شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

الجزائر تفرق ولا توحد

 

خالد فتحي

 

ما تعلنه الجزائر الرسمية من نوايا، بخصوص الاجتماع الثلاثي بتونس، هو بالتأكيد غير ما تضمره. المعلن، تنسيق أمني وحدودي واقتصادي بين الدول الثلاث والمضمر، جزائريا على الأقل، هو إقبار اتحاد المغرب العربي، والسعي بأخس الطرق لعزل المغرب.

هي تخوض إذن، مرة أخرى، في الماء العكر، محاولة أن تستدرج تونس وليبيا إلى بركتها الآسنة هاته بوصفهما فضاء إقليميا تظن أنه من الممكن له، نظرا لبعض الظروف الخاصة التي يمر بها،  أن يتحول مجالا لتصريف أحقادها المزمنة ضد المملكة.

ولذلك، هي تبدو للعارفين والمتابعين،  رغم كل ما تتصنعه من خطاب وحدوي، وما تتكلفه من تمثيل لريادة مزعومة، بمظهر من يبحث عن جرعة أكسجين… عن إنجاز ما، وعن تكتل أو مجموعة كيفما كانت لترأسها. يقع لها هذا بعد أن  راكمت الخيبات، وخسرت من صورتها ومصداقيتها وهيبة الدولة فيها الشيء الكثير: منظرها وهي تعود بخفي حنين  من جوهانسبورغ ما زال عالقا بالأذهان إلى الآن،  دول الساحل التي كانت تطل عليها  من عل، والتي استفاقت أخيرا من خدرها، وأخذت تبحث عن مصالحها الحيوية لتجدها لدى المغرب المؤمن بالشراكات الإفريقية المقترح عليها تعاونا شفافا وصادقا على أساس مبدأ المكسب للجميع …

…علاقاتها مع النيجر ومالي، أبرز دولتين بجنوب الصحراء، التي تدهورت  بشكل كبير جدا، مما حرمها من حديقة خلفية لها كانت تحسبها أبدية …

..أنبوب الغاز القادم من نيجيريا الذي أدار ظهره لها بعد أن حول اتجاهه نحو المغرب، قمة العرب بالعاصمة الجزائر حيث أخفقت في انتزاع منة عودة سوريا إلى حظيرة الجامعة العربية، والتي فرض عليها، بسبب الجزائر، أن تنتظر قمة الرياض لتجلس فوق مقعدها من جديد. زد على ذلك التصريح الفضيحة للطيب البكوش الذي اعتبرها المسؤولة الأولى والأخيرة عن الموت السريري لاتحاد المغرب العربي .

كل هذه الصدمات والانكشافات التي كان  لها وقعها المرير على الرأي العام الداخلي الجزائري، تحض النظام فيها على البحث له عن محيا جديد، وعن وجهة أخرى، يحقق فيها نجاحا مهما يكن ضئيلا أو عن نصر مصطنع مهما صغر أو شذ عن السياق، وذلك فقط لأجل ذر الرماد في العيون، وتحويل النقاش عن هزائم الداخل إلى الإشغال بعنتريات الخارج الواهية الخاوية.

ذهبت الجزائر، إذن، إلى تونس وطائرها البوليزاريو في عنقها يفضح نواياها مهما جاهدت وتنمقت لإخفائها، محاولة أن تورط بلدين مغاربيين في أجندتها المارقة التي تهدف للتقسيم والتفكيك والهيمنة، رغم ظاهرها المصبوغ بشعارات التعاون والوحدة المفترى عليهما .

إن هذه، إذن، لهي الجزائر الرسمية، دون أصباغ أو رتوش، والتي لازال يوسوس ويزين لها قرينها أن تبدد بترول وغاز وأموال وأحلام الشعب الجزائري في مشاريع خاسرة لن تجني منها إلا سنوات أخرى عجافا من التيه وفقدان البوصلة .

بالتأكيد هي لا ترى في تونس بمشاكلها الاقتصادية، ولا في ليبيا المنهكة بمعضلاتها الأمنية وبالأطماع الأجنبية  للمتربصين، إلا لقمة سائغة لمخططاتها الشاردة ذات الخلفية العدائية للمغرب، ولعلها تتخيل نفسها، في حلم اليقظة هذا، وقد صارت الدولة المحورية بشمال إفريقيا، لكنها تتناسى الأهم، وهو أنها تتحرك ضمن معادلة صعبة، معقدة، وشائكة، لا تمسك بخيوطها،

إنها تغض الطرف، مثلا، عن كون المغرب رقما صعبا يستحيل تجاوزه، كما تتعامى عن العمق العربي لتونس وليبيا، وعن الارتباطات القوية  لسياساتهما بدول الخليج والدول العربية التي ظلت السد المنيع لطموحاتها الانفصالية اللاوحدوية، وهي فوق هذا وذاك تعبر عن عدم استيعابها لعناصر الوحدة من دين ولغة وتاريخ مشترك، وتكامل وتجانس مجاليين .

وهذا كله إن دل على شيء، فهو يدل على أن ما تقوم به الجزائر الرسمية هاته من شطحات، ليست سوى انعكاس لعجزها البين عن قراءة الواقع، وعن فهم التحولات الجارية… بل إنها مجرد هروب إلى الأمام لابد وأن تكتشف بمرور الزمن، أنها كانت مجرد زوابع في فنجان. فالقاعدة تقول إن من يزرع فيروس الانفصال، لا يحصد لا وحدة،  ولا تنمية ولا استقرارا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى