
نعيمة لحروري
من يتتبع مسار ملف القطيع الوطني في السنوات الأخيرة، سيلاحظ أننا نعيش مع الأرقام كما لو كانت كائنات تتقلب بين نقيضين. مرة تعلن ندرة وشحا يبرر إلغاء شعيرة عيد الأضحى، ومرة أخرى تبشّر بوفرة تجعلنا نصدق أن الأزمة وُضعت خلفنا.
وبين هذا وذاك، هناك حقيقة ثابتة لا تتغير: “الكساب” الصغير هو من دفع الفاتورة منذ البداية، وما يزال حتى اللحظة ينتظر دعما لم يصل.
قبل عام فقط، كانت المعطيات مقلقة إلى أبعد الحدود: 3.5 ملايين رأس من الذكور في مواجهة حاجيات تتجاوز 6.5 ملايين. كان الخطر واضحا، والقرار الملكي بإلغاء شعيرة الأضحى ومنع ذبح الإناث جاء كخيار استراتيجي أنقذ ما يمكن إنقاذه.
كان القرار صعبا، لكنه مثّل صمام أمان لقطيع كان يترنح على حافة الانهيار. واليوم، تقول الأرقام الرسمية الجديدة إن القطيع استعاد توازنه، وإن النتائج جاءت إيجابية بفضل تلك الإجراءات.
لكن ما بين الرقم الأول والرقم الأخير، تظل هناك فجوة تُثير أكثر من تساؤل. هل يمكن للقطيع أن يستعيد عافيته في ظرف وجيز إلى هذا الحد؟ هل ما نراه وفرة حقيقية، أم مجرد تحسن نسبي تمت قراءته على أنه انتعاش شامل؟ قد لا نملك إجابات قاطعة، لكن الشكوك مشروعة، خاصة عندما نعلم أن الكساب لم يشعر بأي تغيير على أرض الواقع.
وزارة الفلاحة تحدثت عن دعم مالي مباشر يقدّر بـ 400 درهم عن كل رأس من الإناث التي سيحتفظ بها مربو الماشية بعد ترقيمها. لكن هذا الدعم لن يصل إلى جيوب المربين إلا في شهر أبريل المقبل، أي بعد ثمانية أشهر كاملة من الآن. كيف يمكن لكساب أنهكته مصاريف الأعلاف، واضطر لبيع ذكوره بأبخس الأثمان، أن ينتظر نصف عام آخر ليحصل على دعم هو في أمسّ الحاجة إليه اليوم؟
الكساب المغربي يعيش بين مطرقة الأعلاف الملتهبة وسندان الانتظار الطويل. الأعلاف المدعمة لا تكفي، والأسعار في الأسواق تنهش قدرته الشرائية، وفي المقابل الدعم الموعود لا يزال حبرا على ورق أو وعدا مؤجلا إلى أجل بعيد. أما الكساب الذي يملك عشرات الرؤوس أو أقل، فهو لا يملك رفاهية الانتظار، لأنه يقتات يوما بيوم من بيع رأس أو رأسين.
من الإنصاف القول إن القرارات الملكية كانت شجاعة وحاسمة، إذ أنقذت القطيع الوطني من خطر الانقراض، وأعادت تنظيم القطاع. لكن حماية القطيع لا تعني شيئا إذا كان الكساب نفسه على وشك الانهيار. الأرقام قد تطمئننا في المؤتمرات والبلاغات، لكن مربي الماشية يحتاج إلى ما هو أبسط بكثير: دعم مباشر وفوري يُمكّنه من الصمود، لا وعود بعيدة قد تأتي بعد أن يكون قد فقد كل شيء.
الرهان اليوم ليس فقط على عدد الرؤوس التي يملكها المغرب، بل على قدرة مربي الماشية على الاستمرار. فإذا استسلم الكسابة الصغار، وباعوا ما تبقى لديهم من إناث بسبب الحاجة، فلن تنفعنا لا إحصاءات ولا برامج.
الدعم الذي يُنتظر في أبريل قد يأتي متأخرا جدا، لأن الأزمة لا تنتظر المواعيد الرسمية.
لقد أثبتت القرارات الاستراتيجية فعاليتها في إنقاذ القطيع، لكن الوقت حان لإنقاذ مربي الماشية نفسه. الدعم العاجل والملموس هو وحده ما سيمنح الاستدامة التي نتحدث عنها جميعا، أما تأجيله إلى الغد فمعناه أننا نغامر بما تبقى من ثروة حيوانية وبمن يضحون يوميا للحفاظ عليها.





