
هناك خطابان يهيمنان على الجدل السياسي في غضون السنتين الأخيرتين، خطابان متناقضان لكنهما يقومان في نهاية المطاف على إنكار الواقع، أحدهما تمارسه المعارضة التي كانت تملك السلطة بالأمس، والثاني تلوذ به الحكومة التي تملك زمام السلطة التنفيذية اليوم.
مضمون هذين الخطابين أن المعارضة تنسى في غمرة حماسها أنها دبرت الشأن العام محليا ومركزيا طيلة عشر سنوات، فتغامر اليوم في ملعب المزايدات لمطالبة الحكومة بتحقيق ما لم تستطع تحقيقه في المجالات الاجتماعية والاقتصادية عندما كانت تملك لولايتين مفاتيح القرار العمومي، واليوم تتباكى مثل الأطفال على مسؤولية لم تقم بها مثل الرجال.
وفي المقابل لازالت الحكومة بعد سنتين من تنصيبها تحتمي بسرديات تذكر حكومات الأمس بإخفاقاتها المتعددة، ولم تستطع بعد الخروج من عباءة «الخطاب الانتخابي» لكي تتحمل المسؤولية وتجد الحلول للمشاكل المتراكمة حتى وإن كان بعضها أو جلها من تركة الماضي.
هذان الخطابان هما في الحقيقة تسطيح للنقاش السياسي يستبطن استبعاد أي محاولة جدية لفهم الواقع ومحاولة مداواته، والأهم أنهما يؤديان إلى الدخول في عملية إنكار للواقع، مما يجعل خطاب المعارضة والحكومة يتحدث فقط عن رُبع الحقيقة ويغرق تارة في التبرير وتارة في الذرائعية.
والمؤسف حقا أنه، مع مرور الوقت، بدل أن تنشغل المعارضة والحكومة بإيجاد الحلول واقتراح المبادرات والابتعاد قدر الإمكان عن خطابات تبادل الاتهامات الفارغة والمناكفات البالية التي كانت مشروعة في الزمن الانتخابي، فإن الحاصل اليوم هو أن خطاب إنكار الواقع يكرس نفسه حتى أوشك أن يصير حقيقة راسخة لدى الرأي العام، والسبب هو أن الحكومة والمعارضة وقعتا في المبالغة المتعمدة وإغفال جزء كبير من حقيقة الواقع المعاش اليوم من خلال تفسيرهما لحال الأوضاع تفسيرا سياسويا مضللا يحاول التلاعب بالرأي العام، ما جعلنا لا ندرك الأشياء على حقيقتها.
في نهاية المطاف تقوم خطابات المناكفة بين الحكومة والمعارضة باستبعاد أي محاولة جدية لفهم الواقع الحالي والتعاطي معه بعيدا عن المزايدات والتباكي على الأطلال، وسيبقى دور هذين الخطابين هو إنتاج نوع من المشاعر أو ردات الفعل الذي سينتهي لا ريب بفقدان ما تبقى من ثقة السياسة والسياسيين.





