شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

ناطحات السحاب.. والحُفر العميقة

يونس جنوحي

«الانقلاب الذي حدث في النيجر، يظهر فشل سياسات فرنسا المتخبطة في إفريقيا». هذا الاقتباس ليس مقولة لمعارض إفريقي من المعادين الكبار لفرنسا في القارة الإفريقية، وليس أيضا مقولة لسياسي من الأحزاب القومية، لكنه عنوان افتتاحية صحيفة «التايمز» العريقة.

هناك حرب تجري في الخفاء بين قوى العالم بخصوص ما يقع في السنوات الأخيرة في إفريقيا. أصبحت فرنسا مُحاصرة أكثر من أي وقت مضى، وخسرت في عهد ماكرون الكثير من حلفائها التاريخيين، وخصوصا المغرب.

الأرقام الصادرة أخيرا تكشف تراجعا كبيرا لمعاملات فرنسا الاقتصادية مع المغرب، مقابل تفوق إسباني وبريطاني. وما تأخر عقد قمة المستثمرين الفرنسيين مع رجال الأعمال المغاربة، سوى ترجمة لهذا التراجع الفرنسي، على أرض الواقع.

علّقت فرنسا مساعداتها إلى بوركينا فاسو، بسبب ما يقع في النيجر، خصوصا وأن مسؤولي البلاد أعلنوا أنهم سوف يعتبرون أي تدخل عسكري ضد الحاكم المستقبلي للنيجر بعد الانقلاب، بمثابة حرب. وهو دليل قوي آخر على أن فرنسا «الماكرونية» لا تؤمن بالإنسانية، عندما يتعلق الأمر بالقارة الإفريقية.

دعونا الآن من فرنسا، بما أنها ليست الوحيدة التي تركز أطماعها على القارة الإفريقية، ولننتقل إلى الصين التي تبعد جغرافيا عن بوركينا فاسو والنيجر وزيمبابوي، لكنها في الحقيقة أقرب إليها أكثر من أي وقت مضى.

قبل أيام احتفل الصينيون بالذكرى 96 لتأسيس الجيش الصيني، وفي الوقت الذي كانت فيه شوارع العاصمة الصينية «بكين» وبقية مدن أقاليم الصين الكبرى، مزينة للاحتفال بالذكرى الوطنية للتحرير، كانت سفارة الصين في زيمبابوي تحتفل هي الأخرى بالمناسبة، حيث ألقى المسؤول العسكري الصيني في السفارة الصينية بزيمبابوي، كلمة بحضور مسؤولين وصحافيين قال فيها إن الصداقة التقليدية بين جيش التحرير الشعبي وقوات دفاع زيمبابوي، رعاها الآباء المؤسسون للبلدين، في ستينيات القرن الماضي.

تحدث العسكري الصيني، وهو برتبة كولونيل، وقال ما لا يقدر السفير على التصريح به، وقال إن التعاون العسكري بين البلدين وصل إلى قمته خلال فترة وباء كورونا، حيث لم تنقطع ما أسماها «العلاقة بين الجيشين».

كلام هذا المسؤول العسكري نقلته صحيفة «أورو آسيا تايمز»، الناطقة بالإنجليزية، وطرحت أسئلة حارقة بخصوص ما يقصده المسؤول العسكري في السفارة الصينية بالتعاون بين الجيشين.

إذ إن الواقعة من المرات النادرة التي تتحدث فيها الصين في العلن عن التعاون العسكري بين جيش الصين وجيوش الدول الإفريقية.

الصحيفة نشرت تقريرا مطولا تتهم فيه الصين مباشرة بزيادة حجم وجودها في القارة الإفريقية، سيما في زيمبابوي التي وصفتها بالمضطربة.

التقرير يقول إن حظوظ الصين عسكريا في إفريقيا أصبحت مرتفعة، بسبب تراجع دور روسيا في دعم الدول الإفريقية، نتيجة أزمة الحرب الأوكرانية. خصوصا وأن زيمبابوي كانت تعتمد في السابق على دعم روسيا، لكي يتم قبولها في عضوية في الصندوق الروسي لبنك متعدد الجنسيات، ساهمت روسيا في إنشائه.

هناك تخوف أيضا من أن تفوز الصين بامتياز إنشاء قواعد عسكرية في إفريقيا، على هامش الاتفاقيات التي يتم التخطيط لها حاليا. وسبق فعلا أن أنشأت قاعدة في جيبوتي.

المراقبون الدوليون يُقرون، حسب التقرير دائما، بأن حجم الدعم الصيني لزيمبابوي غير معروف. والتخوف الكبير بشأن التدخل الصيني في القارة الإفريقية بهذه الطريقة، يبقى هو هاجس دعم الجماعات المتطرفة أو الانقلابات العسكرية، تماما مثل ما يقع حاليا في دولة النيجر.

الكلمة التي ألقاها المسؤول العسكري الصيني في زيمبابوي، كشفت إلى أي حد وصل التنافس العسكري في إفريقيا بين الدول الصناعية الكبرى حول العالم. كلما ارتفعت ناطحات السحاب في الدول التي تُعتبر «وحوشا» اقتصادية وصناعية كبرى، إلا وازداد غوص الدول الإفريقية، سيما التي تعاني من الفقر وجفاف الموارد، في الوحل.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى