حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسية

الفشل المتكرر في مواجهة كورونا

 

مصطفى البرغوثي

 

يقترب العالم من نهاية العام الثاني لجائحة كورونا، والتي كانت حصيلتها إصابة أكثر من مائتين وستين مليون إنسان، ووفاة أكثر من خمسة ملايين. وعلى الرغم من إجراء مليارات الفحوصات، وتطعيم مئات الملايين، ما زال فيروس كورونا يعصف بالعالم، ويحور نفسه بأنواع جديدة أسرع قدرة على الانتشار، بكل ما يعنيه ذلك من آلام للبشرية، ودمار للاقتصاد، وإغلاقات متجددة، ومصاريف باهظة على العلاجات واللقاحات.

الخطورة في ما يجري لا تكمن فقط في ما ذكر، بل أيضا في إمكانية ظهور فيروسات جديدة مشابهة في أي لحظة، تكرر مرة أخرى المعاناة، والخسائر، بل قد يفوق أذاها ما سببته كورونا مرات عدة. لم يتوقع معظم الناس أن تستمر موجات الوباء عامين، ومعظمهم لا يدرك لماذا عجزت البشرية بكل منجزاتها العلمية والفكرية والطبية، عن محاصرة هذا الوباء بسرعة، وتخفيف آثاره على الحياة البشرية.

أثبتت جائحة كورونا عدة حقائق، وإن كان غالبية صانعي السياسة العالمية، وأركان الاقتصاد يصرون على تجاهلها، وهي حقائق تفسر الفشل العالمي المتواصل أمام الوباء.

الحقيقة الأولى: لم يعد العالم بلدانا منفصلة، وقارات متباعدة. أصبح في عصرنا قرية عالمية واحدة، ولذلك فإن كل وباء جديد، أو كل طفرة جديدة من جائحة كورونا نفسها، يمكن أن تنتشر عبر الكرة الأرضية، خلال أيام. تستطيع الحدود منع المهاجرين من العبور، ولكنها لا تستطيع منع الأوبئة والفيروسات من الانتشار، لأن الاقتصاد الرأسمالي العالمي وحد الأسواق والدول والشعوب في كيان عالمي واحد. وبالتالي، أكبر فشل في مواجهة جائحة كورونا إصرار الدول والشركات، خصوصا شركات اللقاحات والأدوية والصناعة الطبية، على معالجة كورونا على أساس قومي في إطار كل بلد. ويعود ذلك إلى الأنانية القومية والجشع الرأسمالي الراسخ في السعي إلى تحقيق الأرباح، حتى على حساب الآلام البشرية. وتجلى ذلك الفشل في الاختلاف الصارخ بين الدول الفقيرة والغنية في مدى توفر الفحوصات واللقاحات ضد الفيروس. وبينما تقوم الآن دول عديدة بتوفير اللقاح الثالث لمواطنيها والمقيمين فيها، تعاني دول كثيرة، خصوصا في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، من عدم توفر لقاح واحد لكل فرد من مواطنيها. والمأساة في هذا الأمر أن اللقاحات لا تكون فعالة كما يجب، إلا إن توفرت لجميع سكان العالم في وقت واحد.

استمرار وجود أعداد كبيرة من السكان دون لقاحات، يعني توفير البيئة اللازمة لتحور الفيروس عبر الإصابات المتجددة، وظهوره على شكل أنواع جديدة، قد لا تكون اللقاحات في المستقبل فعالة تجاهها، ما يعني أن متلقيي اللقاحات سيكونون معرضين للإصابة مجددا بمتحورات جديدة من فيروس كورونا نفسه، إن لم يتم توفير اللقاحات للجميع. وبالتالي، لن يوفر التمييز في توفير اللقاحات والفحوصات بين الأغنياء والفقراء في عالمنا، في النهاية، الحماية من المرض، لا للفقراء ولا للأغنياء.

الاستخلاص الأساس من هذه الحقيقة أن إدارة مكافحة وباء ككورونا، أو أوبئة أخرى تظهر مستقبلا، لن تكون فعالة، إلا إذا أجريت عملية مركزية موحدة على نطاق العالم بأسره، وهذا يعني أن إدارة مكافحة الوباء يجب أن تتم من هيئة عالمية مخولة، كمنظمة الصحة العالمية، شريطة توفير الموارد اللازمة لها، والصلاحيات الكاملة العابرة للحدود، والقادرة على تجاوز حماقات بعض الحكومات. وهذا يعني أن تطوير الفحوصات واللقاحات والأدوية، وإنتاجها بسرعة وبكميات كافية للعالم بأسره، لا يمكن أن يبقى بيد شركات احتكارية هدفها الربح المادي. ولا شك لدي أنه كان في المقدور توحيد جهود العلماء والمختبرات في العالم معا لإنتاج لقاحات فعالة ضد وباء كورونا بسرعة أكبر، وكميات أوفر مما جرى، إذ تواصل الشركات المصنعة احتكار أسرار منتجاتها بهدف توفير الأرباح المالية لنفسها ولأصحابها.

الحقيقة الثانية: ما زال الوعي الإنساني يواجه تحديات جدية، بسبب انتشار المعتقدات الخاطئة، والاستخدام غير الآمن لوسائل التواصل والاتصال، لنشر إشاعات ومعلومات مضللة. وذلك هو السبب في إصرار نسبة عالية من سكان بلدان عديدة على عدم تلقي اللقاحات، على الرغم من توفرها، وسهولة الحصول عليها في هذه البلدان. وتعود أسباب هذه الظاهرة ليس فقط إلى انتشار المعلومات الخاطئة، بل أيضا إلى انعدام ثقة شعوب كثيرة بحكوماتها، وصانعي السياسة فيها، واستمرار انتشار الأفكار العنصرية، لكنها تعود أيضا إلى ظاهرة تعمق الفردية، والذاتية، وما تمثله من أنانية مفرطة في عالم العولمة الرأسمالية؛ الفردية التي لا تعبأ بالمصلحة العامة، والمصالح المشتركة، والقيم الإنسانية الحضارية.

الحقيقة الثالثة: لا تمكن مواجهة وباء عالمي من دون مستوى عال من التنسيق والتعاون بين الدول والشعوب، وذلك يتطلب آليات أكثر حضارية وإنسانية في العلاقات الدولية مما يجري من مواجهات حادة بين الدول والتحالفات العسكرية، التي تهدد استقرار العالم، بمعاييرها المزدوجة والعقوبات التي تفرضها على من يرفض الرضوخ لمنظومة الاستغلال العالمية.

الحقيقة الرابعة: لتفشي الأمراض والأوبئة الجديدة علاقة مباشرة بتدهور المناخ العالمي، نتيجة التعديات البشرية على التوازن البيئي، والارتفاع غير المسبوق في الانبعاثات الكربونية، وما يؤدي إليه من ارتفاع حرارة الجو على النطاق العالمي.

 

نافذة:

ما زال الوعي الإنساني يواجه تحديات جدية بسبب انتشار المعتقدات الخاطئة والاستخدام غير الآمن لوسائل التواصل والاتصال لنشر إشاعات ومعلومات مضللة

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى