شوف تشوف

الرئيسيةالملف السياسيسياسية

هل دقت ساعة الحساب

مسؤولون وبرلمانيون ورؤساء جماعات يتابعون في ملفات الفساد

لقد نص دستور المملكة لسنة 2011 في عدد من بنوده على دعم كل الآليات التي من شأنها ترسيخ قيم الشفافية وتعزيز النزاهة والإنصاف والحكامة الجيدة، ومكافحة كل مظاهر الفساد من خلال ربط المسؤولية بالمحاسبة، وذلك من أجل الحفاظ على الأموال والممتلكات العمومية. في هذا الباب، ومن أجل تخليق الحياة العامة، وبناء الثقة لدى المواطن ولدى المجتمع الدولي في المؤسسات والهيآت العامة، تم تعزيز الأدوار الرقابية وأدوار التتبع والتقييم والتشاور والوساطة الموكلة للمؤسسات الدستورية المعنية بترسيخ الحكامة الجيدة، حيث تقوم هذه المؤسسات بمهام افتحاص للتدبير المالي والإداري لكل لقطاعات الحكومية والجماعات الترابية، وتنجز تقارير يحال بعضها على القضاء في حال رصد اختلالات ذات صبغة جنائية، وهناك حاليا العديد من الملفات المفتوحة أمام المحاكم المختصة في جرائم الأموال، كما يوجد عشرات المسؤولين ورؤساء الجماعات يتابعون أمام هذه المحاكم، بعضهم يوجد في حالة اعتقال، وضمنهم وزراء سابقون وبرلمانيون.

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي

 

تعتبر مكافحة الفساد مجالا التقائيا تتقاطع فيه السياسة الحكومية مع سياسة باقي الفرقاء من مؤسسات حكامة ومجتمع مدني وقطاع خاص، كما يتعلق شق منه بالتعاون الدولي مع مختلف المنظمات والهيآت الدولية الداعمة للمجهودات الوطنية الأفقية أو القطاعية.

وفي هذا السياق، اعتمدت المملكة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في سياق دينامية وطنية تتميز بالوعي المتزايد لدى المواطنين والمجتمع المدني بآفة الفساد. وجعلت هذه الاستراتيجية من بين أهدافها تعزيز ثقة المواطنين، من خلال جعل الفساد في منحى تنازلي وتوطيد ثقافة النزاهة في عالم الأعمال وتحسين مناخه، مع تعزيز موقع المملكة على الصعيد الدولي، وتم إعدادها وفق مقاربة مندمجة ومتكاملة، كما تم التركيز على الإجراءات العملية وذات التأثير المباشر على الفساد، من خلال اعتماد حقيبة مشاريع موزعة على عشرة برامج موضوعاتية تروم تحقيق 31 هدفا استراتيجيا، يتولى تنسيقها بعض القطاعات الوزارية إلى جانب ممثل عن القطاع الخاص، ويتم تنفيذها على مدى عشر سنوات من 2016 إلى 2025.

غير أنه رغم الجهود الرسمية المبذولة من طرف الدولة، تواصل المنظمات الدولية ضغطها على المغرب في مجال مكافحة الفساد حينا بتقارير تنتقد الوضعية أكثر مما تبرز التقدم الحاصل، وتارة أخرى بتصنيفات تثير انتقادات رسمية وشكوكا من المتابعين للوضع في المغرب، والمجهود الذي يبذل في السياق.

 

تعددت المؤسسات والهدف واحد

لقد نص دستور 2011 على آلية تشكيل لجان تقصي الحقائق، ومهمتها جمع المعلومات المتعلقة بوقائع معينة، أو تدبير المصالح أو المؤسسات والمقاولات العمومية…، وتنتهي مهمة كل لجنة لتقصي الحقائق فور فتح تحقيق قضائي في الوقائع التي اقتضت تشكيلها، كما نص الدستور على ضمانة استقلالية المجلس الأعلى للحسابات المكلف بمراقبة المالية العامة، عبر تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة، بالنسبة إلى الدولة والأجهزة العامة.

وخصص الدستور بابا كاملا لمبدأ الحكامة الجيدة، حيث ينص الفصل 154 على أن المرافق العامة تخضع لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، والفصل 158 على إلزامية تقديم تصريح بالممتلكات للأشخاص المنتخبين أو المُعينين، فيما ينص الفصل 159 على استقلالية الهيئات المكلفة بالحكامة. وأكد الدستور كذلك استقلالية مجلس المنافسة، المكلف بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق.

ونص الفصل 167 على إحداث الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، محددا مهامها في «التنسيق والإشراف وضمان تتبع وتنفيذ سياسات محاربة الفساد، وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال، والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، وقيم المواطنة المسؤولة».

ويعتبر إقرار نموذج  تنموي جديد، حسب مختصين، فرصة جديدة لمحاربة مظاهر الفساد، إذ أشار محمد بشير الراشدي، رئيس «الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها»، إلى أن المرحلة الجديدة في مكافحة الفساد يجب أن تقوم على مبدأ سيادة القانون، الذي يجعل من الشفافية والحكامة قاعدتين لا غنى عنهما لتلبية الانتظارات المشروعة للمواطنين في إطار النموذج التنموي الجديد، وأن إصدار التقرير السنوي للهيئة يأتي في سياق استثنائي يتسم بوجود مجموعة من المؤشرات الإيجابية، والعزم على مباشرة إصلاحات عميقة، كفيلة بصون كرامة المواطنين، وضمان ولوجهم المنصف إلى حقوقهم، والاستجابة لتطلعاتهم المشروعة في حياة مزدهرة.

وفي خوضه معركة مكافحة الفساد والرشوة، عمل المغرب على تعزيز آلياته المؤسساتية والقانونية، ومن ذلك إحداث «الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها»، بمقتضى الفصل 36 من الدستور، ونص مشروع قانون الهيئة المذكورة على إمكانية أن تتصدى الهيئة تلقائيا إلى كل حالة من حالات الفساد التي تصل إلى علمها، كما يمكنها القيام أو طلب القيام من أي جهة معينة تعميق البحث والتحري في الأفعال التي ثبت للهيئة، بناء على معطيات أو معلومات أو مؤشرات، أنها تشكل حالات فساد، واتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل ترتيب الآثار القانونية في ضوء النتائج.

كما منح مشروع القانون الجديد، الهيئة إمكانية التماس تسخير القوة العمومية لمؤازرة مأموريها في القيام بمهامهم خلال أعمال البحث والتحري. وعمل مشروع القانون على إعادة صياغة المقتضيات المتعلقة بتحديد مفهوم الفساد، وذلك بغاية توسيع نطاق تعريفه ليشمل جريمة تبديد الأموال العمومية ولما قد يجرمه المشرع مستقبلا من أفعال، إلى جانب المخالفات الإدارية والمالية التي تشكل سلوكيات تتسم بالانحراف وعدم حماية الصالح العام، وتناقض القواعد المهنية، ومبادئ الحكامة وقيم الشفافية والنزاهة.

 

مقترحات لمواجهة الفساد

كانت مؤسسة الشفافية الدولية «ترانسبرانسي» بعد مضي سبعة أشهر على تنصب الحكومة، قد وجهت مذكرة إلى رئيس الحكومة دعتها فيها إلى «أن تتولى الحكومة فيها زمام القيادة بالتوافق مع القضاء للإشراف على الامتثال للقانون وتعزيز استقلاليته»، وساءلت مضامين المذكرة، عزيز أخنوش، عن مسار تفعيل مقتضيات ومضامين «الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد» التي ظلت مُجمدة منذ إعدادها والتصديق عليها أواخر عام 2015؛ مطلبٌ يظل أكثر إلحاحاً حسب أعضاء المكتب التنفيذي لـ«ترانسبرانسي المغرب»، التي طالبت الحكومة بـ«توضيح سياستها في مجال تضارب المصالح والإثراء غير المشروع، وتحديد الإجراءات التي ستتخذها لتعزيز موارد الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها من أجل ضمان استقلاليتها وفعاليتها».

ولم تُغفل «ترانسبرانسي» التذكير، ضمن مذكرتها، بأن «الفساد المستشري ببلادنا ذو طبيعة مزمنة ونسَقية، وهو ما تؤكده المراتب المتدنية التي يحتلها المغرب في مؤشرات مُدركات الفساد، إذ حصل على نقطة 39/100 والمركز 87 في نسخة 2022، مسجلاً انخفاضًا قدره 4 نقط في درجته و14 مركزًا مقارنة بعام 2018 من بين 180 دولة».

ومن بين أبرز مطالب الجمعية الموجهة إلى رئيس الحكومة أن تتم «إعادة الاعتبار لمجلس المنافسة، بالحد من التدخل في صلاحياته الدستورية وإثارة العوائق أمام ممارسة صلاحياته، بدءا بتطبيق العقوبات المستحقة بخصوص ملف المحروقات، بعد ما تأكدت الخروقات المرتكبة من طرف أعضائه بعد إجماع البرلمان وباقي هيئات الإشراف على النتائج نفسها وثقلها المالي»، تضيف الوثيقة ذاتها، قبل أن تقف أيضاً عند مطلب «مراجعة قانون التصريح بالممتلكات والسماح بالوصول إلى المعلومات المتعلقة به، ليس من قِبَل هيئات التتبع والمراقبة فحسب، بل من قبل كل من له مصلحة في ذلك».

كما طالبت الجمعية الحقوقية بـ«مراجعة القانون رقم 13-31 المتعلق بالحق في الوصول للمعلومات برفع الاستثناءات العديدة غير المبررة، وخاصة إلغاء الردع من خلال الملاحقة الجنائية لمستعملي المعلومة في حالة ما لم تَرُق الإدارة المعنية، وغياب ردع الموظفين الممتنعين أو المتقاعسين عن تقديم المعلومة، وفعالية لجنة الوصول إلى المعلومات، بما في ذلك فك ارتباطها بلجنة حماية المعطيات الشخصية».

 

تقارير مضادة

لا تفتأ التقارير الدولية تنتقد وضعية محاربة المغرب للفساد، حيث اعتبر آخر تقرير صدر لمنظمة الشفافية الدولية، أن المغرب يعيش وضعية فساد عامة، دون وجود آفاق للخروج من هذه الوضعية، حيث تظل كل التوصيات الصادرة للبلد حبرا على ورق ولا تجد آذانا صاغية لتفعيلها على أرض الواقع، وأشار تقرير المؤسسة حول وضعية الرشوة من خلال مؤشر الرشوة لسنة 2022 ومؤشر الميزانية المفتوحة 2021 ومؤشر الديمقراطية على التقهقر الذي يعرفه المغرب في التصنيفات الدولية المرتبطة بالفساد، حيث يحافظ على تموقعه في المراتب المتأخرة.

ففي مؤشر ملامسة الرشوة احتل المغرب سنة 2022 المرتبة 94 من أصل 180 دولة، بـ 38 نقطة، ليتراجع بسبع مراتب مقارنة مع سنة 2021، و14 مرتبة مقارنة مع 2011، و21 مرتبة مقارنة مع 2018، ليكون تصنيف المغرب في 2022 هو الأسوأ على مستوى مؤشر الرشوة، كما أبرز التقرير أن الرشوة متفشية في الإدارات العمومية بشكل كبير، ويلامسها المواطن في حياته اليومية، حتى وإن كانت حدتها تتفاوت حسب الإدارات والقطاعات، مؤكدا الترابط الكبير بين تفشي الفساد وغياب الديمقراطية، فالبلدان الموجودة في المراتب المتقدمة على مستوى مؤشر الديمقراطية هي الدول التي تعرف انخفاضا كبيرا في الفساد، وكلما قل منسوب الديمقراطية كلما زادت حدة الفساد وتفشيه.

وأوضح التقرير أن المغرب يحتل المرتبة 95 في مؤشر الديمقراطية، ويشهد بالتالي تفشيا كبيرا للفساد، فالديمقراطية بالمغرب تقتصر على الواجهة لتحسين الصورة على المستوى الخارجي، في حين أن الواقع المعاش مختلف، لافتا إلى أن محاربة الفساد تكون عبر مؤسسات ديمقراطية، وتفعيل دولة الحق والقانون، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وهو ما يغيب عن المغرب، متوقفا على المرتبة غير الجيدة للمغرب على مستوى مؤشر الميزانية المفتوحة، وهو المؤشر المرتبط بمدى الوصول إلى المعلومة، ومراقبة الميزانية من طرف المؤسسات المعنية، وكذا مشاركة المواطنين في هذه الميزانية من البداية إلى النهاية.

ورصد التقرير وجود ثغرات كثيرة في قانون الحصول على المعلومة، إضافة إلى عدم احترامه وتطبيقه، ومنع الصحافيين من الوصول للمعلومة، ناهيك عن غياب مؤسسات مستقلة لمراقبة المالية العمومية، مبرزا أن محاربة الفساد تبقى مرتبطة بالحكامة الجيدة الغائبة في المغرب وبالديمقراطية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وهو المبدأ الدستوري المعطل، ووجود مؤسسات مستقلة وليس مؤسسات شكلية لا تقوم بواجبها.

ونبه المتحدث إلى أن هيئات الرقابة بالمغرب غير مفعلة، ومفتشيات الوزارات تعرض نتائجها على الوزير الذي له إمكانية التجميد، ناهيك عن أن التشريع غير جيد على مستوى محاربة الفساد، ولا يوجد تجريم للإثراء غير المشروع، وحتى في تطبيق التشريع الموجود هناك انتقائية في المتابعات ومؤسسات لا تحاسَب.

وخلصت «ترانسبرانسي» المغرب إلى أن المغرب لم يقم بشيء لتغيير واقع الفساد، فالتشريعات الموجودة على علاتها لا تنفذ، كما هو الشأن بالنسبة لقانون الحصول على المعلومة، والفساد عام ومعمم دون وجود مؤسسات حقيقية لمناهضته، ووضعية الإفلات من العقاب مستمرة.

«ترانسبرانسي».. الفساد ما زال مستشريا وذو طبيعة نسقية

 

كانت مؤسسة الشفافية الدولية (ترانسبرانسي)، بعد مضي سبعة أشهر على تنصيب الحكومة، قد وجهت مذكرة إلى رئيس الحكومة دعته فيها إلى «أن تتولى الحكومة زمام القيادة بالتوافق مع القضاء، للإشراف على الامتثال للقانون وتعزيز استقلاليته». وساءلت مضامين المذكرة، عزيز أخنوش، عن مسار تفعيل مقتضيات ومضامين «الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد» التي ظلت مجمدة منذ إعدادها والتصديق عليها أواخر عام 2015؛ مطلب يظل أكثر إلحاحا، حسب أعضاء المكتب التنفيذي لـ«ترانسبرانسي المغرب»، الذين طالبوا الحكومة بـ«توضيح سياستها في مجال تضارب المصالح والإثراء غير المشروع، وتحديد الإجراءات التي ستتخذها لتعزيز موارد الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، من أجل ضمان استقلاليتها وفعاليتها».

ولم تُغفل «ترانسبرانسي» التذكير، ضمن مذكرتها، بأن «الفساد المستشري ببلادنا ذو طبيعة مزمنة ونسقية، وهو ما تؤكده المراتب المتدنية التي يحتلها المغرب في مؤشرات مُدركات الفساد، إذ حصل على نقطة 39/100 والمركز 87 في نسخة 2022، مسجلا انخفاضا قدره 4 نقاط في درجته و14 مركزا مقارنة بعام 2018 من بين 180 دولة». ومن بين أبرز مطالب الجمعية الموجهة إلى رئيس الحكومة بأن تتم «إعادة الاعتبار لمجلس المنافسة، بالحد من التدخل في صلاحياته الدستورية وإثارة العوائق أمام ممارسة صلاحياته، بدءا بتطبيق العقوبات المستحقة بخصوص ملف المحروقات، بعد ما تأكدت الخروقات المرتكبة من طرف أعضائه بعد إجماع البرلمان وباقي هيئات الإشراف على النتائج نفسها وثقلها المالي»، تضيف الوثيقة ذاتها، قبل أن تقف أيضا عند مطلب «مراجعة قانون التصريح بالممتلكات والسماح بالوصول إلى المعلومات المتعلقة به، ليس من قِبَل هيئات التتبع والمراقبة فحسب، بل من قبل كل من له مصلحة في ذلك».

كما طالبت الجمعية الحقوقية بـ«مراجعة القانون رقم 13-31 المتعلق بالحق في الوصول إلى المعلومات برفع الاستثناءات العديدة غير المبررة، وخاصة إلغاء الردع من خلال الملاحقة الجنائية لمستعملي المعلومة في حالة ما لم تَرُق الإدارة المعنية، وغياب ردع الموظفين الممتنعين أو المتقاعسين عن تقديم المعلومة، وفعالية لجنة الوصول إلى المعلومات، بما في ذلك فك ارتباطها بلجنة حماية المعطيات الشخصية». ولا تفتأ التقارير الدولية تنتقد وضعية محاربة المغرب للفساد، حيث اعتبر آخر تقرير صدر لمنظمة الشفافية الدولية، أن المغرب يعيش وضعية فساد عامة، دون وجود آفاق للخروج من هذه الوضعية، حيث تظل كل التوصيات الصادرة للبلد حبرا على ورق، ولا تجد آذانا صاغية لتفعيلها على أرض الواقع، وأشار تقرير المؤسسة حول وضعية الرشوة من خلال مؤشر الرشوة لسنة 2023 ومؤشر الميزانية المفتوحة 2022 ومؤشر الديمقراطية «إلى التقهقر الذي يعرفه المغرب في التصنيفات الدولية المرتبطة بالفساد، حيث يحافظ على تموقعه في المراتب المتأخرة».

كما أنه وفي مؤشر ملامسة الرشوة احتل المغرب سنة 2022 المرتبة 94 من أصل 180 دولة، بـ38 نقطة، ليتراجع بسبع مراتب مقارنة مع سنة 2021، و14 مرتبة مقارنة مع 2011، و21 مرتبة مقارنة مع 2018، ليكون تصنيف المغرب في 2022 هو الأسوأ على مستوى مؤشر الرشوة. كما أبرز التقرير أن الرشوة متفشية في الإدارات العمومية بشكل كبير، ويلمسها المواطن في حياته اليومية، حتى وإن كانت حدتها تتفاوت حسب الإدارات والقطاعات، مؤكدا الترابط الكبير بين تفشي الفساد وغياب الديمقراطية، فالبلدان الموجودة في المراتب المتقدمة على مستوى مؤشر الديمقراطية هي الدول التي تعرف انخفاضا كبيرا في الفساد، وكلما قل منسوب الديمقراطية كلما زادت حدة الفساد وتفشيه.

إحالة 18 تقريرا على النيابة العامة ومتابعة 137 منتخبا أمام القضاء

 

أفاد تقرير صادر عن وزارة الداخلية بأن عدد المتابعات القضائية في حق أعضاء مجالس الجماعات الترابية بلغ 137 منتخبا، ضمنهم رؤساء جماعات ونواب للرئيس ومستشارون جماعيون ورؤساء سابقون، وذلك بسبب ارتكابهم لأفعال مخالفة للقانون.

وأوضح التقرير الذي أحاله وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، على لجنة الداخلية بمجلس النواب، أنه في إطار تتبع الوزارة للمتابعات القضائية في حق منتخبي مجالس الجماعات الترابية الرائجة أمام المحاكم المختصة، وترتيب الآثار القانونية للأحكام القضائية الصادرة بشأنها على وضعية المنتخبين المعنيين بمجالس الجماعات الترابية، ولا سيما التشطيب عليهم من اللوائح الانتخابية، وبالتالي عدم أهليتهم لممارسة المهام الانتدابية، فقد بلغ عدد المتابعات القضائية في حق أعضاء مجالس الجماعات الترابية 137 حالة، تتعلق ب 43 رئيس جماعة، و23 نائبا للرئيس، و49 مستشارا جماعيا، و22 رئيس جماعة سابق.

وحسب التقرير، فقد توصلت وزارة الداخلية، خلال هذه السنة، بما مجموعه 193 شكاية، من بعض أعضاء مجالس الجماعات الترابية والمواطنين وجمعيات المجتمع المدني، تتعلق بالمخالفات المرتكبة في المجال المالي والإداري ومجال التعمير وربط بعض منتخبي الجماعات مصالح خاصة مع جماعاتهم، وقد تمت إحالة بعض هذه الشكايات على المفتشية العامة للإدارة الترابية ، كما تمت إحالتها على ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم المعنية، لإجراء بحث في مضمونها والتأكد من صحتها وموافاة وزارة الداخلية بتقارير في هذا الشأن، وعند الاقتضاء اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.

وأحال وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، 18 تقريرا أسود أنجزتها المفتشية العامة للإدارة الترابية التابعة لوزارة الداخلية، على أنظار رئيس النيابة العامة، الحسن الداكي، والرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، زينب العدوي، من أجل اتخاذ المتعين بشأنها، وتتعلق هذه التقارير باختلالات رصدتها المفتشية في تدبير الجماعات الترابية.

وأفاد تقرير وزارة الداخلية بأنه تم اتخاذ 93 إجراء بخصوص مخالفات قانونية واختلالات وخروقات مالية وإدارية منسوبة لرؤساء مجالس الجماعات الترابية ومجالس العمالات والأقاليم، وذلك بناء على تقارير أنجزتها المفتشية العامة للإدارة الترابية، وتتوزع هذه الإجراءات بين اتخاذ تدابير تقويمية بلغ 44 ملفا، فيما تمت إحالة 23 تقريرا تتعلق بأطر وأعوان الإدارية الترابية على الجهات الإدارية المختصة من أجل اتخاذ الإجراءات الملائمة، وإحالة 8 ملفات على القضاء الإداري من أجل تفعيل مسطرة العزل في حق رؤساء وأعضاء مجالس جماعات من طرف السلطات الإقليمية المعنية. وأشار التقرير إلى مباشرة مسطرة إحالة أربعة ملفات تتضمن أفعالا تشكل قرائن لمخالفات تستوجب المسؤولية في مادة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية على المجالس الجهوية للحسابات، وإحالة 14 ملفا تكتسي صبغة جنائية على أنظار رئاسة النيابة العامة لاتخاذ المتعين بشأنها. وأفادت المصادر بأن أغلب هذه الملفات تخص جماعات توجد بأقاليم مراكش وطنجة وتطوان وشفشاون والحسيمة والناظور والقنيطرة وتازة وسيدي سليمان وسيدي قاسم …

وأوضح التقرير أن الإجراءات والتدابير المتخذة تختلف حسب طبيعة الخروقات المرتكبة، فمنها ما يكتسي طابعا تقويميا أو تأديبيا ومنها ما يتم إحالته على السلطات القضائية المختصة، ولفت التقرير إلى أنه بالنسبة للاختلالات التي لا تكتسي طابع الجسامة، التي ليس لها وقع على مالية الجماعة وعلى الخدمة الموجهة للمواطن، والتي يمكن تداركها باتخاذ بعض الإجراءات التقويمية، حرصت لجان التفتيش على اقتراح مجموعة من التوصيات لتصحيح الاختلالات المسجلة وتسوية الوضعية، وكذا لتفادي تكرارها مستقبلا.

وبخصوص الحالات التي يتم بشأنها تسجيل خروقات أو تجاوزات في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، أكد التقرير أنه تتم الإحالة على وكيل الملك لدى المحاكم المالية المختصة، كما أنه كلما ثبت ارتكاب أفعال جسيمة مخالفة للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل أو مخالفة لأخلاقيات المرفق العام أو تمس بمصالح الجماعة، فإنه يتم، بمبادرة من السلطات الإقليمية المعنية، تفعيل مقتضيات المادة 64 من القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات. أما بخصوص الأفعال ذات الصبغة الجنائية، فتتم إحالتها على السلطات القضائية المختصة.

وأبرز التقرير أن الإجراءات التقويمية المتخذة تبعا لمهام التفتيش والبحث المنجزة، شكلت نسبة 47 في المئة من مجموع التدابير المتخذة، متبوعة بإجراء إحالة تقارير مهام البحث بخصوص مجالات تدخل الإدارة الترابية على الجهات الإدارية المختصة بنسبة 25 في المئة ، أما الإحالة على النيابة العامة المختصة فتمثل 15 في المئة من مجموع التدابير المتخذة.

وكشف التقرير، أنه تبعا لطلبات مهام التفتيش الواردة عليها من مصادر متنوعة ومتعددة (مصالح مركزية، ولاة وعمال، منتخبون، مجتمع مدني مواطنون …)، والتي قد تفيد بعد إجراء أبحاث أولية بوجود تجاوزات على مستوى تدبير الشأن الترابي تستوجب إيفاد لجان تفتيش، قامت المفتشية العامة للإدارة الترابية ببرمجة وإنجاز مجموعة من مهام التفتيش والبحث في ميادين مختلفة.

وفي هذا الإطار، تم تدبير ملفات ما مجموعه 70 مهمة منها 39 مهمة تتعلق بأفعال منسوبة لرؤساء المجالس وأخرى متعلقة بمقررات مجالس الجماعات تضم 24 مهمة منجزة خلال سنة 2023، و15 مهمة خلال سنة 2022 تم استكمال تدبيرها خلال السنة الجارية، و14 مهمة تتعلق بمجال تدخل الإدارة الترابية تضم 7 مهام منجزة خلال سنة 2023، و7 مهام خلال سنة 2022، و17 مهمة بحث ذات مواضيع مختلفة من بينها 4 مهام أنجزت خلال سنة 2022، وتم استكمال الإجراءات المتعلقة بها خلال السنة الجارية.

وقامت المفتشية العامة للإدارة الترابية بتدبير 14 مهمة بحث على مستوى مجال تدخل الإدارة الترابية، خلصت إلى تسجيل عدة ملاحظات تهم مجال مراقبة وزجر مخالفات التعمير والبناء. ويتم في حالة ثبوت المسؤولية الشخصية، إعمال المسطرة الملائمة وفقا لما تنص عليه القوانين والأنظمة الجاري بها العمل لاتخاذ التدابير القانونية اللازمة.

التصريح بالممتلكات ومبدأ من أين لك هذا؟

يشكل تحديد مصادر ثراء الوزراء والبرلمانيين وكبار المسؤولين أحد أعمدة الحكامة الجيدة والشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد، خاصة أن المغرب صادق على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد الموقعة بنيويورك في 31 أكتوبر 2003، والتي تنص على أنه، من أجل مكافحة الفساد، تعمل كل دولة طرف، ضمن جملة أمور، على تعزيز النزاهة والأمانة والمسؤولية بين موظفيها العموميين، وفقا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني. وتحث الاتفاقية الدول المصادقة عليها على وضع تدابير ونظم تلزم الموظفين العموميين بأن يفصحوا للسلطات المعنية عن أشياء، منها ما لهم من أنشطة خارجية وعمل وظيفي واستثمارات وموجودات وهبات أو منافع كبيرة قد تفضي إلى تضارب في المصالح مع مهامهم كموظفين عموميين.

ورغم أن المغرب اعتمد قانون التصريح الإجباري بالممتلكات منذ سنة 2010، فإن هذا القانون، حسب المختصين، تشوبه العديد من النواقص والثغرات التي تجعل مهمة تتبع ثروات الملزمين بالتصاريح غير ذات جدوى، أمام استغلال المعنيين لهذه النواقص في التحايل على القانون، بتسجيل ممتلكاتهم في أسماء زوجاتهم وأبنائهم، في حين يتملص البعض الآخر من التصريح بالممتلكات، أمام الصعوبات التي تواجه المجلس الأعلى للحسابات في دراسة كل الملفات المعروضة عليه.

وتنقسم التصريحات الإجبارية بالممتلكات، التي جاء بها القانون، إلى أربعة أنواع، تتجلى في التصريح الأولي عند التعيين أو الانتخاب في أحد مناصب المسؤولية المستوجبة لإلزامية التصريح، والتصريح التكميلي عندما تطرأ تغييرات علي وضعية ممتلكات بعض الملزمين (قضاة محاكم المملكة، قضاة المحاكم المالية، بعض المنتخبين وبعض الموظفين والأعوان العموميين)، وتجديد التصريح الذي يتم في شهر فبراير كل سنتين أو ثلاث سنوات حسب الحالة، والتصريح الذي يلي انتهاء المهام أو الانتداب لأي سبب باستثناء الوفاة. وفي حالة عدم احترام إلزامية إيداع التصريح الإجباري بالممتلكات، وكذا الآجال المحددة وما نص عليه الإطار القانوني المنظم للتصريح الإجباري بالممتلكات في هذا الصدد، يعرض صاحبه إلى العقوبات المنصوص عليها في القوانين الجاري بها العمل.

وتشمل لائحة الممتلكات التي يطالب المجلس الأعلى للحسابات الملزمين بضرورة التصريح الإجباري بها، العقارات والأموال المنقولة، منها الأصول التجارية والودائع في حسابات بنكية والسندات والحصص والأسهم في الشركات والممتلكات المتحصلة عن طريق الإرث أو الاقتراضات والعربات ذات محرك والتحف الفنية والأثرية والحلي والمجوهرات، بالإضافة إلى الممتلكات المشتركة مع الأغيار، وتلك التي يدبرونها لحسابهم وممتلكات القاصرين. وتم إقرار الحد الأدنى لقيمة الأموال المنقولة الواجب التصريح بها، في 30 مليون سنتيم لكل صنف من أصناف الأموال المنقولة، عند تاريخ اقتنائها أو عن طريق الشراء أو تملكها.

وأناط المشرع بالمجلس الأعلى للحسابات مهمة تسلم التصريحات واستثناء ببعض الهيئات اعتبارا للحساسية التي تكتسيها بعض التصريحات، إذ إن التصريحات بممتلكات أعضاء الحكومة والشخصيات المماثلة ورؤساء دواوينهم وأعضاء الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري وكذلك فئات معينة من الموظفين أو الأعوان العموميين كما هو محدد بموجب القانون رقم 06 – 54 المتعلق بالتصريح الإجباري بالممتلكات، تودع لدى كاتب الضبط المركزي بالمجلس الأعلى للحسابات، كما أن الأشخاص الملزمين الآخرين، كأعضاء مجلسي النواب والمستشارين وأعضاء المجلس الدستوري، يقدمون تصريحاتهم لدى الهيئة المشتركة بين المجلس الأعلى للحسابات ومحكمة النقض، والتي يرأسها الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات. وفي ما يخص قضاة المحاكم المالية، فإنهم يودعون تصريحاتهم لدى مجلس قضاء هذه المحاكم.

 

متملصون ومتحايلون على القانون

 

تنص المنظومة القانونية المتعلقة بالتصريح بالممتلكات على وجوب رفع الرئيس الأول الأمر إلى السلطة الحكومية المعنية قصد اتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في المادة 11 من القانون رقم 54.06 الذي ينص على أنه «يتعرض الموظف أو العون العمومي الذي يرفض القيام بالتصريحات المنصوص عليها في هذا القانون أو الذي لا يطابق مضمون تصريحاته أحكام المادتين 4 و5 من القانون المذكور أو الذي قدم تصريحا غير كامل ولم يقم بتسوية وضعيته رغم إنذاره طبقا للمادة 7 من القانون، للعزل من الوظيفة أو فسخ العقد بالنسبة للعون العمومي من طرف السلطة الحكومية التي لها حق التأديب». ويقوم المجلس بإعداد ملفات الأشخاص المخلين بإجبارية التصريح قصد إحالتها على السلطات الحكومية المختصة لاتخاذ الإجراءات القانونية المقررة.

 

صعوبات تواجه مجلس العدوي

أشار المجلس الأعلى للحسابات في تقريره إلى أن غالبية قوائم الملزمين لا يتم إرسالها من طرف السلطات الحكومية إلا بعد الواقعة المنشئة بكثير، كالتعيين أو انتهاء المهام، فإنه يصعب تحديد إن كانت تصريحات الملزمين تم إيداعها داخل الآجال القانونية أو خارجها، وعلى الرغم من ذلك، واصل المجلس الأعلى للحسابات تلقي التصريحات حتى في غياب القوائم المشار إليها أعلاه، منتهجا في ذلك مقاربة بيداغوجية، متدرجة وغير قسرية، مع إثارة انتباه السلطات الحكومية إلى واجباتهم القانونية والتنظيمية في هذا الصدد.

وعند توصل المجلس بقوائم الملزمين، وبعد التأكد من سقوط الآجال القانونية المخولة للملزمين للقيام بإجراءات إيداع التصريحات، يقوم الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، الذي هو في الوقت نفسه رئيس الهيئة المكلفة بتلقي ومراقبة تصريحات بعض فئات الملزمين، بإبلاغ السلطة المعنية بقائمة بأسماء المصرحين وكذا بقائمة الملزمين الذين تخلفوا عن القيام بذلك.

 

ثلاثة أسئلة لمحمد مشكور*

                 

«لا يمكن الحديث عن دولة المؤسسات والحق والقانون والتنمية دون الحديث عن محاربة الفساد»

 

  • ما الرسائل والدلالات التي يحملها تزايد عدد الملفات المعروضة على القضاء لمتهمين في قضايا نهب المال العام؟

تجب الإشارة إلى أنه سبق لنا في الجمعية المغربية لحماية المال العام أن سجلنا بشكل إيجابي تحريك القضاء لعدد من الملفات المرتبطة بنهب المال العام، ويجب التأكيد على أننا في الجمعية لسنا ضد الأشخاص ولا ندعو إلى شخصنة قضايا من هذا النوع، بل نشدد، في كل مناسبة، على أن هدفنا في كل ما يثار من هذه الملفات ليس الزج بالأشخاص في السجون، بقدر ما ندافع ونطالب بتخليق تدبير المال العام ومبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، ولهذا فنحن نعتبر أن حماية المال العام موضوع تربية وثقافة ومسؤولية المجتمع برمته.

وإن كنا في الجمعية المغربية لحماية المال العام لا نعتبر المسؤولين أو المنتخبين الذين تثار حولهم ملفات مرتبطة بهدر المال العام (لصوص مال عام)، بل نعتبر أنهم محل شبهة ونحن لسنا سلطة اتهام، ونعتبر أن المسؤولين المعنيين بنهب المال العام هم (مجرمون أصحاب الياقات البيضاء)، ومن المفترض أن السلطات القضائية تسهر على تنزيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة عبر البت في الملفات المتعلقة بسوء تدبير أو صرف المال العام، ونحن في الجمعية نطالب دائما بضرورة إرجاع الأموال المنهوبة، وتجاوز ما يعتري محاربة الفساد من هدر للزمن القضائي الذي نعتبره معيقا لمحاربة الفساد، حيث يجب البت في هذه الملفات وفق آجال مقبولة، إذ لا يمكن الحديث عن دولة المؤسسات والحق والقانون والتنمية دون الحديث عن محاربة الفساد والتنزيل الحقيقي للمبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة. هنا وجب التأكيد على أننا سجلنا، في العديد من المناسبات، التفاعل الإيجابي للسلطات القضائية مع تحريك هذه الملفات، والملاحظ أن أغلب القضايا من هذا القبيل يكون المتابعون فيها من المنتخبين أو رؤساء الجماعات المحلية، وهذا الأمر كنا ومازلنا ننادي بضرورة توسيعه إلى كل من له تماس مع المال العام ممن يوصفون بـ«الحيتان الكبيرة».

 

  • ما تقييمكم لتجاوب السلطة القضائية مع مطالبكم في تحريك المتابعة في هذه الملفات، والشكايات التي تثيرونها بهذا الخصوص؟

إننا جمعية مدنية ومهمتنا تنحصر، حسب طبيعتنا، في فضح وإثارة الانتباه إلى ملفات الفساد، بالإضافة إلى ما نحن مسؤولون عنه من ضرورة العمل على التخليق إلى جانب عدد مهم من المؤسسات التي تشاطرنا نفس المهام، غير أنه تجب الإشارة، أيضا، إلى ضرورة تضافر الجهود بين جميع الفاعلين من أجل اجتثاث ظاهرة هدر المال العام، بل يجب العمل على تشكيل جبهة وطنية أو جهوية لمواجهة هدر المال العام. ونعتبر أنه، من الناحية الأخلاقية وبعيدا عن النقاش القانوني، وجب على الأحزاب السياسية أن تبعد كل من تحوم حوله شبهة الفساد المالي عن تدبير الشأن العام وتولي منصب مسؤولية.

إننا نطالب بتطبيق الفصل 40 من القانون الجنائي، الذي ينص على الحرمان من الحقوق المدنية والسياسية في حق المنتخبين المفسدين، وطالبنا، بالإضافة إلى العقوبات الجنائية، بمعاقبة المدانين في بعض جرائم الأموال بعقوبات إضافية. وبالنسبة لي فإن اعتقال المسؤولين الفاسدين سيكون رادعا نعم، لكن لن يقدم الشيء الكثير للدولة، بقدر ما إذا رافق هذا الاعتقال الحرمان من الحقوق المدنية والترشح مرة أخرى أو تولي المسؤولية، إذ أعتبر أن مسألة الإفلات من العقاب من المسائل الخطيرة التي يجب التنبه إليها، لأن هذا من شأنه تشجيع المفسدين، بشكل مباشر أو غير مباشر، وأعتبر أن جرائم الفساد أخطر من جرائم الحق العام، من قبيل السرقة أو الضرب والجرح، لأن هذه الجرائم تمس الأفراد، فيما جرائم المال العام تمس الدولة برمتها. ونعتبر أن الكل مسؤول عن مواجهة الفساد في المال العام، من جمعيات ونقابات وحكومة وأحزاب بالإضافة إلى المواطنين المطالبين بالتبليغ عن هذه الجرائم، دون إغفال دور الإعلام في مواكبة تلك القضايا، وعلى العموم يجب التأسيس لثقافة حماية المال العام.

 

 

  • ماذا بخصوص تبني الصرامة القضائية في ملفات الفساد؟

على السلطة القضائية أن تكون حازمة في التصدي لكل مظاهر الفساد والرشوة ونهب المال العام واستغلال مواقع المسؤولية للاغتناء غير المشروع والتضحية بحقوق المجتمع في التنمية، وذلك باتخاذ قرارات شجاعة وجريئة تقتضيها المرحلة الصعبة والدقيقة التي تجتازها بلادنا، وسط انتظار وتطلعات المجتمع في تعزيز حكم القانون وربط المسؤولية بالمحاسبة. وتجب الإشارة إلى أن الجمعية المغربية لحماية المال العام ستقوم، انطلاقا من أدوارها الحقوقية وأهدافها في محاربة كل مظاهر الفساد والرشوة، بمتابعة مسار ومجريات هذه القضايا، وسنتخذ كل المواقف الضرورية إزاء هذه الملفات الشائكة كلما اقتضت الضرورة ذلك، حرصا على سيادة القانون وتحقيق العدالة وربط المسؤولية بالمحاسبة، لكوننا نؤمن بأن مكافحة الفساد والرشوة قضية مجتمعية تهم كافة الفاعلين والمؤسسات، وضمنها قوى المجتمع المدني الحي والجاد.

 

*رئيس المكتب الجهوي للجمعية المغربية لحماية المال العام – جهة الدار البيضاء الوسط 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى