شوف تشوف

الرأيالرئيسيةرياضة

إشاعة «أوفر دوز»

 

 

حسن البصري

يرقد في إحدى المصحات الخصوصية بالدار البيضاء، اللاعب الدولي السابق «اعسيلة» واسمه الحقيقي حسن امشراط، المهاجم السابق للمنتخب المغربي لكرة القدم، وأحد أبرز المساهمين في حيازة المغرب للكأس الإفريقية اليتيمة من قلب أديس أبابا.

حين دخل «اعسيلة» المصحة، بسبب اختناق على مستوى القفص الصدري، رافقته الإشاعات ورزقه الله من الأخبار الزائفة من حيث لا يحتسب، وكأن مروجي الإشاعات يستعجلون موت هذا اللاعب الأسطوري.

قبل أسبوع «قتل» أحمد فرس في منصات التواصل الاجتماعي وفي المواقع التي تقتات من الإثارة، وباسم السبق الصحفي بادر بعض المتعاطين للصحافة إلى تقديم أخبار الموت مقرونة بعبارة «عاجل»، وفي غمرة التهافت على كسب سباق الفواجع، يقتل رموزنا مرات حتى يصبح موتهم الحقيقي مجرد إشاعة.

فوجئ أحمد فرس، صاحب أول كرة ذهبية إفريقية في تاريخ الكرة المغربية، بخبر وفاته، وهو يتابع مباراة في إحدى مقاهي المحمدية، اضطرت أسرة «الراحل» وهو على قيد الحياة، لتقديم بيان حقيقة تعلن فيه استمرار الحياة وتطمئن مقدمي العزاء شاكرة سعيهم مؤكدة أن سوء فهم قد لف الخبر.

بدأت أولى خيوط الإشاعة، حين شاع خبر وفاة لاعب شباب المحمدية السابق «ترافا»، اختلط الأمر على «صحفي» معتمد من موقع غير معتمد، فقتل «فرس» وداس بخبر عاجل عليه مسحة سواد، فتسابق المدونون إلى نشره دون عناء التمحيص.

عندما يشيع خبر وفاة فنان أو رياضي أو سياسي في المغرب، وتتهافت الجالية المغربية المقيمة في منصات التواصل الاجتماعي لتقديم العزاء، يتريث العقلاء يعتقلون دموعهم يصادرون أحزانهم، لأنهم يعلمون أن النجم المغربي يغسل ويشيع ويؤبن افتراضيا قبل أن يأتي أجله المحتوم.

كثير من اللاعبين المغاربة يقتلون في منصات التواصل الاجتماعي لمجرد تشابه في الأسماء، منهم من يصر على الرد ليقول للناس أنا حي لا أرزق، ومنهم من نفد مخزونه من الصبر واكتفى بترديد الحوقلة سرا وعلانية.

مات العداء المغربي حدو جادور مرتين في مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت الثالثة ثابتة، وظل أفراد أسرته يحررون بيانات حقيقة تقول للرأي العام إن والدنا حي أطال الله في عمره، لا تستعجلوا رحيله. وقتل كثير من أبطالنا «افتراضيا»، وكأننا نختبر مدى قدرتنا على الحزن أمام مصاب أشبه بـ «بروفة» موت.

ولأن الإشاعة من فصيلة المواد القابلة للاشتعال، فإن مجرد دخول لاعب سابق غرفة العناية المركزة، يجعل منتجي الإشاعات يشرعون في عملية التلفيف قبل أن تنتشر كانتشار النار في الهشيم..

في بلدي يفوق مروجو الإشاعات من حيث العدد مروجي الشهب النارية و«ماء الحياة»، ففي كل يوم نقف مذهولين أمام تدفق أخبار التنكيل بالرموز ودفنهم دون مراسيم جنائزية، ونتفرج على القتل العمد دون رادع، وقبل المغيب نعلن وفاة المصداقية ويتأكد لنا بالملموس، أن الخبر «مدنس» والتعليق حر.

في نهائيات كأس العالم الأخيرة بقطر، لعبت هيئة مكافحة الإشاعات دورا كبيرا في نجاح التظاهرة العالمية، حاربت الإشاعات الصحية والرياضية والسياسية، وتابعت منابع الإشاعة وتصدت للتلاعب في الصور التي كانت أبرز طرق إنتاج الشائعات.

في نهاية «المونديال» أنجزت منصة هيئة مكافحة الإشاعات، تقريرا خلص إلى أن صناع الشائعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي يعتمدون على قالب الأخبار لسرد الأحداث والوقائع، إضافة إلى تدعيم الأخبار بالصور المفبركة بغاية كسب المال، وتضمن التقرير العقوبات التي وصلت إلى حد الترحيل والحبس.

في بلدنا يستنجد منتجو ومخرجو الإشاعة بعبارة جاهزة: «كل تشابه في الأشخاص فهو من قبيل الصدفة».

في بلدنا تبقى الإشاعة مجرد إشاعة حتى تنفيها الحكومة فتصبح حقيقة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى