شوف تشوف

الرأي

جدل النظم السياسية

مروان قبلان

بعد أكثر من 17 عاما على إسقاط الولايات المتحدة نظام صدام حسين في العراق، ونشوء نظام حكم برلماني، يناقش العراقيون اليوم فكرة إعادة العمل بالنظام الرئاسي. ورد المقترح من بين مجموعة تعديلات تضمنتها قائمة قدمتها لجنة التعديلات الدستورية التي شكلها البرلمان في أكتوبر 2019، مع انطلاق الاحتجاجات التي أطاحت بحكومة عادل عبد المهدي.
للنظام البرلماني محاسن كثيرة، منها الحد من السلطات المطلقة للحاكم وإشراك القوى السياسية في مسؤولية الحكم واتخاذ القرار، وإشعار الناخب بأنه صاحب سلطة في اختيار ممثليه وتغييرهم، وتقريب النواب والممثلين المنتخبين من هموم العامة ومشاغلهم، وزيادة الاحتكاك بهم، وكلما تفاعل الممثلون مع دوائرهم وناخبيهم كان هذا أفضل. وهذا على الأرجح ما دفع، ويدفع، عديدين في المنطقة العربية إلى تفضيل النظام البرلماني على الرئاسي، خصوصا في الدول التي عانت بشدة من هذا الأخير، كما في سوريا وليبيا واليمن والعراق.
هل يمثل النظام البرلماني حقا الحل لمشكلات الحكم العربية، خصوصا في أوضاع انتقالية غير مستقرة؟ هل إذا استبدلنا النظام الرئاسي بنظام تتسع فيه قاعدة المشاركة في الحكم واتخاذ القرارات يساعد في الحد من المشكلات الناتجة عن تركز السلطات بيد شخص واحد؟ التجربة العراقية غير مشجعة، فالنظام البرلماني، كما تبين، يعمل بكفاءة أكبر في النظم الديمقراطية المستقرة، وفي مجتمعات أقل انقساما، وحيث تسود الأحزاب في الحياة السياسية، وتكون الانقسامات والاستقطابات وفق البرامج والخطط التي تقدمها. أما في المجتمعات التي ما زالت أسيرة انقساماتها التقليدية (القبلية والعائلية والطائفية)، أو التي مرت بصراعات وحروب أهلية، فالأرجح أن يصبح النظام البرلماني فيها وصفة لمزيد من الفشل والفساد والعجز، ومسرحا لتعزيز الانقسامات والهويات الفرعية.
في النظم البرلمانية المشرقية العربية، كما في العراق ولبنان، ينظر إلى الدولة أنها غنيمة حرب، يجري تقاسمها على شكل حصص ومخصصات للطوائف والقبائل والعائلات، كما يحصل أن يكون للقوى السياسية داخل البرلمان أذرع عسكرية خارجه، أو يدخل قادة الميليشيات قاعة البرلمان بصفة ممثلين للشعب، وزعماء كتل سياسية فيه، كما حصل مع قادة ميليشيات الحشد الشعبي في العراق، ومع ميليشيا حزب الله، في لبنان. وقد سلكت سوريا أخيرا الطريق نفسها عندما دخل البرلمان في الانتخابات أخيرا زعماء ميليشيات وأمراء حرب، والأرجح أن يحصل الشيء عينه في ما لو شاركت المعارضة في أي انتخابات مستقبلية، حيث سيحجز زعماء فصائل مسلحة مقاعد لهم تحت قبة البرلمان.
فوق هذا، تميل النظم البرلمانية في ظروفنا، بحسب تقارير صادرة عن الأمم المتحدة ومنظمة الشفافية الدولية، إلى أن تكون أكثر فسادا، حيث فقد العراق، مع تحوله إلى النظام البرلماني بعد عام 2003 وحتى العام 2018، أكثر من 600 مليار دولار بسبب الفساد. وتنهب القوى السياسية وممثلوها داخل البرلمان نحو 25 في المائة من إجمالي المال العام، ويتحول النواب إلى مصدر لتوزيع الوظائف والخدمات على أفراد عوائلهم وقبائلهم وطوائفهم (الأحياء منهم والأموات).
باختصار، يعد النظام البرلماني الزبائني أكثر سوءا من النظام الرئاسي، والواقع أن الدول العربية التي تعيش حالات انتقال مضطربة لا تحتاج نظاما برلمانيا، بل نظاما رئاسيا قويا، يمثل الشعب كله بكل انتماءاته، ويعد مسؤولا أمام ممثليه، ويخضع للمساءلة والعزل منهم. قد يبدو الحديث عن شكل النظام السياسي نوعا من الترف الفكري في ظل الصراعات والحروب التي نواجهها، لكن الحقيقة أن هذا هو جوهر الصراع وأصله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى