شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

المغاربة وفكرة الإصلاح

 

 

مصطفى خلال

 

آمن المغاربة من قمة الدولة إلى آخر مسؤول حكومي أشد الإيمان بفكرة الإصلاح سواء الذي يتعلق بالتوجهات الكبرى للدولة في ديمومتها، أو بفكرة الإصلاح على المستوى القطاعي عامة.

فمنذ أول حكومة عرفها المغرب بعد رحيل قوى الاستعمار في منتصف خمسينات القرن الماضي، لم يتوقف حديث المغاربة عن «الإصلاح»: إصلاح الإدارة، إصلاح العدل، إصلاح التعليم، إصلاح الصحة، إلخ…

كان وما يزال وسيظل تشكيل كل حكومة ينبني أساسا على قاعدة مجموعة من الإصلاحات تكون في العادة إما تعبيرا عن طموحات فعلية لفئات واسعة من مكونات الشعب، أو صياغة لأفكار مُبْتَدَعة من قِبل بعض مكونات نخبه السياسية. وفي كل إصلاح كان يتم، يقوم صراع قوي بين الحكومة، ومن يملك القوة ووسائلها لوضع العراقيل كي لا تتم تلك الإصلاحات.

لا تنقصنا في تاريخ المغرب الأمثلة التي تبرز صراع القوى المتباعدة بل والمتناقضة والتي تؤثر بصورة أو أخرى على مسار ونتائج كل مشروع إصلاح. في حكومة عبد الله إبراهيم راح هذا الأخير بصحبة عبد الرحيم بوعبيد إلى الملك محمد الخامس يشتكيان من العراقيل التي كانت تضعها إدارة يسيطر عليها الموظفون الفرنسيون في تلك الفترة من ذلك التاريخ. أخذ الملك بعين الاعتبار الشكوى، فمنحهما ثلاثة أشهر من أجل إعداد برنامج متكامل. وهو ما قاما به فعلا، برنامج اعتمدا فيه على نخب متضلعة في مجالات المالية والفلاحة والصناعة والتعليم والصحة والشغل والإسكان. هكذا تم التفكير في عملة وأبناك وطنية. كما تمت العناية بالإصلاح الزراعي وصناعة القرب وتعميم الكهرباء والماء الصالح للشرب ومحاولات جادة لتعميم التعليم والصحة، وإعادة النظر في التصور الجهوي على أساس مقاومة فكرة «المغرب النافع» و«المغرب غير النافع».

وبالرغم من أن تلك الحكومة لم تدم سوى وقت قصير، إذ ما لبثت أن أسقطتها القوى المناوئة، فإن تلك الإصلاحات، بشهادة كل الخبراء، شكلت أساسا انطلق منه المغرب المستقل عن دولة الحماية الاستعمارية.

لم تنتف هذه الصورة على طول تاريخ المغرب الحديث والمعاصر انتفاء يسمح بالقول إن الإصلاح كإرادة وكبرامج كان يتم قبوله بدون عراقيل تضعها جهات لها حضور قوي في إدارة شؤون البلاد.

رغم العراقيل، ورغم المشاكل السياسية الكبرى التي عانى منها المغرب في تلك الحقبة من تاريخ المغرب، فقد تشبث رئيس الحكومة عبد الله إبراهيم ووزيره في الاقتصاد عبد الرحيم بوعبيد، بإصلاحاته مواجها صعوبات شتى من جهات متعددة، بعضها محلي، وبعضها يعود لقوى الاستعمار. ولقد كان عملا معجزا حقا جعل عبد الرحمان اليوسفي يصرح مرة بمناسبة حديث حول تجربة أولى حكومات استقلال المغرب بأنه سيبقى مدهشا ما أنجزه عبد الله إبراهيم في بضعة أشهر.

لكن ومنذ أن تم القضاء التام على الإدارة الاستعمارية، فإن نفس الصراع تقريبا، بقي يسجله كل أصناف المراقبين، صراع بين من يروم الإصلاح وبين من يقاومه. ظلت الأمور تجري دوما على هذا النحو، إلى درجة أنها امتدت في الزمن إلى عهد حكومة يسارية أخرى، حكومة عبد الرحمان اليوسفي في نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي. وستبقى عبارة «جيوب المقاومة» التي كان يشتكي منها هذا الأخير شاهدة على صحة هذا الرأي الذي تزكيه نفس عبارة سعد الدين العثماني الذي تبناها هو الآخر والتي لم تختلف عن عبارة رئيس الحكومة السابق عليه، عبد الإله بنكيران، والتي أطلق فيها عبارة «مقاومة التماسيح». ولعله يقصد بهذا اللفظ الغريب، لكنه قوي الدلالة، جبروت المعارضين للإصلاح، في مواجهة الذين يحاولونه بجهد جهيد… وذلك في سياق معارك لا تظهر أحيانا للعيان إلا من خلال مظاهر معقدة للغاية قد لا يكشف عنها سوى ذوو العلم والخبرة.

ومن عجب، وبالرغم من طول المدة الفاصلة بين زمن أولى سنوات الاستقلال السياسي والسنين التي نحن فيها من أولى عقود الألفية الثالثة فقد ظلت نفس المسارات منطبعة بنفس الصراعات ونفس الإرادات ونفس المقاومات. كلما همَت حكومة ما بإصلاح قطاعات معينة وجدت مقاومة من داخل القطاع نفسه. ولولا ما تورده الصحافة الجادة من أخبار لما عرفنا شيئا يذكر عن جيوب المقاومة تلك، مقاومة كل إصلاح.

والملاحظ أن كل حكومة جديدة تقوم، يصبح شأن الإصلاح لديها أشد وطأة على المقبل على الإصلاح إذا ما قورن بعمل الحكومات السابقة. خذ مثلا مشكلات الإصلاح المطروحة على كاهل حكومة عزيز أخنوش الحالية. فأنت لو وقفت عند تصريحات مسؤولها الأول لانتبهت بكل تأكيد إلى عبارات مثل عبارة الإصلاح الهيكلي الشامل. والحال أنه ينبغي الانتظار سنوات طوال إذا لم تكن عقودا لينعم المواطن بمضمون هذه الإصلاحات. وهي ذي إحدى كبريات مشكلات كل إصلاح…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى