمع مع ذلك كلاما في هذا المجال لأحد العلماء لا لنسند فكرتنا منه، لأن ظهور هذه الفكرة وبديهيتها تضغط على العقل البشري، ولا تجعل له مهربا من الاعتراف بها طائعا أم مكرها. يقول بوخز وهو من أكثر الماديين غلوا ومن الذين اتهموا داروين بأنه يصانع رجال الكنيسة، وقف أمام ظاهرة خلق الحياة من جماد ليقول بالحرف الواحد: «إن البت في أمر التولد الذاتي للكرية الأولى التي نشأ عنها الأصل الأول أمر غير متيسر، لأن الأحوال المناسبة لتولد الكرية الأولى تولدا ذاتيا غير معروفة، والكرية ذاتها على بساطتها ذات بناء وتركيب يمتنع معه صدورها من الجماد مباشرة، بل إن ظهورها من الجماد ليعد في نظر العلم معجزة ليست أقل بعدا عن العقل من ظهور الأحياء العليا من الجماد مباشرة».

وصدق الله الخالق حينما يقول: «ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل. لا تدركه الأبصارُ وهو يدرك الأبصارَ وهو اللطيف الخبير».

وهكذا نكون قد انتهينا من البحث الأول وهو مبحث الخلية، حتى ندخل الآن التركيب المادي لأجهزة الإنسان المعقدة وعالمه النفسي الغريب المجهول.

 

نافذة:

البت في أمر التولد الذاتي للكرية الأولى التي نشأ عنها الأصل الأول أمر غير متيسر لأن الأحوال المناسبة لتولد الكرية الأولى تولدا ذاتيا غير معروفة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى