
سهيلة التاور
لطالما كان مشكل الطاقة يشغل العالم بأسره، فالعلم يتسارع لإيجاد حلول بديلة كالطاقة المتجددة التي في حد ذاتها تواجه مجموعة من التحديات، كما أنه لا يمكن الاعتماد الكلي عليها في الإنتاجات الضخمة فضلا عن أن تخزينها مكلف جدا. لذا ارتأت بعض الدول، وعلى رأسها ألمانيا، الاتجاه إلى الهيدروجين كطاقة صديقة للمناخ مستمدة من الطاقات المتجددة في شكل سائل أو مضغوط للاستعمال كوقود للمحركات دون انبعاثات حيث لا يصدر من احتراقه سوى رذاذ الماء. واختارت ألمانيا المغرب أفضل شريك للاستفادة من شمس إفريقيا وإنتاج الهيدروجين في إطار توقيع مشروع يعزز هذه الشراكة.
لأشهر عديدة كافح الائتلاف الحاكم في برلين من أجل «الاستراتيجية الوطنية الألمانية للهيدروجين» لإنتاج الوقود واستخدامه. والآن تم ذلك وانطلق المشروع الطموح. وبعد اعتماد الاستراتيجية في مجلس الوزراء الألماني، قال وزير الاقتصاد الألماني بيتر ألتماير: «يتعين علينا أن نرفع انتقال الطاقة وحماية المناخ إلى مستوى نوعي جديد». وأضاف: «نريد أن نكون رقم واحد أيضا من أجل قدرتنا التنافسية». يجب على الدول الأوروبية الأخرى وإفريقيا أيضًا أن تلعب دورًا في إنتاج الهيدروجين باستخدام الطاقة المتجددة.
وعلى الرغم من أن الهيدروجين يتواجد في الطبيعة بطرق عديدة – مثل الماء – إلا أنه عمليًا يكون تقريبًا فقط في شكل مقيد. لاستخدام الهيدروجين كمصدر للطاقة يجب الحصول عليه في شكل نقي باستخدام مصادر طاقة أخرى. وتسعى الحكومة الألمانية جاهدة إلى ضمان أن يكون هذا الاستخدام للطاقة خاليا من الانبعاثات، أي من مصادر الطاقة المتجددة، وعندها يكون الحديث عن الهيدروجين الأخضر.
وتهدف استراتيجية الحكومة الألمانية إلى ضرورة بناء مصانع الإنتاج التي يبلغ إجمالي إنتاجها ما يصل إلى خمسة جيجاوات بحلول عام 2030، بما في ذلك توربينات الرياح الضرورية. وسيتم رفع قدرات التحليل الكهربائي إلى عشرة جيجاوات بحلول عام 2040 – وهذا يتوافق مع إنتاج عشر محطات طاقة نووية. كما يجب تعزيز الإنتاج من خلال الإعفاءات الضريبية للكهرباء من الرياح أو الشمس، والتي تستخدم لإنتاج الهيدروجين من الماء بطريقة صديقة للمناخ.
وتتوقع وزيرة البيئة الألمانية سفينيا شولتس أن تمنح الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين ألمانيا «دفعة مزدوجة» – لحماية المناخ وتعافي الاقتصاد بشكل مستدام بعد أزمة كورونا. الهيدروجين الأخضر يمكن أن يعزز حماية المناخ، على سبيل المثال، في صناعة الصلب أو في حركة الطيران. وشددت سياسية من الحزب الديمقراطي الاشتراكي على أن «أي شخص يقول نعم للهيدروجين يجب أن يقول نعم لطاقة الرياح.» وتحتاج ألمانيا إلى كهرباء خضراء إضافة للهيدروجين الأخضر. وصرحت وزيرة البيئة بما يلي: «لهذا السبب يجب علينا وسنعمل باستمرار على التوسع في الطاقات المتجددة».
شمس إفريقيا
يعتبر الهيدروجين، الذي يتم إنتاجه بواسطة طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية، وقودًا مركزيًا صديقًا للمناخ، خاصةً للصناعة. في حين يُفضل التشغيل المباشر للسيارات بالكهرباء، ويوجد نقص في الحلول الصديقة للبيئة بالنسبة لمركبات البضائع الثقيلة والشحن والصناعات الكيماوية والصلب والإسمنت. ومن الواضح أنه على المدى المتوسط يجب استيراد الهيدروجين من مناطق غنية بالشمس والرياح في جنوب أوروبا أو إفريقيا. ولن تتمكن الطاقات المتجددة المُنتَجة في ألمانيا من القيام بذلك بمفردها نظرًا لأن إنتاج الهيدروجين يتطلب كميات كبيرة جدًا من الطاقات المتجددة.
وقال وزير التنمية الألماني جيرد مولر: «بدون شمس إفريقيا لن نتمكن من تحقيق كل هذه الأهداف». لذا كان من المنطقي أن يتم التحالف مع دولة إفريقية. ووقع عدد من الوزراء وسفيرة المغرب في ألمانيا زهور العلوي اتفاقا في الوزارة الاتحادية للتعاون الاقتصادي والتنمية ببرلين لتأسيس تحالف من أجل إنتاج الهيدروجين. تقع أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم في جنوب المغرب بالفعل – كما سيتم بناء محطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر هناك، حسبما أعلنه وزير التنمية الألماني، وسيتم استخدام الهيدروجين المنتج هناك في البداية من قبل «أصدقائنا المغاربة».
وقال وزير التنمية الألماني جيرد مولر إن دول شمال إفريقيا على وجه الخصوص تمتلك مواقع مناسبة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، حيث تشرق الشمس هناك بشكل غير محدود. يساهم أول مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر في إفريقيا في المغرب في خلق وظائف لكثير من الشباب هناك ويقوي الريادة التكنولوجية في ألمانيا ويساعد على تحقيق الأهداف المناخية الدولية بشكل فعال.
المشروع الألماني- المغربي
وقعت وزارة التعاون الاقتصادي والتنمية الألمانية مع وزارة الطاقة والتعدين والبيئة المغربية اتفاقية تهدف إلى تطوير قطاع إنتاج الهيدروجين الأخضر وإقامة مشاريع بحثية واستثمارية حول استخدام هذا المصدر لتوليد الطاقة الصديقة للبيئة.
وتتضمن الاتفاقية مشروع بناء مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر الذي اقترحته وكالة الطاقة الشمسية المغربية (MASEN)والذي سيكون أول محطة لإنتاج الهيدروجين في افريقيا، ومن المقرر أن يمول بنك التنمية KfW المشروع بقيمة تتجاوز 300 مليون أورو. بالإضافة إلى التعاون في مجال الأبحاث ونقل المعرفة وبناء المهارات بالمشاركة مع معهد البحوث في الطاقة الشمسية والطاقة الجديدة المغربي (IRESEN).
وتقوم استراتيجية الحكومة على توليد طاقة عبر تقنية الهيدروجين بما يساوي 5 جيجاوات من الكهرباء حتى العام 2030، ترتفع لتصبح 10 جيجاوات من الكهرباء حتى العام 2040 (وهو ما يساوي إنتاج عشرة مفاعلات نووية من الطاقة الكهربائية)، مع إعفاء الطاقة المولدة من ضريبة البيئة. كما تهدف الاستراتيجية إلى استخدام الهيدروجين كوقود لصناعتين رئيسيتين هما صناعة الصلب والصناعات الكيميائية، هذا بالإضافة إلى استخدام الهيدروجين كوقود للطائرات وذلك لخفض انبعاثات الغازات الضارة. كما تشمل الاستراتيجية تخصيص 310 ملايين أورو للأبحاث في مجال تقنية الهيدروجين حتى العام 2023. وتخصيص 7 مليارات أورو لبناء وتطوير محطات إنتاج الهيدروجين وتطوير التقنيات الخاصة بها، بالإضافة إلى ملياري أورو للاستثمار في التعاون الدولي في هذا المجال والذي يأتي الاتفاق مع المغرب في إطاره.
وقال وزير الطاقة والمناجم والبيئة المغربي، عزيز رباح، إن الاتّفاق الجديد مع ألمانيا حول تطوير قطاع الهيدروجين الأخضر، سيساعد على تسريع انتقال المغرب إلى الطاقة المتجدّدة. وأضاف أن التعاون مع ألمانيا يسهم في تسريع التحوّل الوطني للطاقة، وتنفيذ الالتزامات المغربية المتعلّقة بالمناخ. وأكّد الوزير على خبرة المغرب في مجال الطاقات المتجدّدة، قائلًا: «المغرب حاليًا من بين الدول المتفوّقة في مجال تطوير الطاقات المتجدّدة».
وذكر رباح أنه جرى تخصيص 200 مليون درهم (20.73 مليون دولار)، لإنشاء 17 معملًا للبحث العلمي والابتكار في الجامعات، في جميع أنحاء البلاد. وتوجّهت الأموال أيضًا نحو تأسيس شركتين ناشئتين، ودعمت خمس شركات ناشئة.
ولتعزيز البحث والتطوير والابتكار في قطاع الطاقة المغربي، أيضًا، جرى تخصيص 300 مليون درهم (31.10 مليون دولار) للتمويل المشترك للمشاريع التعاونية للطاقات المتجدّدة، و500 مليون درهم (51.83 مليون دولار) للبُنية التحتية البحثية الجديدة.
وسبق توقيع الاتفاقية الإعلان عن مشروعين سيتم تنفيذهما في إطار التعاون الاقتصادي بين الجانبين يتعلق أحدهما بمشروع باور تو إكس لإنتاج الهيدروجين الأخضر على الصعيد الصناعي، والذي اقترحته الوكالة المغربية للطاقة المستدامة (مازن).
أما المشروع الثاني فيتعلق بوضع منصة للأبحاث حول باور تو إكس، ونقل المعارف وتعزيز القدرات الراهنة بشراكة مع المعهد المغربي للأبحاث في الطاقة الشمسية والطاقات المتجددة.
وقال غيرد مولر، وزير التعاون الاقتصادي والتنمية الألماني إن “الاتفاق من شأنه الإسهام في التنمية الاقتصادية للمغرب”، مشيرا إلى المخطط الأخضر للمغرب الذي يتضمن مشاريع كبرى، ما جعل البلاد تحتل المرتبة الأولى في المجال على الصعيد الإفريقي.
وأكد أنه في إطار التعاون بين البلدين، هناك اهتمام بالهيدروجين وأيضا بالميثانول، الذي سيشكل المرحلة المقبلة في إطار التعاون مع الرباط.
وتربط المغرب بألمانيا شراكة في مجال الطاقة منذ 2012، حيث يشكل قطاع الطاقات المتجددة محركا للتعاون الاقتصادي الثنائي.
الخيار الطاقي الأفضل
ما ينطبق على إنتاج الكهرباء للاستخدامات الصناعية والتجارية والمنزلية ينطبق أيضاً على السيارات. فالمحركات الكهربائية تتطلّب بطاريات للتخزين، يرتفع ثمنها مع ازدياد مدة عملها. وإذا كانت السيارة الكهربائية معتدلة الثمن، التي تعمل لمسافة تقل عن 200 كيلومتر، صالحة للاستعمال داخل المدن، فهي لا تصلح للمسافات البعيدة، لأن إعادة شحن البطاريات تتطلب وقتاً طويلاً. أما السيارات الكهربائية التي تستطيع قطع مسافات تصل إلى 600 كيلومتر، مثل بعض طرازات «تسلا»، فهي مرتفعة الثمن.
تعبئة خزان السيارة بالبنزين أو الديزل في محطة الوقود تتطلب دقائق معدودة، وتصل المسافة التي يمكن قطعها في بعض السيارات الحديثة الموفّرة للوقود إلى ألف كيلومتر بتعبئة واحدة. أما شحن البطارية فيتطلب ساعات عدّة، ولن يتوقف السائق لنصف نهار في منتصف الطريق لهذه المهمة. صحيح أن التكنولوجيا تطوَّرت في السنوات الأخيرة، ما أتاح إنتاج بطارية لسيارة كبيرة تمكن إعادة شحنها خلال دقائق. لكن هذا يتطلب قدرة كهربائية كبيرة جداً. فتأمين عشر محطات شحن سريع في مدينة واحدة يستدعي مَدّها بقدرة كهربائية موازية لنحو ألف منزل، إذا عملت كلها في وقت واحد.
طُرحت أفكار كثيرة كبديل عن البطاريات، منها ضخ المياه من خزانات منخفضة إلى أخرى مرتفعة، في أوقات توليد الكهرباء من الشمس والرياح، واستخدامها عند الحاجة لتشغيل توربينات كهربائية، عبر إعادتها، بقوّة الجاذبية، إلى الخزانات المنخفضة. لكن الحلّ العملي والممكن، الذي تقوده اليوم الصين وألمانيا وبريطانيا، هو الاعتماد على الهيدروجين كناقل للطاقة. فالهيدروجين المسال يمكن تخزينه في محطات المحروقات، وضخّه في خزانات السيارات بسرعة توازي سرعة ضخ البنزين. كما يمكن استخدامه كوقود في محطات توليد الكهرباء. ويتمّ إنتاج الهيدروجين عن طريق التحلّل المائي، باستخدام التيار الكهربائي لفصل الهيدروجين، أحد المكوّنَيْن الاثنين للماء، تمهيداً لتخزينه مضغوطاً ومسيّلاً. أما مصدر الكهرباء التي تحتاج إليها العملية فيمكن، في أي وقت، أن يكون من الشمس والرياح. كما يمكن استخدام الكهرباء من محطات تقليدية تعمل بالنفط والغاز، تقوم على جمع الكربون وتخزينه مركزيّاً، إذ إن هذه التقنية غير متاحة في وسائل النقل أو محطات توليد الكهرباء الصغيرة. إنتاج الهيدروجين يحتاج، ببساطة، إلى كهرباء ومياه، حتى لو كانت مياهاً مالحة من البحر.
وسائل النقل بالهيدروجين
تبقى وسائل النقل المجال الأبرز لاستخدام الهيدروجين كوقود. فهو يتمتع بفاعلية أعلى من البنزين، إذ إن عشرة كيلوغرامات من الهيدروجين المسال تكفي لمسافة ألف كيلومتر. وتمكن تعبئة الخزان بالسرعة نفسها التي نحتاج إليها لتعبئة البنزين والديزل. كما أن إنتاج الهيدروجين ممكن من أي مصدر للكهرباء. عدا عن أن استخدامه كوقود نظيف ممكن في كل وقت، بخلاف الشمس والرياح، المرتبطة بعوامل الطقس. وفي حين بدأت شركات سيارات ألمانية، تتصدّرها «بي إم دبليو»، تطوير محركات عاملة على الهيدروجين، دخلت شركات يابانية، في طليعتها «تويوتا»، هذا المجال حديثاً. وأعلنت منذ شهور عن تطوير سيارة هيدروجين بمواصفات فخمة تشبه طرازات «ليكزوس».
توسيع استخدام الهيدروجين في وسائل النقل لا يزال بحاجة إلى خطوات عدّة، تتعدى إنتاج المادة نفسها. فهو يتطلب شبكات توزيع خاصة، وتعديلات في محطات الوقود تحفظ السلامة، عدا عن السعر المرتفع للخلايا العاملة على الهيدروجين. لذا، تتجاوز كلفة شراء وتشغيل سيارة تعمل على الهيدروجين اليوم ضعفي السيارة التقليدية. غير أن الوضع لن يطول كثيراً على هذه الحال، إذ إن الصين تعمل بصمت على تطوير تكنولوجيا خلايا الهيدروجين للسيارات، وإنتاجها بالملايين. ويتوقع الخبراء أنه بحلول سنة 2030، أي بعد عشر سنوات فقط، سيصبح سعر السيارة العاملة بالهيدروجين مساوياً لسعر السيارة التقليدية.
ألمانيا كانت سبّاقة في تسيير قطارات ركّاب تعمل على الهيدروجين، إذ أصبحت في سبتمبر (أيلول) عام 2018 البلد الأول في العالم في هذا المجال. أما بريطانيا فقد أجرت أخيراً تجارب عملية ناجحة على قطار يعمل بالهيدروجين، قطع مسافة طويلة على سكك القطارات التقليدية. ومن المتوقَّع أن تنقل قطارات الهيدروجين الركّاب على الخطوط البريطانية خلال سنتين أو ثلاث على أبعد تقدير. ولن يكون بعيداً اليوم الذي تعمّ فيه قطارات الهيدروجين كل أوروبا.
وفي عام 2016 حلّقت أول طائرة ركّاب تعمل على خلايا الهيدروجين في رحلة تجريبية من مطار شتوتغارت الألماني، لتفتح الطريق أمام تطوّرات قد تغيّر تكنولوجيا الطيران. وفي أغسطس (آب) 2019 أطلقت شركة حديثة الولادة في كاليفورنيا طائرة تعمل بخلايا الهيدروجين، تتسع لـ19 راكباً، وهي تتوقع إنتاجها تجاريّاً سنة 2022. ولدى «إيرباص» و«بوينغ»، أكبر شركتين لصنع طائرات الركاب في العالم، برامج طموحة لتطوير تكنولوجيا خلايا الهيدروجين للطائرات، علماً أن النقل الجوّي من أكثر سبل المواصلات تلويثاً. وكما الطائرات، بدأت تجارب عملية لتسيير السفن العملاقة على الهيدروجين.
وكانت شركة «أرامكو السعودية» قد أقامت، قبل شهور، أول محطة لوقود الهيدروجين في السعودية، تقع في وادي الظهران. وتزوّد هذه المحطة التجريبية أسطولاً من السيارات الكهربائية العاملة بخلايا الوقود الهيدروجيني. وتهدف التجربة إلى تعميم استخدام وسائل النقل العاملة على الهيدروجين في السعودية، ما يؤدي إلى تخفيض تلوُّث الهواء.




