شوف تشوف

الرأيالرئيسية

عصر الظلمات في زمن التيه

 

بقلم: خالص جلبي

 

في ليلة الحادي عشر من شتنبر عام 2001م خرج ابن لادن من مخبئه من أدنى الأرض مثل روبن هود، ومعه فيلسوف الحركة المصري، أيمن الظواهري. وخرج بوش من أقصى الأرض مثل زيوس، رئيس آلهة أثينا، ومعه إله الحرب رمسفيلد، وكل منهما يدعو إلى القتل. وتشابهت قلوبهم مع اختلاف أديانهم على ملة قابيل القاتل الأول.

وما زالت محفورة في الذاكرة عندي تلك المناقشة التي جرت عبر قناة عربية، ناقش فيها عدد من السياسيين المسألة، فكانوا مثل السحرة الذين يعالجون مسبوتا في العناية المشددة بالبخور. وعندما تلت المحطة بيان شيخ المجاهدين، صاح الجمهور العربي: «نفديك بالروح بالدم يا أبو الجماجم». وابن لادن فعل ما فعل تيمورلنك، الذي كان يودع المدن بأهرام من الجماجم. وابن لادن ترك خلفه منارة من ثلاثة آلاف جمجمة أمريكية، ولكن حياة الكفار في نظره ليست بذات قيمة.

ومن يستخف بحياة الأمريكيين يستخف بحياة كل الناس، ولا يختلف في هذا بوش عن ابن لادن عن الأنظمة الثورية، فكلهم من القتلة. وتتعاون أنظمة ثورية عربية اليوم مع البنتاغون، فتلعنه في العلن وترفده بالمعلومات سرا ما يفوق توقعه، والمهم اعتلاء ظهر الجماهير بأي ثمن.

وعندما يُقتَل اليهود ننقل الأخبار بفرح، وعندما يقتل فلسطيني نقول عنه جريمة والقتل واحد. والأرض كلها ليست بديلا لقتل إنسان واحد. وإذا كان هناك مقدس فهو قطعا ليست الحجارة، بل روح الله التي نفخها في الإنسان، ومن قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعا.

 كانت خطبة (الظواهري) السابقة قبل أن يرد مورد الحمام قراءة فصل (الجهاد) في كتاب «معالم في الطريق» لسيد قطب، فنقل (القاعدة الصلبة الواعية) من صعيد مصر إلى (تورا بورا). والفكر الجهادي الجديد لا يزيد على نسخة معدلة عصرية للخوارج، ولا يكتف الآن بحرب الأنظمة الأموية المعاصرة كما فعل الخوارج من قبل، بل وصل إلى وصفة جديدة على يد الطبيب الظواهري، أن الحية تقتل الحية بهرس رأسها وليس قطع ذنبها، وقطع رأس حاكم عربي يعني التخلص من موظف صغير في الإدارة الأمريكية، والمهم نسف أمريكا. وهو ما أدخل كل العالم الإسلامي في ورطة. وأما ابن لادن فظل في حضن الفقيه الإسفراييني، أيام المماليك البرجية، يقرأ الخطاب من كتب صفراء.

تطوع يومها في المناقشة (رفيق) لبناني أراد مناقشة الظاهرة، فكان حريصا أن يخلع عباءة السلطان العباسي على كتف الحزب القائد في سوريا، حتى يرضى. ومن كان بجانب الرفاق فهو في غابة السباع، والخطأ في الكلمات أشد من المرور على ألغام الدبابات، فوجب التقيد بتعاليم السلامة، قبل أن يرفع على (الفلق) أو الخازوق في فرع أمني.

وأما الفلسطيني في الحوار المذكور فكان ينادي من لندن بالجهاد، وهو دلالة على حلم البريطانيين وعقلهم مع الخطرين أينما كانوا. ومن يستطيع أن يتحدث من لندن ضد لندن، فهي شهادة للندن. والفلسطيني معذور لأنه محاصر أربع مرات، فهو محبط وقيادته السياسية نجحت في بناء تسعة عشر جهازا أمنيا، أكثر من حل مشكلة الفلسطيني اليومية. وجامعة الدول العربية ميتة منذ ولادتها. وإسرائيل علت علوا كبيرا. وفي يوم قابلت المفكر المصري هويدي، في محطة فضائية، فقال: دع العرب يهدمون إسرائيل، طالما ليس عندهم قدرة سوى الهدم. قلت له: ولكن عندما تهدم إسرائيل، لن تحل مشاكلنا، فنستبدل المغص بالصداع والسل بالإيدز.

 وفي عام 1865 م كتب (دوستويفسكي) عن «الجريمة والعقاب»، في ظل الإحباط العام أيام القيصر الروسي، فقال إن الجو عندما يمرض يمرض كل الناس، ويصبح الكل مجرمين.

والعرب عموما يعيشون أجواء ما قبل الثورة الفرنسية، وكثير من دولهم مهيأة لانفجارات مروعة وقد حصل. والناس يؤمنون بالقتل، ولكن القتل لا يأتي إلا بالقتل. وأهم ما في الحوار حول ظاهرة العنف وابن لادن أن كل المتحاورين لم يكن عندهم بديل سوى القتل، والله يدعو إلى دار السلام.

 إنه زمن العقم العربي في عصر الظلمات السياسي.

تروي فاطمة أوفقير في كتابها المثير «حدائق الملك»، وهي كلمة تعني السجون السلطانية، أن الأوامر كانت تقضي أن لا قتل، بل الموت ألف مرة. كما يطلب أهل النار من مالك: ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون. قالت عن الملك السابق: إنه كان ينام والمسدس لا يفارق قبضته، بعد أن نجا من انقلاب قصر الصخيرات. وتروي بعد أن جلست عشرين سنة في الحبس عن الكاردينال ميزران، أنه كان في سكرات الموت عندما زاره الملك لويس الرابع عشر فقال له: أرجوك لا تتركني، إنني أعاني من القنوط جدا. سأله ميزران بضعف: لماذا؟ قال: لم أعد أثق في أحد. همس ميزران في أذن الملك: اطمئن فقد أصبحت الآن ملكا عظيما!

 

نافذة

عندما يُقتل اليهود ننقل الأخبار بفرح وعندما يقتل فلسطيني نقول عنه جريمة والقتل واحد ومن قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى