شوف تشوف

إلياسبوتين3.2

 

 

 

في وقت وجيز أصبح راسبوتين مستشاراً مقرّباً جداً من القيصر والملكة، ورغم كل الاعتراضات والنفور الشديد من أعضاء أسرة رومانوف الحاكمة على راسبوتين وأفعاله الشخصية تجاههم وعدم تعامله معهم بما يليق، إلا أنهم كانوا يعلمون تأثيره الكبير على القيصر والإمبراطورة وحاجتهم الشديدة إليه لعلاج ولي العهد، فكانوا يهابونه ويتجنبونه.

لكن نهاية راسبوتين كانت درامية، فقد اقتنع مجموعة من الوطنيين بأن مستقبل روسيا أصبح في خطر بعدما بسط راسبوتين سيطرته على قرارات القيصر والملكة، فتم وضع خطة لاغتيال راسبوتين، وقضت الخطة أن يقوم الأمير فيلكس بدعوة راسبوتين إلى قصره كي يتعرّف على زوجته الأميرة إيرينا، وأثناء وجود راسبوتين في القصر، سيُقدم له السم، ثم تحمل جثته بالقطار إلى المناطق التي تشهد المعارك، وترمى هناك.

لكن السم لم يؤثر في راسبوتين فتقرر إطلاق النار عليه وتهشيم وجهه ورميه في النهر حيث مات متجمدا.

إلياس العماري جاء من دواره في الريف إلى الرباط بعدما شارك في احتجاجات تلاميذية وأصبح مطلوبا، وفِي الرباط التقطه البصري وضمه إلى مخبريه المتعاونين، فسقط اسمه من لائحة المطلوبين واستطاع أن يخترق صفوف الطلبة اليساريين في الجامعة والحي الجامعي بالرباط وفاس وتوالت الاعتقالات في صفوفهم دون أن يفطنوا إلى من يسرب التقارير حول اجتماعاتهم وقراراتهم السرية.

ومن بائع متجول إلى تاجر ورق مر إلى انتحال مهنة صحافي مؤسس للجرائد.

ولعل تجربة الرجل في عالم النشر، التي دخلها مبكرا عندما كان يبيع «الكاغيط» للصحف، علمته أن أحسن طريقة للتأثير في صناع القرار السياسي والاقتصادي هي اختراق الصحف والمجلات ووضع رجاله وآذانه داخل مؤسسات وسائل الإعلام السمعية البصرية، عوض إهدار المال في تأسيسها. فقد استفاد إلياس من تجاربه الفاشلة في النشر، خصوصا بعد أسبوعية «تليلي» التي تعني بالعربية «الحرية»، ومطبوعات انتهت إلى الإفلاس مثل «الموجة» و«على الأقل» اللتين أصدرهما صديقه عبدالقادر الشاوي بمساعدة وتمويل من إلياس، إضافة إلى أسبوعية «الأخبار المغربية» التي أسند إدارتها إلى الصديق نفسه، والتي توقفت كذلك، وانتهاء بمشروع «آخر ساعة» الذي توقف مؤخرا والذي تولى إدارة تحريره الشاوي أيضا.

وبفضل تقربه لشعب اليسار واستغلاله لصداقته مع بنزكري وإقناعه للمستشار الملكي مزيان بلفقيه بإدخاله إلى القصر على ظهر مصالحة النظام مع اليسار الجذري، استطاع أن يتسلل إلى البلاط وأن يقوم بحركات بهلوانية لكي يعطي عن نفسه صورة الفوضوي الثائر المستهتر بالبروتوكول والقادم من أسفل طبقات الشعب.

وقد انطلت الحيلة على جنرالات ومسؤولين كبار وخدام الدولة فأصبحوا يهابونه ويأتمرون بأوامره.

قضى إلياس العماري قرابة 17 سنة يشيد برجا من ورق ويراكم عن طريق الكذب ثروة هائلة توجد الْيَوْمَ في الخارج. وسواء باسم خدمة الحزب ومشروعه أو باسم توفير الحماية لطالبيها، وأغلبهم إما مسؤولون فاسدون أو أثرياء يبحثون عن حماية لممارسة التملص الضريبي والغش، استطاع إلياس أن يراكم ثروة قارونية وزعها على مقربين منه ووضعها بأسمائهم حتى لا يظهر اسمه مقترنا بالثروة.

وخلال الانتخابات الأخيرة استطاع إلياس العماري أن يجمع عشرات المليارات من رجال الأعمال والسياسيين وحتى من أثرياء مشكوك في مصدر ثرواتهم، وفِي مراكش وحدها يحكي أحد الأشخاص أن إلياس جمع أعيان المدينة عشية الانتخابات واستعدادا لإطلاق مشروعه الإعلامي وطلب من كل واحد أن يحضر قدرا من المال، فطلب من صاحبنا أن يحضر 500 مليون، فقال له إنه لا يستطيع أن يوفر أكثر من 200 وأن تجارته تضررت بفعل الركود الاقتصادي، وجاء أصدقاء الرجل يترجون إلياس ويقولون له إن الرجل مفلس وأن «حتى هاديك» 200 مليون فهم من سيقرضونها له، فما كان منه إلا أن أجابهم «اللي سلفو 200 يسلفو 500».

أما رجال المال والأعمال فقد فرض عليهم مساهمة مالية حددها حسب ثروة كل واحد منهم، ويحكي أحد المقربين منه أن أحد رجال الأعمال الأثرياء بلغه عن طريق أحد أصدقائه أن إلياس غاضب منه وأنه يروج داخل الحزب أن الملياردير فلان لم يساهم مع الحزب سوى بـ200 مليون، فلم يكن من ذلك الملياردير سوى أن نادى على الكونطابل وطلب منه أن يفتح ملف النفقات وأن يقول له أمام صديقه كم تبرع على الحزب، فصدم صديق الملياردير وهو يقرأ في الأوراق أن المبلغ الذي تم تحويله هو مليار و600 مليون وليس 200 مليون كما يروج إلياس داخل كواليس الحزب.

وحتى أولئك المليارديرات الذين احتموا بنفوذ إلياس خوفا من الضرائب أيام «المفعفع»، مثل الحاج بومزاغ صاحب مورتديلا الكتبية والاستقلالي الذي يربي ويبيع له البيبي، فإن لعنة الضرائب لاحقتهم مؤخرا، وهي قادمة لكي تلاحق كل أولئك الذين ظلوا يراكمون الثروات دون أن يدفعوا للدولة حقوقها.

وحتى المقربين من إلياس اغتنوا بشكل فاحش بسبب هذا القرب، ومنهم كريم بناني، صاحب شركة الإشهار والعلاقات العامة، الذي حصل بفضل إلياس مؤخرا على صفقة تجهيز المحطة الجديدة بمطار محمد الخامس قدرها 20 مليارا، وقد ذهب إلى دبي لكي يستقر بعدما باع شركة اللوحات الإشهارية.

ومن هؤلاء الذين اغتنوا بفضل القرب من إلياس العماري نجد الحموتي، برلماني الحسيمة الذي يعيش في باريس، والذي أخرج عن طريق مكتب الصرف عندما كان المفعفع وزيرا للمالية المليارات لكي يطلق سلسلة فنادق في فرنسا، ويقال والله أعلم إن إلياس شريكه في هذا المشروع.

وهناك أيضا البرلماني عن مدينة وزان العربي المحرشي الذي كان مجرد خياط يضرب الغرزة في محل متواضع إلى أن تحول إلى ملياردير بعدما قضى سنوات في سجن سلا بتهمة النصب والاحتيال.

وهاهو الْيَوْمَ يرفل في ثروة قارونية وليس هناك في البلد السعيد من يسأله من أين له بكل هذا.

طبعا دون أن نتحدث عن فلول اليسار والجمهوريين والانقلابيين أصحاب «الساحة الشرفية» في السجون والذين عانوا من «جراحات الصدر العاري» في الزنازين والذين حشدهم إلياس العماري وراءه وعبر بهم صحراء الخيبة والانكسار نحو جنان المخزن وكرمه، فتحولوا من فقراء جوعى معدمين إلى بورجوازيين يقود أبناؤهم السيارات الفارهة ويدرسون في أرقى المعاهد بالخارج ويسكنون في الفيلات بعيدا عن أحياء البروليتاريا التي تنكروا لأحلامها الثورية راكبين صهوة حزب يدعي محاربة مشروع أسلمة الدولة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى