شوف تشوف

الرئيسية

عاشت مراسلة بين الجزائر والمغرب وماتت في فيضانات العين الصفرا

حسن البصري

تستحق هذه الشخصية أن نتوقف عندها، لأنها طبعت تاريخ المغرب العربي وعاشت بين الجزائر والمغرب وتونس، بل واستطاعت، في ظرف وجيز، أن تتأقلم مع حياة مختلفة تماما عما عاشته في أوربا.
يفضل بعض الكتاب الروس أن يطلقوا على إيزابيل إيبرهارت اسم «بنت خلدون» لشهرتها العالمية ككاتبة رصدت الجوانب الاجتماعية للمناطق المغاربية التي حطت فيها الرحال، لكنها تبقى شخصية تاريخية مثيرة، لما أحيط حولها من جدل يحاول أن يثير الشكوك ويغرقها في ضبابية من الألغاز، كما يقول الباحث بلعرج بوداود.
ولدت ماري إبراهاردت، وهذا هو اسمها الحقيقي، يوم 17 فبراير 1877 في جنيف بسويسرا، من أم أرستقراطية روسية تدعى ناتالي وهي أرملة جنرال لكنها تزوجت طبيبا مسلما.
دخلت إيزابيل المجال الحقوقي مبكرا وكانت تساهم في حل مشاكل المهاجرين والثوريين المطرودين، قبل أن تطأ قدماها أرض الجزائر في 4 غشت 1899، في مهمة حقوقية، فاعتنقت الدين الإسلامي الحنيف وغيرت اسمها إلى مريم، ثم أعلنت نفسها مجاهدة ضد الاحتلال الفرنسي.
استقرت في مدينة الوادي واشتغلت في قطاع الصحافة وأصبحت مراسلة لصحيفة «الأخبار»، وبعدها انتقلت إلى صحيفة «لاديبيش ألجريان»، وعرفت بحبرها المعادي للاحتلال الفرنسي. كما لفتت الأنظار إليها حين اشترت حصانا أطلقت عليه اسم «سوف»، وبدأت في رحلاتها الطويلة في المنطقة، فاعتنقت الطريقة القادرية، ثم تزوجت بالرقيب السباحي سليمان.
وفي 29 يناير 1901 تعرضت إيزابيل لحادث أليم من طرف شاب ينتمي للطريقة التيجانية، الذي وجه لها ضربة سيف أصابتها في الذراع، بدعوى إهانتها للإسلام عند تشبهها بالرجال وفي تقمصها لزي الفرسان العرب، لكنها تنازلت عن المتابعة، ورغم ذلك «حكمت المحكمة على الجاني بالأشغال الشاقة، وعلى إيزابيل بالنفي كشخص أجنبي، وكان حكمًا قاسيا وعنصريا لكليهما من قبل القضاء الفرنسي العسكري»، كما يقول بوداود.
كان هذا الحادث دافعا للفارسة مريم للانتقال إلى الحدود المغربية- الجزائرية وتستقر في العين الصفرا، ومنها دخلت المغرب واستقرت في مدينة بشار التي كانت تابعة للمملكة العلوية، بدعم من الشيخ بوعمامة الذي كان يقوم بغارات ضد الفرنسيين.
أقامت إيزابيل في مدينة فكيك المغربية وترددت طويلا على الزاوية القندوسية، وأثناء المقاومة شكلت القاعدة الخلفية لمواجهة الفرنسيين، لكن هذه الصحافية جمعت بين النضال الإعلامي والتصوف، حتى أنها تقمصت شخصية رجل للسفر إلى وجدة التي التقت فيها بمغاربة وجزائريين وأنجزت تحقيقات صحفية حول دور الزوايا في شحن الهمم ضد المستعمر.
وعند عودة إيزابيل من المغرب إلى العين الصفرا أصيبت بمرض الكوليرا، فقضت في المستشفى مدة 15 يوما، وفي 21 أكتوبر 1904، يوم مغادرتها سرير المرض، عادت إلى بيتها وقضت أسبوعا كانت فيه الأمطار غزيرة، فأغرقت الفيضانات المدينة وجعلت لهذه السيدة نهاية مأساوية، إذ جرفت السيول بيتها، وعثر على جثتها بعد يومين من البحث تحت الأنقاض.
في جو جنائزي، وبحضور الجنرال ليوطي، دفن جثمان إيزابيل بمقبرة المسلمين، ولازال السياح والباحثون يتوافدون على قبرها، ومن بين المخطوطات النادرة التي تركتها إيزابيل قصيدة كتبتها بالخط المغربي، لا يعرف إطارها ومناسبتها، تستهلها ببيت شعري اقتبسته من قصيدة للشاعر العباس بن الأحنف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى