شوف تشوف

الرئيسيةملف التاريخ

ذكريات التلفزيون المغربي المنسية:التلفزيون كان حاضرا في أزمات سنة 1962 وهكذا كانت أولى لحظات البث

يونس جنوحي:

بحسب المعلومات المتوفرة عن تجربة تلفزيون «تيلما» (TELMA)، فإنه كان أول قناة تلفزية في دولة من دول المغرب العربي وسبق حتى الدول الإسلامية في الشرق الأوسط. إذ أن هذه القناة، والتي لا تتوفر للأسف معطيات مهمة بشأنها، كانت فعلا تجربة فريدة، انطلقت يوم 28 فبراير 1954 وانتهت في العشرين من ماي 1955.

التنقيب عن الأسباب التي أدت إلى إقبار تلك التجربة لم يؤد إلى نتيجة واضحة. ولا بد أن الأسباب الكثيرة المتداخلة، أولها عدم الاستقرار السياسي في إطار ما عُرف بـ «أزمة العرش»، وآخرها ما فرضته التغيرات في الأوضاع المغربية بعد إعلان عودة الملك الراحل محمد الخامس من المنفى إلى باريس، تمهيدا لعودته إلى العرش وبعد ذلك إعلان استقلال المغرب رسميا عن فرنسا.

أما التجربة المغربية في التلفزيون، أو «التلفزة المغربية»، فقد خرجت من رحم الراديو وأطلقت في ذكرى احتفالات أولى مناسبة عيد للعرش في ظل حكم الملك الراحل الحسن الثاني. يتعلق الأمر هنا باحتفالات الثالث من مارس 1962، حيث كان الملك الراحل يستعد لإعلان مشروع أول دستور للمملكة المغربية، تمهيدا لأولى انتخابات رسمية في البلاد وافتتاح البرلمان وتعيين الحكومة. وقد كان التلفزيون حاضرا بقوة في هذه المحطات. كيف تم الإعداد لها إذن؟

 

تلفزيون الفقراء

لم يكن الحصول على جهاز تلفزيون أمرا صعبا بالنسبة للأثرياء المغاربة والأعيان والميسورين وحتى صغار الموظفين والتجار المتوسطين. بينما كان الفقراء، الذين يشكلون أغلب سكان المغرب، بالكاد يتصارعون مع الحرف اليومية لتوفير قوتهم وقوت أسرهم. لكن السياسة التي أطلقت وقتها، كانت ترمي إلى تعميم بعض أجهزة التلفزيون لضمان انتشار واسع للمحتوى الذي تقدمه بالصوت والصورة.

كان خطاب عيد العرش الذي ألقاه الملك الراحل الحسن الثاني لأول مرة على التلفزيون، دعامة حقيقية للترويج لهذا الجهاز العجيب.

كان المغاربة قد بدؤوا يتآلفون مع الصورة بفضل السينما، لكن الثورة التي جاء بها التلفزيون، والتي تمكن الأسر المغربية من امتلاك «سينما» خاصة بهم في المنازل لمتابعة الأخبار بالصورة أيضا وليس بالصوت فقط، جعلت هذا الجهاز يكون حاضرا بقوة في الحياة اليومية لأغلب المغاربة.

بدأت مبيعات التلفزيون تحقق ارتفاعا ملحوظا جدا منذ الأشهر الأولى لبدء خدمات البث التلفزيوني في المغرب. منازل الأعيان في الأحياء الشعبية والقرى صارت قبلة للذين لم يكونوا يتوفرون على إمكانيات مادية لاقتناء التلفزيون، وبدأت ثقافة الفرجة الجماعية تتشكل في المغرب، وهكذا تابع المغاربة بالصوت والصورة، الحملة الدعائية التي نُظمت للترويج للدستور الجديد للمملكة، حيث كان الوزير عبد الهادي بوطالب يلقي شروحات في الراديو، الجهاز الأكثر انتشارا في المغرب وقتها، بينما تكلف التلفزيون بالترويج لمشروع الدستور وحث المواطنين على التصويت بـ «نعم».

لكن أولى المشاريع التي أعطى الملك الراحل الحسن الثاني انطلاقتها في التلفزيون، والتي كانت وراء شعبيته الكبيرة، التمثيليات الدرامية، خصوصا القصص التاريخية، التي كانت تُكتب للراديو، فأصبحت تنقل على شكل مسرحيات تلفزية، في سهرات تعرف فيها المغاربة لأول مرة على وجوه كانوا يعرفون أصواتها جيدا بفضل التمثيليات التي كانت تُبث على أمواج الإذاعة.

هذا التطور في المشهد الإعلامي المغربي، خلق الحدث بقوة، خصوصا وأن تلك التمثيليات كانت تجري على المباشر. إذ أن تقنية تسجيل الحلقات وبثها على التلفزيون لم تكن واردة نهائيا وقتها، ويتم استغلال الركن المخصص في مسرح محمد الخامس حيث تتحرك الكاميرا مع الممثلين فوق خشبة المسرح، في بث حي يشاهده المغاربة المتحلقون حول شاشة التلفزيون بعد نشرة الأخبار المسائية، والتي كانت بدورها تحظى بمتابعة كبيرة جدا، وتكون مضامينها أخبار للأنشطة الملكية وإعلانات ترويجية لمشروع الدستور.

 

مسرح محمد الخامس

سرعان ما تحولت المساحة المخصصة للتلفزيون في بناية مسرح محمد الخامس غير كافية للأنشطة المراد تصويرها للتلفزيون، بأمر من الملك الحسن الثاني شخصيا. وقبل تخصيص استوديو عين الشق في الدار البيضاء لبث النشرات الإخبارية، كانت كل المواد المعروضة على التلفزيون يتم تصويرها في المسرح، بما فيها الخطابات التي تشجع المغاربة على التصويت بـ «نعم» للدستور وتشرح أهم البنود التي جاءت بها الوثيقة الدستورية الأولى التي وضعت للاستفتاء في تاريخ المغرب. وتزامنت هذه الحملة مع اقتراب شهر دجنبر، أي في نهاية السنة، وهو ما سمح بأن يوفر التلفزيون مساحة لهذه الدعاية، وقد مضى على بداية البث وقتها أزيد من تسعة أشهر.

بالمقابل لم يكن التلفزيون المغربي حاضرا خلال الأزمة الأولى للجنة كتابة الدستور، إذ وقع انشقاق بسبب تعيين الملك الحسن الثاني لعلال الفاسي رئيسا للجنة صياغة الدستور، حيث انسحب عدد من الأعضاء، بينهم محمد بن الحسن الوزاني، وأحمد رضا اكديرة ممثل المستقلين، وأيضا المحجوبي أحرضان، احتجاجا على هذا التعيين.

لكن هذا التأخر في طرح مشروع الدستور للاستفتاء، منح التلفزيون المغربي بعض الوقت لضبط إكراهات البث والمشاكل التقنية، وهو ما كان في صالح الدعاية للدستور، رغم أن الراديو فاز بالجزء الكبير من تلك الدعاية، نظرا للانتشار الواسع لـ «الطرانزيستور»، بينما كان التلفزيون لا يزال في طور الانتشار، قبل أن يستحوذ تماما على المشهد خلال سنوات قليلة فقط. خصوصا بعد انتخابات 1963، حيث أصبح الوزراء المغاربة والجلسات البرلمانية الأولى لبرلمان هذه السنة، أحد عناصر «الفرجة» السياسية الأولى التي تعرف عليها المغاربة.

هذا بالإضافة إلى تحول تسجيل الحفلات الغنائية للراديو، لكي تصبح مصورة للتلفزيون، وهو ما شكل بالنسبة لأغلب المغاربة وقتها، ثورة حقيقية في الصورة، وجعل المواطنين يتسمرون أمام «صندوق العجب» كما لقبه أهالي الأوساط الشعبية و «الحلايقية»، في انتظار ما سوف تعرضه شاشته الزجاجية من صور متحركة، صارت جزءا من تاريخ المغاربة.

كيف تطور التلفزيون إذن في هذه الفترة؟ لقد كانت هناك حروب طاحنة في الخفاء بين السياسيين وحتى الموظفين والمسؤولين الكبار، على زعامة جهاز بكل هذه القوة و «السحر».

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى