شوف تشوف

الرأي

الحنين إلى أيام «المقيم العام»..

يونس جنوحي
في الوقت الذي يحاول فيه أشقاؤنا في الجزائر التغزل بالقصر الرئاسي الفرنسي، أصدرت الخارجية الفرنسية قبل يومين قرارا يتعلق بتشديد إجراءات وشروط منح التأشيرة لمواطني الدول المغاربية، ويقصدون طبعا المغرب والجزائر وتونس.
وهذا القرار غالبا ما يتم الاحتفال به في أوساط مناصري اليمين الفرنسي ومناهضي الهجرة وأصحاب مبادرات «أعيدوا فرنسا إلى الفرنسيين». والحقيقة أن هؤلاء جميعا يكيلون بمكيالين دائما في تعاملهم مع المغرب خصوصا.
إذ إن قرار التشديد كان سببه، حسب تصريحات غابرييل أتال، المتحدث الرسمي باسم الرئيس الفرنسي، موقف الدول المغاربية بشأن استعادة مهاجرين غير مرغوب فيهم. وهذا التبرير يبقى ملغوما. إذ إن فرنسا مرت بمجموعة من الاجتماعات بخصوص قوانين الهجرة مع عدد من شركائها.
والموقف المغربي حتى الآن واضح بهذا الخصوص وبلغة الأرقام، لأن البلاد باعتبارها محطة عبور للمهاجرين كانت دائما تراقب التأشيرات وحتى ترتيبات اللجوء التي يتقدم بها مواطنو الجنسيات التي تسري عليها قوانين التأشيرات الخاصة باللجوء نحو أوربا، حيث إن جل هؤلاء المهاجرين كانوا يتخذون من المغرب نقطة للعبور، ومنهم من اختار الاستقرار هنا وتخلى عن ملاحقة حلم الحصول على الإقامة في الدول الأوربية.
الناطق باسم الرئاسة الفرنسية قال في تصريحات نقلتها وسائل إعلام فرنسية ووكالات دولية إن الدول المعنية، يقصد المغرب والجزائر وتونس، تتباطأ كلما تعلق الأمر بقرارات الترحيل من التراب الفرنسي حيث لا تستقبل المُرحلين وقد تم إشعارها بالموضوع «واليوم نُفذ هذا التهديد». والعبارة الأخيرة منقولة حرفيا من تصريح السيد أتال.
الواضح أن فرنسا لم تتخلص بعد من العقدة الاستعمارية التي كانت تربطها بالمنطقة. إذ إنها تعاملت مع ثلاث دول منفصلة تماما بمنطق التلاميذ الكسالى في قسم داخل الريف الفرنسي. وهذا الأمر في المنتظم الدولي يسمى قصورا في النظر وسطحية في التعامل السياسي.
إذ لا يعقل أن يكون المغرب هو الشريك الأمني الأكبر لعدد من الدول الأوربية. بل والمحذر من هجمات إرهابية والمساعد في إلقاء القبض على المعنيين بها فوق التراب الأوربي، بل إن الموقوفين كانوا أوروبيين أساسا، وفي الأخير يتم التعامل مع المغرب بهذا المنطق، حيث قررت فرنسا أن يتم تخفيض التأشيرات الممنوحة للمغاربة إلى النصف، وبالنسبة للتونسيين إلى الثلث.
الجزائر مثلا، سجلت منذ 2017، مواقف نددت بها منظمات إنسانية دولية بخصوص المهاجرين من جنسيات إفريقية وعربية، إذ إن السلطات الجزائرية رفضت فتح حدودها أمامهم، ورحلت الآلاف من المدن الجزائرية ورمتهم على الحدود الجنوبية مع الصحراء.
أما في ما يخص مواطنيها في فرنسا، فقد امتنعت الجزائر فعلا عن استعادة عدد ممن صدرت في حقهم أحكام في فرنسا بالترحيل نحو بلدهم وسحب الجنسية الفرنسية منهم بسبب ضلوعهم في جرائم وأعمال شغب أو تعنيف لأسرهم فوق التراب الفرنسي، ورفضت السلطات الجزائرية، ممثلة في وزارة الخارجية، استقبالهم بذريعة أنهم من الجيل الثالث للمهاجرين الجزائريين، وأنهم مواطنون فرنسيون وُلدوا في فرنسا ودرسوا في مدارسها وهم نتاج تربية الشارع الفرنسي وليس الجزائري، وهكذا «تماطلت» الجزائر في التعامل مع ملفهم.
أما في ما يخص المغرب، فلم يتم تسجيل أي ملفات من هذا النوع تتعلق برفض المغرب استقبال مهاجرين مغاربة صدرت في حقهم قرارات ترحيل. بل إن السياح المغاربة في المدن الفرنسية أيام الحجر الصحي والإغلاق الشامل، اعتنت بهم القنصليات المغربية في المدن الفرنسية وخصصت لهم فنادق ورحلات منتظمة لإعادتهم إلى المغرب ولم تتحمل السلطات الفرنسية أي مصاريف لإيوائهم رغم أنهم قبل حصولهم على التأشيرات السياحية قاموا بأداء مصاريف التأمين التي تدخل فيها حوادث من هذا النوع، حيث توجد إدارات خاصة للتعامل مع السياح العالقين بسبب الظروف الوبائية أو الكوارث الطبيعية فوق التراب الفرنسي.
يبدو أن الذين يضعون خريطة العمل في الدخول السياسي الجديد هذا الشهر، لم يتقبلوا واقع بعض الاتفاقيات والقرارات الجديدة التي وقعها المغرب هذه الأيام، لذلك ربما عاد إليهم الحنين القديم لأيام «المقيم العام».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى