شوف تشوف

الرئيسيةرياضةفسحة الصيف

قاد إحدى مباريات الدرجة الأولى دون عداد وجرد جمهور غاضب سيارته من العجلات

قضاة الملاعب أحمد قنديشي (حكم وطني ومراقب)

حسن البصري

مقالات ذات صلة

 

 

 

بين عين السبع والبرنوصي كبر حلم حكم واعد

ولد أحمد قنديشي في مدينة الدار البيضاء وتحديدا في حي عين السبع الصناعي، لكنه عاش طفولته وباقي مراحل حياته في حي سيدي البرنوصي المجاور، هناك فتح عينيه على الكرة وظل يمارس شغفه اليومي بالمساحات الفارغة للحي قبل أن يزحف عليها الإسمنت.

حين ظهرت مواهبه الكروية اقترح عليه أقرانه الانضمام لصغار الرشاد البرنوصي، توجه ذات صباح إلى الملعب وأجرى الاختبارات التقنية والبدنية تحت إشراف أحمد بن الزين فنجح بتقدير جيد جدا، لكن العائلة اعترضت على هذا الاختيار وألحت على أن تكون الدراسة في قائمة الأولويات.

حين أعلنت العائلة قرار «الفيتو» ظل الفتى يداعب الكرة خلسة تارة، ويميل نحو الفصل بين المتبارين، قبل أن تمارس الصفارة جاذبيتها على أحمد ويتحول إلى حكم الحي الذي لا تكتمل المباريات إلا بوجوده، وفي أصعب مباريات حي البرنوصي وعين السبع وسيدي عثمان ودوار البحر بالشاطئ، كانت كلمة الفصل ميدانيا لقنديشي الذي كان مسلحا بسلطاته التقديرية وقانون لا يخضع بالضرورة للمواد التحكيمية المتعارف عليها، ففي مثل هذه المباراة يكون الهدف «سل الشعرة من العجين».

وجد أحمد نفسه مطوقا بمسؤوليات جديدة بعد أن سطع نجمه في المنطقة كحكم متطوع له لياقة بدنية عالية وقدرة على قيادة مباريات حارقة إلى شط الأمان، وحين عين حكما لمباراة هامة ترأسها أحد أقطاب حزب الاستقلال اكتشف نفسه أكثر وقرر وضعه في وصافة الأحلام.

 

أستاذ التربية تلميذ في مدرسة التحكيم الجهوية

كان حلم أحمد أن يصبح أستاذا للتربية البدنية، الكثير من أبناء عين السبع اختاروا هذا المسار في بناء أولى لبنات مستقبلهم، ربما لأن مركز تكوين مدرسي التربية البدنية كان بجوار ملعب عين السبع، وبعد فترة تأهيل وجد أحمد نفسه يحمل صفة أستاذ التربية البدنية ويتأبط تعيينا في مؤسسة تعليمية في عين السبع (ثانوية ابن العوام).

وكأن الصدف تتآمر عليه وتصر على أن تقوده في سنة 1982 إلى عالم التحكيم، في ثانوية ابن العوام ستجمعه هيئة التدريس بحكم يدعى إبراهيم خصيم، يتقاسم معه المهنة وعشق الصفارة والانتماء لعين السبع بحكم كونه لاعبا سابقا لهذا الفريق، لمس إبراهيم الملقب في الوسط الكروي بشارلتون، مدى إصرار زميله في العمل السير في مشوار التحكيم، فنصحه بالانضمام لمدرسة التحكيم الكائنة بقاعة عبد الصمد الكنفاوي بحديقة الجامعة العربية، وحين التحق بها تبين له أن التلاميذ المتمدرسين قد قطعوا خطوات طويلة وأنه من الصعب عليه مواكبة الدراسة، يتذكر أحمد هذا الموقف:

«حين توجهت إلى قاعة عبد الصمد الكنفاوي التابعة للشبيبة والرياضة وجدت مجموعة من التلاميذ/ الحكام، استفسرت الحكم المكون الحاج الشافعي وكان يشتغل في وكالة توزيع الماء والكهرباء إلى جانب حكام وطنيين آخرين كبلفقيه والمديني، واستفسرته عن شروط الانخراط، قال لي اسمع يا بني لقد وصلنا اليوم إلى المادة الخامسة ومن المستحيل على متدرب مثلك أن يبدأ تكوينه وقد فاتته دروس مهمة، عدت إلى بيتي مكسور الوجدان، لكن القدر شاء أن ألتقي بالعربي كورة المدير التقني وابن الحي الذي ولدت فيه، وعرضت عليه مشكلتي، فطلب مني التوجه مباشرة نحو الحكم بوليد بعصبة الشاوية وبتوصية منه دخلت مدرسة التحكيم حيث قيل حينها للشافعي إن هذا الشاب أستاذ للتربية البدنية ومن السهل مواكبته للدروس، حينها قررت استدراك ما فات من مواد».

تواصل الأقدار جر أحمد نحو قطاع التحكيم، فحين انتقل للاشتغال في ثانوية ابن البناء المراكشي، صادف وجود تلميذ يسكنه عشق الصفارة، «كان مصطفى محضي تلميذا في الأولى ثانوي لكنه كان عاشقا للتحكيم، تجاذبنا أطراف الحديث عن عشق مشترك فتبين لي أنه من بين أبرز حكام البطولة المهنية بالرغم من صغر سنه، اقترح علي الانخراط في التحكيم النقابي، رحبت بالفكرة وفي لقاء جمعني بكل من الباقري والعلوي تم قبولي على الفور وأصبحت حكما للبطولة المهنية، التي كانت مبارياتها تجرى بعد زوال كل سبت وسط متابعة جماهيرية قياسية».

بعد نهاية الموسم الرياضي التحق الأستاذ والتلميذ بالعصبة الجهوية للتحكيم بالدار البيضاء، وبدأ كل منهما مسارا جديدا في درب المنافسات الرسمية، حيث قاد قنديشي مباريات السد الحارقة أبرزها مواجهة الوحدة ووفاء وداد والتي انتهت بضربات الجزاء لفائدة الوفاء لكن إشكالا إداريا دفع العصبة لإعادة المباراة.

في سنة 1987 سيرتقي أحمد إلى درجة حكم وطني، جاء ذلك تزامنا مع تعيين سعيد بن منصور رئيسا للجنة المركزية للتحكيم، في عهد الرئيس الكولونيل إدريس باموس، حيث أحد ثورة في قطاع التحكيم مكنت مجموعة من الحكام الشباب من التموقع في مختلف المراتب، وكان قنديشي وهو في السادسة والعشرين أحد المنتفعين من ثورة التشبيب التي قطعت مع عهد مضى.

 

سيارة الحكم بدون عجلات

كانت أول مباراة يقودها حكمنا في العاصمة الشرقية، بعد أن توصل بتعيين لقيادة مواجهة نارية بين المولودية الوجدية واتحاد سيدي قاسم، توجه أحمد إلى مدينة وجدة رفقة مساعديه، وحتى يكونوا في أتم الجاهزية فضلوا قضاء ليلة السفر في عربات غرف النوم «كوشيت»، وصل الطاقم في الصباح إلى وجدة وحجز أفراده فندقا استعدادا للمباراة، التي دارت أطوارها في ظروف جيدة.

يتذكر قنديشي هذه المباراة الهامة في مساره التحكيمي: «في نهاية المباراة توجه نحوي مراقب الجامعة وقبل رأسي شاكرا الطاقم على حسن الأداء، وفي نفس الأمسية قررنا العودة إلى الدار البيضاء عبر القطار، ومن خلال تجاذبنا أطراف الحديث اعترف كل منا للآخر بقضاء ليلة بيضاء، وتبين أن الأرق جثم على جفوننا من شدة التفكير في المباراة، طبيعي أن يعيش حكم في بداية مشواره ببطولة الصفوة هذه المشاعر».

في بداية مساره التحكيمي مع اللجنة الوطنية للتحكيم، عاش قنديشي مجموعة من المواقف الطريفة، فقد كان يستعد يوما لولوج ملعب الفتح كحكم رابع في مباراة للفريق الرباطي، قبل أن يتوصل بمرسول يطلب منه التنقل فورا إلى ملعب البريد الرباطي لقيادة مباراة كانت ستجمع سبورتينغ سلا بالجيش الملكي، وتم الاتصال أيضا بمساعدين من الرباط ليكتمل الطاقم، بعد أن تعذر على الطاقم المعين حضور مواجهة العدوتين.

ككل البدايات عاش أحمد في تنقلاته خارج الدار البيضاء العديد من المواقف التي لازال يتذكرها في جلساته مع زملائه الحكام، خاصة في المباريات التي يكون فريق اتحاد يعقوب المنصور طرفا فيها.

«عشت مع اتحاد يعقوب المنصور في بطولة الهواة مواقف لا تنسى، فقد عينت لقيادة مباراة له ضد النادي القصري بالقصر الكبير، انتهت بفوز المحليين فاعتقد أبناء يعقوب المنصور بأنني سبب خسارتهم، لكن الجامعة ستعينني لمباراة أخرى لهذا الفريق الرباطي ضد شباب أصيلا، وفي الجولة الأولى كان فريق يعقوب المنصور منهزما بهدف لصفر، وقبل انتهاء المباراة سيتدارك المحليون الموقف وسيسجلون فوزا بهدفين لواحد، غادرت الملعب متوجها نحو سيارتي التي كنت قد ركنتها في زقاق بهذا الحي، فاكتشفت أن عجلاتها الأربعة قد تعرضت لثقوب عميقة، وأصبح من المستحيل استعمالها، حضر رئيس يعقوب المنصور وأخبرني بأن الاعتداء وقع حين كان الفريق المحلي منهزما، وأحضر لي أربع عجلات، لكن في اليوم الموالي تلقيت مكالمة من عضو في لجنة التحكيم يستفسرني عن قبولي عجلات الرئيس، قلت له بنبرة ساخرة كيف أعود إلى الدار البيضاء بسيارة بدون عجلات هل أضعها في السكة الحديدية».

 

شاهد عيان على محرقة «ديربي»

عاش قنديشي وعلى غرار باقي الحكام محاولات لتليين موقفه وجعل صفارته في خدمة مسيرين كانوا يجرون الحكام جرا نحو مستنقع الفساد، لكن في المقابل انتفض حكام في وجه المرتشين، حيث سبق للحكم أحمد قنديشي، أن فضح محاولة إرشائه، في أواسط التسعينات، من طرف مدرب كان يشرف على تدريب المولودية الوجدية، حيث قال له في مستودع الملابس في ملعب وجدة «أمانتك في الحفظ والصون»، ولأن تقرير الحكم دون هذه الواقعة فقد كان مصير المدرب التوقيف.

حين كتب لأحمد أن يكون ضمن طاقم تحكيم مباراة ديربي سنة 1998، صادف مباراة أسالت مدادا غزيرا، حين عين حكما رابعا لأول وآخر «ديربي» يقوده عبد الرحيم العرجون، خاصة في ظل الانتقادات التي وجهت له والتي تجاوزت حدود رقعة الملعب إلى خارج هذا النطاق، وصلت إلى حد التهديد بالاعتداء الجسدي. زاد الاحتقان عندما تدخل مسؤولو الوداد وطالبوا لاعبيهم بمغادرة الملعب، قبل أن يعدلوا عن الأمر بتدخل من المسير أبو بكر اجضاهيم، مباشرة بعد نهاية المباراة التي انتهت بالتعادل صرح العرجون بأن هذه المواجهة هي الأخيرة وعلى امتداد شهر كامل رابطت السلطات الأمنية بالقرب من منزل العرجون خوفا من مداهمة متعصبين.

دعا أحمد عموري رئيس لجنة التحكيم، الحكم الدولي عبد الرحيم العرجون إلى جلسة استماع وأكد له وقوف اللجنة المركزية للتحكيم إلى جانبه، وسلمه تعيينا لقيادة مباراة «ديربي» إلا أن عبد الرحيم أرسل شهادة طبية تعفيه من وجع الرأس. كان قنديشي شاهدا على هذه النكبة التي يذكرها الرجاويون والوداديون.

حين اعتزل حكمنا الصفارة، لم يعتزل التحكيم وظل يمارس هذا الهوس اليومي كمحلل تحكيمي، في مجموعة من المحطات الإذاعية والتلفزية، ومكون للأجيال الحالية من الحكام، وكمقيم لأداء الحكام الممارسين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى