
حسن البصري
أصدر والي مدينة كوروغو شمال الكوت ديفوار، التي يحتضن ملعبها مباريات المجموعة الخامسة في «كان» 2023، قرارا غريبا قبل انطلاق المنافسات، حين طلب من سكان الولاية، خلال قداس ديني، توزيع حبهم مناصفة على المنتخبات الأربعة.
انتقل الوالي من القول إلى الفعل، فأصدر في اليوم الموالي قرارا إلى زعماء القبائل، يدعو فيه جمهور كل مدينة من المدن الأربع إلى تشجيع منتخب معين، فأصبح لمنتخب تونس جمهوره ولمالي أنصاره ولناميبيا أتباعها ولجنوب إفريقيا أحباؤها.
«منتهى العدل أن نوزع كعكة مشاعرنا على ضيوفنا مناصفة»، هذا كلام رئيس مقاطعة كوروغو، قبل أن يدعو مسؤولي المنتخبات الأربعة إلى «دعم المبادرة بتوفير القمصان والإعلام ووسائل التشجيع».
طبعا سينضم إلى هؤلاء المشجعين الذين وضعهم الوالي رهن إشارة المنتخبات الأربعة، المشجعون الأصليون ليشكلوا قوة دعم حقيقية، وبإمكان المناصر «المعار» أن ينتقل لمساندة منتخب آخر في حال إقصاء المنتخب الذي سانده بقرار رسمي.
في الحدود الشرقية للكوت ديفوار تمتد إمبراطورية «أشانتي» الغانية التي تلتهم جزءا من التراب الإيفواري، هناك تتوزع السلطة بين رئيس الدولة وحاكم المقاطعة الذي يملك السلطة الروحية والإدارية أيضا.
في الخامس من دجنبر سنة 2002، حطت بنا الطائرة في مطار أكرا الدولي، قطعنا أزيد من أربعمائة كيلومتر برا صوب مقاطعة أشانتي، من أجل تغطية وقائع مباراة نهائي كأس الكؤوس الإفريقية بين الوداد المغربي وأشانتي كوطوكو الغاني.
في اليوم الموالي تم اقتيادنا إلى قصر الإمبراطور، لأن أعراف الضيافة تقتضي التبرك بالزعيم الروحي لمنطقة تتجاوز سواحل ووسط غانا إلى البنين وجزء من الكوت ديفوار. لبينا الدعوة على مضض وعقدنا العزم على المثول أمام حاكم المقاطعة.
التمس رئيس البعثة، نصر الدين الدوبلالي، من موفد الإمبراطور، إعفاء اللاعبين من الزيارة، حتى يركزوا أكثر على المباراة، بينما سجل المدرب وطاقم الفريق حضورهم في القصر الممتد وسط حي صفيحي، حيث تتعايش الهشاشة مع الرخاء، وتتزاحم في الطريق عربات مجرورة بالدواب مع «الهامر».
وقفنا أمام بوابة قصر أتومفو أوسي توتو القابع وسط حي مبعثر، وبعد عملية تفتيش من طرف حراس البوابة الرئيسية، تقدم نحونا نجل الإمبراطور ودون مقدمات شرع في شرح قصة إمبراطورية أشانتي، أكبر الإمبراطوريات التاريخية للكيان السياسي والروحي للسكان الأصليين في إفريقيا جنوب الصحراء، وفي نهاية مداخلته اقترح على رئيس الفريق المغربي توجيه ملتمس للإمبراطور بحضور المباراة النهائية، مشيرا إلى أن وجوده يقلل من فرص اندلاع أعمال الشغب.
في الطريق المؤدي إلى قاعة الاستقبال وضعت مجسمات نساء طاعنات في السن، قيل لنا إنها تماثيل لزوجات الإمبراطور وعددهن يزيد عن العشرين، وقبل دخول البهو طلب منا مستشار الحاكم الانحناء للزعيم وحذرنا من المشي أمامه منتصبي القامة.
كان أتومفو يجلس على عرشه شبه عار، وعلى جانبيه رجلان ينوبان عن مكيف الهواء في خلق انتعاشة في مناخ القاعة، التي كانت شبه فارغة، إلا من رجال مسلحين يراقبون الوضع في صمت.
كان المشهد مملا، حين تناول أحد مستشاريه كلمة طويلة وهو يتحدث عن «الكرسي الذهبي»، الذي ادعى صاحبنا بأنه سقط من السماء علما أنه مصنوع من الخشب، وعن أسطورة «الثعبان المقدس» المدعو بيدا، الذي تحول إلى منجم للذهب.
قال مؤرخ الإمبراطورية إن هذه روح «أمة الأشانتي»، تنبعث من هذه القاعة، ووعد بالفوز المبين وإبقاء الكأس في «أشانتي»، قبل أن يتبادل الحاضرون النظرات ويتبين لهم أن الرجل يتلو علينا، عن طريق الخطأ، كلمة مخصصة لفريق أشانتي كوطوكو الغاني.
لحسن الحظ لم ينتبه الإمبراطور الذي كان يغالب النوم.





